من أشراف حلب الشهباء أسرة آل الجنزير
وتحقيق حول معنى جنزير وزنجير
في معاجم اللغة
د. محمد رفعت زنجير
[email protected]
كثيراً ما يسألني بعض الأحباب والأصدقاء عن معنى زنجير، ولدى
العودة للمعاجم وجدت في كتاب العين للخليل بن أحمد، ضمن مادة (زنجر): ما يأتي: "الزَّنجرة
من قولك: زَنجرَ فلان لفلانٍ، إذا قال بظفرِ إبهامه على ظُفرِ سبّابته، ثم قرع
بينهما في قول: ولا مثل هذا قال: فأرسلت إلى سلمى بأن النَّفس مشغُوفه
فما جادت لنا سلمى بزنجيرٍ ولا فوقـه
وقد ضمنت المعاجم ما ورد في كتاب العين للخليل بن أحمد، ففي
لسان العرب مادة (زنجر): "الليث: زَنْجَرَ فلان لك إذا قال بظفر إِبهامه
ووضعها على ظُفْر سَبَّابته ثم قرع بينهما في قوله: ولا مثل هذا، واسم ذلك
الزِّنْجِيرُ؛ وأَنشد: فأَرسلتُ إِلى سَلْمى بأَنَّ النَّفْسَ مَشْغُوفَهْ
فما جادَتْ لنا سَلْمى بِزِنْجِيرٍ، ولا
فُوفَهْ
والزِّنْجِير: قَرْعُ الإِبهام على الوسطى بالسبابة. ابن
الأَعرابي:الزِّنْجِيرَةُ ما يأْخذ طَرَفُ الإِبهام من رأْس السّنّ إذا قال: ما لك
عندي شيء ولا ذه. أَبو زيد: يقال للبياض الذي على أَظفار الأَحداث الزِّنْجِيرُ
والزِّنجيرة والفُوفُ والوَبْشُ".
ووردت المادة في أساس البلاغة، والقاموس المحيط، والمعجم
الوسيط، ومعظم المعاجم العربية بهذا المعنى...
ويبدو أنه في العصور الأخيرة تطورت دلالة الكلمة فحملت معنى
آخر، وهو القيد أو السلسلة، إذ لم نجد هذا المعنى في المعاجم القديمة، ولعل
السبب في ذلك: أن هذه الكلمة موجودة في اللغة السريانية والتركية والفارسية
والكردية وهي بفتح الزاي، ولربما انتقلت منها إلى العربية لتكون بكسر الزاي موافقة
لما في التراث المعجمي العربي، وصارت تحمل الدلالة نفسها التي تحملها في اللغات
الأخرى [انظر ما ذكره الأسدي في موسوعة حلب المقارنة، مادة (الجنزير)].
إذاً ربما انتقل إلى العربية معنى جديد للكلمة، ويطلق
البعض عى القيد أو السلسلة لفظ (الجنزير) وهي عامية متداولة وقد تكون غير فصيحة،
وكلاهما بمعنى واحد كما ورد في المعجم الوسيط وموسوعة حلب المقارنة، ونضيف إليهما
ما جاء في كتاب [ تكملة المعاجم العربية لرينهارت دوزي في مادة (جنزر) في
موقع الوراق الإلكتروني على الشبكة] الآتي: "جَنَّزَر (أنظر، زْنْجَر): تحول إلى
زنجار... وجنزر: قيّد، كبَّل، صفد، صفّد ...جنزرة: التحول إلى غبار، من اصطلاح
الكيمياء، وهو مستخلص ملحي، يشبه العفن الذي يظهر على سطوح المعادن...جْنزار: تصحيف
زنجار، وهو الخضرة التي تعلو النحاس ...جِنزير: بالفارسية زنجير، ويجمع على جنازير:
سلسلة ... وجنزير: إطار قطعة النقوش، وهو الحرف المنقوش منها".
فائدة:
هنالك من آل البيت من لقب بالزنجيركما ذكر أهل العلم، فقد جاء
في كتاب : الشجرة المباركة في الأنساب الطالبية للفخر الرازي، [ص 2، موقع الوراق]
ما يأتي: "وقال السيد أبو إسماعيل الطباطبائي نسابة أصفهان: لمحمد بن صالح ابن رابح
اسمه علقمة، وأثبت منه عقبآ. وأما يوسف الخزف بن موسى الثاني، فله ولدان: رحمة
ونعمة، ومنهما عتب بالحجاز، ولرحمة ولد اسمه شبيل، وقيل: أحمد يعرف ب(الزنجير) له
أقاويل في أنساب الطالبيين، وله عقب".
عائلتنا
وعائلتنا معروفة من سكان حي الكلاسة، وهو حي شعبي عريق بمدينة
حلب الشهباء، وهي مشهورة لدى عامة الناس بلقب الجنزير، وكان والدي رحمه الله يذكر
لنا ذلك، وأن شيخ حلب في عصره أحمد بن قاسم شنون الحجار (ت1287هـ) من أبناء
عمومتنا، وكنت أزور قبره مع والدي في تربة الكليماتي، ولكن لم أكن أعرف الصلة بين
حجار وجنزير، وعرفت من الأهل وبعض أهل العلم أن لنا نسباً شريفاً، ولكن كنت حريصا
على توثيقه، فما أكثر المدعين بالانتساب لآل البيت الكرام من دون قرائن ثابتة!.
وحدث ذات مرة أني كنت أقرأ في كتاب (صفحات من صبر العلماء على
شدائد العلم والتحصيل) للعلامة المحقق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة طيب الله ثراه،
فوجدت [ص (278) من الطبعة الثالثة، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب ] إشارةً من
الشيخ أبي غدة إلى ترجمة العلامة أحمد الحجار، اقتبسها من كتاب: [
إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء للطباخ]، وقال في مقدمة حديثه عنه: "العلامة
الشيخ أحمد بن قاسم الشهير بالحجار، من من أهل النسب الطاهر العلوي، الفقيه الحنفي
الأصولي الفرضي النحوي، الحَفَّاظ، وقد حفظ كتاب (جمع الجوامع) الأصولي عن
ظهر قلب في فترة يسيرة، وكان حلَّال المشكلات، في العلوم والمعارف النقلية
والرياضية، مشاركاً في علم الفلك والطب وغيرهما، آية من آيات الله في العلم والعمل
والذكاء وقوة الحافظة، له غرام عجيب بالكتب وجمعها واقتنائها".
وقد أغراني هذا التعريف بهذا العَلَم بالعودة إلى مصدر الترجمة،
فرجعت إلى كتاب الشيخ العلامة محمد راغب الطباخ رحمه الله [الطبعة الأولى (1345هـ/
1926م) والمطبوع في المطبعة العلمية بحلب، الجزء السابع، ص (311)]: فقرأت في ترجمة
المذكور ما يأتي" العلامة الشيخ أحمد بن قاسم شَنُّون الشهير بالحجار، ترجمه ولده
الشيخ عبد الرحمن بكتاب كان أرسله إلى بعض أصحابه فقال: هو المرحوم العلامة أبو عبد
الرحمن الشهاب أحمد بن قاسم شنون الحجار الحلبي، نشأ رحمه في حجر أبيه، وكان
أبوه من الصالحين، من أهل النسب الطاهر العلوي، يتصل نسبه بالسادة الأشراف آل
الجنزير، بالجيم والنون والزاي آخره راء مهملة".
فقلت الحمد لله، فقد ثبت النسب الشريف عند أعيان أهل العلم
والحمد لله رب العالمين، وتأكد لي بالدليل ما كان يذكره لي ابن عمتي الباحث الشيخ
محمد رضوان ريحاوي خريج المدرسة الشعبانية بحلب والجامعة الإسلامية بالمدينة
المنورة، عن بعض شيوخه الكرام الذين كانوا يلتمسون منه دعاء والدته تبركاً بنسبها
الشريف.
ثم التقيت بالشيخ أبي غدة عند أخي العلامة مجد أحمد سعيد
مكي وذكرله نسبي الشريف، واشتغالي بعلم الحديث، فاحتفى بي حفاوة بالغة رحمه الله
تعالى!.
وكذلك التقيت بجدة بالشيخ أحمد السردار رحمه الله تعالى!، فذكر
لي أن الشيخ الحجار من آل البيت، وأنه كان ملقباً بهزبر العلماء، وأكد لي صحة النسب
الشريف.
فالحمد لله رب العالمين، الذي أكرمنا بالانتساب إلى آل بيت
نبيه الطيبين الطاهرين، وقد سردنا هذه المعلومات من باب التحدث بنعمة الله، لا
رياءً وسمعة، فمن أبطأبه عمله، لم يسرع به نسبه!.
وقد قلت في إهداء كتابي: ســــبائك الذهب في فضائل العرب وقد
نشر ورقيا بواسطة دار اقرأ، دمشق، 2011
م، وأعيد نشره حصرياً في موقع الألوكة المحترم متحدثاً بنعمة الله عز
وجل:
إلى سيد العرب غير منازع
إلى من وحدهم وهذبهم وعلمهم وزكاهم ورباهم
إلى من جعل من رعاة الغنم رعاةً للأمم
إلى من جعل اللغة العربية سيدة اللغات
إلى من رفع شعبه وأمته والإنسانية جميعاً بهذا القرآن الكريم
إلى سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأولين
والآخرين
وإلى أمته الصابرة المصابرة التي جعلها الله خير أمة أخرجت
للناس
إلى سيدنا النبي وأمته جميعاً أهدي هذا الكتاب، وذكرت هذين
البيتين:
جـــــدي النبيُّ وأهل البيت والكرم
داري العروبةُ مهــد البيتِ والحرمِ
هيهــــات أخشى مع الإسلام نائبةً
فالله ربـــــــي وحبلُ الله معتصمي
نسأل الله الكريم أن يحسن أعمالنا، ويبيض وجوهنا، ويرحم
مشايخنا، إنه سميع قريب مجيب!.
تساؤل وجوابه
للمرء أن يتساءل: كيف تحولت العائلة جنزير الى زنجير؟. وفي
الجواب نؤكد أن معناهما واحد كما سبق ذكر ذلك، ونضيف إلى ما قررناه آنفاً ما جاء في
تكملة المعاجم العربية لرينهارت دوزي، مادة (زنجر): "الجنزير بالعربي يقابل
الزنجيربالفارسية".
وورد نحو ذلك في المعجم الوسيط، حيث جاء في مادة (جنزر):
"الجنزير سلسلة من المعدن، تستعمل كالشريط لقياس المسافات الطويلة. وهو بالفارسية:
زنجير".
فالكلمتان لهما معنى واحد، وكلمة زنجير تركية أيضاً كما ذكرت
آنفاً، وكان والدي رحمه الله يذكر لنا أن عائلتنا هي الجنزير، وأن الأتراك
العثمانيين كتبوها زنجير حيث كانت سوريا تحت الحكم التركي، وكثيرا ما يحصل تداخل
بين بعض الكلمات التركية والعربية ولا سيما إذا كانت متشابهة بالمعنى، على أن عمتي
مثلا بقيت مسجلة في دائرة النفوس جنزير، إذ لم يكن هنالك هذه الدقة في
التدوين كما هو الحال اليوم.
وبالجملة: فإن زنجيروجنزير معناهما واحد الآن، وقد يستخدم أحد
اللفظين محل صاحبه، وقد أشار أهل العلم قديماً وحديثاً إلى أن من أفراد وعوائل أهل
البيت من حمل هذا اللقب، أسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
كما أسأل الله عز وجل أن ينفعنا ويرحمنا، وأن يلحقنا بأحبابه
وأصفيائه، وأن يحشرنا تحت لواء المصطفى، مع الآل والقرابة والأصحاب أهل الوفا، وأن
يفرج عن أهلنا في بلاد الشام وسائر أوطان المسلمين، وأن ينجيهم من كل كرب، ويخذل
أعداءهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ر العالمين.
تكملة المعاجم العربية لرينهارت دوزي موقع الوراق، على الرابط:
الرابط
الشجرة المباركة في الأنساب الطالبية للفخر الرازي، ص 2، موقع
الوراق، على الرابط:
الرابط