المرأة في التاريخ السياسي

د. نعيم محمد عبد الغني

[email protected]

منذ فجر التاريخ شاركت المرأة في الحراك السياسي، وإن اتسمت مشاركتها بأنها كانت أقل حجما من مشاركة الرجل؛ نظرا لطبيعتها من ناحية، ولتقاليد المجتمع من ناحية أخرى.

ولم تتول المرأة كل الوظائف السياسية التي تولاها الرجل، إلا في العصر الحديث حيث أصبحت رئيسة ووزيرة وعضوا في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وقد حفظ التاريخ لنا أعلاما مثلت نقاطا بارزة لمشاركة المرأة في التاريخ السياسي، تجلت الحكمة فيهن، فنذكر مثلا من النساء اللاتي تولين منصب الملك والرياسة كيلوبترا الفرعونية والزباء المقدونية، وشجرة الدر المملوكية..إلخ.

ولنأخذ مثلا الزباء التي يروي المؤرخون عنها أن اسمها زنوبيا وأنها زوجة "أودنانس" الذي بسط نفوذ ملكه على الشرق حتى لقب بقائد الشرق، غير أن ابن أخيه قتله لسبب مجهول، فقامت الزباء بالانتقام لزوجها ورعاية أولادها الصغار الذين كانوا لا يصلحون للحكم، وتولت إدارة البلاد وخاضت غمار المعارك حتى وضعت التاج على رأسها وشهد لها القاصي والداني بالشجاعة والبسالة مع عدلها في الحكم وأضافت إلى ممتلكات زوجها حتى امتد نفوذها من الفرات إلى البحر المتوسط: القدس وأنطاكية ودمشق، وظلت في صراع مع أباطرة الرومان تهزمهم المرة تلو الأخرى حتى هزمها أورليان الذي احترم شجاعتها ووفر لها حياة كريمة غير أنها كانت تقول: "سأعيش ملكة وسأموت ملكة"، ولم تطق العيش مهزومة فقتلت نفسها جوعا وماتت عام 250 ميلادية، وقيل في موتها غير ذلك، إلا أن الشاهد في القصة أن المرأة كانت في القديم باستطاعتها أن تقود الدولة، والقرآن يحدثنا عن بلقيس ملكة سبأ التي أسلمت مع سليمان وكانت عاقلة حكيمة، استطاعت معرفة حقيقة سليمان فلما أدركت أنه نبي أسلمت هي وقومها لله رب العالمين.

وهناك نسوة في التاريخ السياسي أسهموا بدور بارز بطريقة غير مباشرة، كأن تكون المرأة زوجة لسياسي تتحكم في تعيين أشخاص بعينهم في المناصب العليا، وعزل آخرين منها، كما حدث في العصر العباسي من زبيدة زوجة الرشيد...التي جعلت الرشيد يعقد البيعة بالخلافة من بعده لابنها محمد بن زبيدة الذي لقب بالأمين وعمره خمس سنين؛ بعد أن أرضت الجند بأموال عظيمة حتى سكتوا على ما يذكر صاحب النجوم الزاهرة.  

وكان دورها الاستشاري  مؤثرا في تغيير كثير من الأحداث التاريخية، فبيعة العقبة الثانية التي كانت بمثابة تأسيس للدولة الإسلامية الناشئة وكانت المرأة ممثلة بأم عمارة وأسماء بنت عمرو بن عدي من بني سلم، وتحكي أم عمارة هذا الموقف كما ورد في الإصابة فتقول: (كانت الرجال تصفف على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بيعة العقبة، والعباس آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينادى زوجي غزية بن عمرو يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا تبايعانك فقال: إني لا أصافح النساء).

وفي صلح الحديبية كانت مشورة أم سلمة رضي الله عنها على النبي صلى الله عليه وسلم الذي أبرم بنود صلح مع قريش أغضبت الصحابة رضوان الله عليهم حتى بلغ بهم الأمر أنهم لم ينفذوا أمره صلى الله عليه وسلم بنحر البدن وحلق الرأس، فخففت عنه رضي الله عنها وقالت له إن القوم مكروبون، وأشارت عليه بأن ينحر هديه ويحلق رأسه ولا يكلم أحدا، ففعل، وتهافت الصحابة على طاعة أمر النبي حتى كاد يقتل بعضهم بعضا من المسارعة في نحر البدن وحلق الرأس.

ووصل دور المرأة الاستشاري أوجه حيث كانت تحاور رئيس الدولة في شؤون السياسة، كزينب بنت المهاجر التي تروي كتب السنة والتراجم ومنها صحيح البخاري أنها قالت: (خرجت حاجة ومعي امرأة فضربت على فسطاطاً، ونذرت أن لا أتكلم، فجاء رجل فوقف على باب الخيمة، فقال السلام عليكم فردت عليه صاحبتي، فقال ما شأن صاحبتك لم ترد علي، قالت إنها مصمتة، إنها نذرت أن لا تتكلم فقال تكلمي، فإنما هذا من فعل الجاهلية، فقلت من أنت يرحمك الله قال امرؤ من المهاجرين، قلت من أى المهاجرين؟ قال من قريش. قلت من أي قريش؟ قال إنكِ لسؤول، أنا أبو بكر، قلت يا خليفة رسول الله إنا كنا حديث عهد بجاهلية لا يأمن من بعضنا بعضا، وقد جاء الله من الأمر بما ترى فحتى متى يدوم لنا هذا؟ قال ما صلحت أئمتكم قلت ومن الأئمة؟ قال أليس في قومك أشراف يطاعون قلت بلى. قال أولئك الأئمة).

وكان للمرأة دورها البارز في الدبلوماسية التي يكون هدفها الصلح بين المتخاصمين؛ فكانت بهيسة التي تزوجت الحارث بن عوف سببا في وقف نزيف الدم بين قبيلة عبس وذبيان في العصر الجاهلي؛ حيث كانت المحرك الأول لزوجها الحارث لأن يسعى في الصلح بين المتخاصمين ويتحمل ديات القتلى ثلاثة آلاف بعير يؤدونها على سنتين، وكانت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تسعى للصلح بين الصحابة في معركتي صفين والجمل، بعد أن زرع اليهود بقيادة عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء بذور الشقاق بين الصحابة بمقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وما أتبعه من أحداث مريرة على المسلمين حيث أججت نار الفتنة التي فرقت المسلمين أحزابا وشيعا.

إذا نخلص من ذلك كله إلى أن المرأة وإن لم تشارك في كل المناصب السياسية المعروفة إلا أنها كانت ضميرا مستترا وبارزا في مفردات السياسة التي كونت جملة التاريخ السياسي في حياة البشرية، وبعضهن أثبت كفاءة عجز الرجال عنها، وقد دفع هذا بأحد الشعراء لأن يمدح أم الخليفة المتوكل فقال:

ولو أن النساء كمثل هذه

لفضلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيب

ولا التذكير فخر للهلال.