غزة و قلب العرب..!!

هنادي نصر الله

لن أنسى تلك الجميلة " أم إبراهيم العلي"  الفلسطينية المقيمة في صيدا في لبنان عمرها يقترب من عمر أمي، احتضنتني بقلبها والدموع تُبللُ عينها.. رائحتكِ تحملُ طيبة أهل غزة، نقاءَ رجالها، عزة أمهاتها.. سلمتْ علي، وضمتني إلى زراعيها بقوة، قبل أن أنتقل معها إلى صيدا حيثُ محاضرةً ستجمعني مع فتياتها هناك؛ والحديث كله يدور عن حرب غزة ومعركة العصف المأكول..

بدأتُ أتحدث؛ وكلُ الفتيات ينصتن باهتمامٍ عجيبٍ وكبير، بينما تبكي كثيرات منهن، فقد تعرضتُ غزة لألمٍ وعدوانٍ نقله الإعلام بكل وسائله، لكن كثيرًا من التعبيرات والمشاعر والأحاسيس لم ينقلها في زحمة الأحداث..

ساعة ونصف كانت مدة المحاضرة،لم أشعرْ بالوقتْ وأنا أقول وأسأل عن أيِ شيءٍ تريدون أن أتحدث؟ عن هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، عن أيدٍ مقطعة، أم عن جماجم متناثرة، عن برك الدماء أم عن الأشلاء..؟؟

عن لوعة الأطفال وقد خلعوا ملابس العيد وارتدوا الأكفان؟؟ أم عن أمهاتٍ ما عادتْ صدورهن تحوي لأطفالهن بالحنان؟؟ أم عن طبيبٍ يُفاجأ بأن نجله شهيد؟؟ أم عن عروسٍ زفتْ إلى القبر بدلاً من العريس؟؟ عن مصنعٍ كان يقيم اقتصادنا وأصبح الآن سراب؟ عن تاجرٍ مفجوعٍ أم أبٍ مكلوم.. عن أيِ شيءٍ تريدون؟؟

قلتُ لهم عن كل ما سبق، ثم أتبعتْ رغم كل ما سمعتم.. غزة مع المقاومة.. فأغلب من فقدوا منازلهم وأحبابهم يقولون..  نمنحكم كل شيءٍ إلا سلاح المقاومة.. انزعوا كل شيءٍ إلا حقنا في المقاومة..

مهمٌ جدًا آلا ننسى العدوان الغاشم؛ فقد عشنا قرابة الشهرين نعاني، وأقسى شيءٍ على النفس أن تشعر وحدها بأنها تقاوم..

موقفٌ آخر كثيرون من العربِ لم يعرفوا عن غزة إلا القليل، قابلتني إحدى العربيات ولا أريد أن أحدد جنسيتها، وفور معرفتها أنني من غزة، سألتني سؤالاً نكرًا " هل حقًا تعيشون كما نسمعُ في الإعلام؟؟

قلتُ لها ما سمعتموه في الإعلام لا يعني إلا القليل من الحقيقة..

تفاجأتْ، تعجبتْ.. ثم قالتْ " الله معكم"..

العرب يعيشون، همهم وشغلهم الشاغل الترفيه والترويح، وغزة مكلومة، بالكاد يتسع لأحلامها بحرها المحاصر..

حزنتُ كثيرًا على أهلي وأحبابي، على نفسي وشعبي، وأنا أتنقل في محطاتٍ ترفيهيةٍ كثيرة، قلتْ.. كيف لإنسانٍ لديه كل مقومات الترفيه أن يشعر بأخيه المحاصر والفقير والمعدوم؟؟

وأبقى أقول.. من يده في النار، ليس كمن يده في الماء، لا يشعر بالألم إلا من عاشه..

صحيحٌ هناك من يتعاطفون معنا، لكن يبقى تعاطفهم مؤقتْ، تعاطفهم لحظة الحدث، أما نحن من نعيش تحت وطأة الحصار والحرمان نبقى نتأثر إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا..

اللهم كن مع غزة، وأهلها.. وامنح العرب شعورًا يجعلهم يشعرون بنا على الدوام.. ولا ينسونا في غمرة ترفيههم وإنشغالهم بأعمالهم الخاصة..