مسلسل التهويد ...
و الرد المطلوب
د. محمد ياسر عمرو
لقد فاحت رائحة العنصرية والصهيونية حينما طالب رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني اعتراف الفلسطينيين بيهودية "دولة إسرائيل" كشرط لأي مفاوضات قادمة، واعتبرها الكثير رسالة عنصرية أو رمية سهم طائش مسموم برائحة صهيونية، لذلك لم يقف الكثير عند ذاك الفعل، رغم ما كتب عنه وما تناقله المحللون، ولكن لو نظرنا نظرة المتأمل لمجموعة من الأحداث والمواقف التي سبقت وتلت هذا الإعلان لرأينا وبوضح توجه دولة الكيان إلى تفعيل سياسة التهويد التي انتهجتها منذ قيام دولتهم المزعومة، واليوم نشاهد التطبيق الشامل لهذه السياسة فكريا وعلى الأرض ، لذلك لجأت هذه الدولة للعديد من الإجراءات التي كانت آخرها سرقة المسجد الإبراهيمي أو الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال، وهنا بعض الأمثلة على هذه الروح التي بدأت تنبعث من جديد:
1- اتخذت وزارة التربية والتعليم "المعارف" الصهيونية قراراً بمنع استخدام كلمة "النكبة " في المناهج التعليمية لعرب الداخل، فوزير التربية والتعليم الصهيوني غدعون ساعر "من الليكود" أعلن أنه سيتم منع استخدام كلمة "النكبة" في مناهج التعليم على أن يتم استخدام كلمة "مأساة" بدلاً منها.
2- شارك وزير المعارف، جدعون ساعر يوم 4-2-2010 في وضع حجر الأساس لبناء حضانات أطفال في مستوطنة بركان في الضفة الغربية، ولما وجه له النقد والتشكيك في دوافع هذا السلوك قال: تعليم الأطفال لا علاقة له بالسياسة، وقال أتمنى بناء مئات الحضانات والمدارس في الضفة الغربية يعني مستوطنات الضفة .
3- قررت وزارة المعارف الصهيونية والوزير جدعون تشجيع الخدمة المدنية والعسكرية كمعيار لمكافأة المدارس والطواقم التربوية والإدارية بمقدار ولائها للخدمة العسكرية والمدنية في اسرائيل.
4- قرت وزارة جدعون على الطلبة الفلسطينيين في الداخل ترديد النشيد الوطني الإسرائيلي.
5- أظهرت وثائق في أرشيف الجيش الصهيوني تم كشفها أخيراً، أنه عمل منذ قيام الدولة العبرية سنة 1948 على إزالة آثار قرى وبلدات عربية تم تهجير سكانها ومحوها من الوجود، وتنفيذ حملات غايتها تفجير مساجد وأضرحة أولياء بأوامر صادرة عن قائد الجبهة الجنوبية في حينه موشيه ديّان، الذي حول، حسب مؤرخ صهيوني، فلسطين إلى صحراء مدمرة لطمس الحضارة العربية التي كانت قائمة وإقامة دولة الاحتلال عليها. وتناول تقرير، نشرته صحيفة هآرتس مؤخراً، حملات تدمير المعالم العربية في فلسطين عام 1950 خصوصاً الأماكن المقدسة، وفي شهر تموز/ يوليو 1950 أصدر ديّان، أمراً بهدم مقام "مشهد الحسين"، الذي تم بناؤه في القرن الـ11، وشملت حملة تفجير المساجد تدمير أكثر من 120 مسجداً من أصل 160 مسجداً كانت قائمة في القرى والمدن الفلسطينية قبل عام 1948، لكن هدم "مشهد الحسين" يتميز بوجود وثائق حول أوامر ديّان بتفجيره.
6- نشرت إحدى الصحف الإسرائيلية خبرا مفاده التمييز في التوظيف، والحظ الأوفر للأكثر صهيونية.
هذه بعض الأمثلة مما تنتهجه الدولة الصهيونية من أجل تهويد الأرض والإنسان، وهنا توجه السياسة الصهيونية سلاحها نحو الديمقراطية التي لطالما تغنت بها هي وحلفاؤها، وأنه تم زرع دولة ديمقراطية في سويداء قلب الوطن العربي، بذلك تبطل هذه النظرية ولم تكن إسرائيل في يوم من الأيام ديمقراطية ولم تعد كذلك، هذا وتعتبر هذه السياسة ضربة قاصمة لمبادئ حقوق الإنسان التي لطالما تم التغني بها، فأي حقوق إنسان تقوم على التمييز العنصري، وعلى القهر، وكيف ستطالب الدولة اليهودية ولاء العرب في الداخل وهي تمارس ضدهم أسوأ أمثلة العنصرية والتغريب ؟
وهنا يأتي دور الكتاب والدارسين والصحفيين للرصد اليومي للسلوكيات الصهيونية اليهودية لتكون كلها بمثابة أدلة وقرائن تثبت عنصرية هذه الدولة، أما ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال لمنظومة الآثار التي هودت فهذه مسألة دينية تراثية قانونية إنسانية، ولا تقل في أهميتها وخطرها عن بناء جدار الفصل العنصري، والسكوت عن هذه الجريمة طريق لتمرير جرائم أخرى، لذا تتعين قيام المعارك القانونية على كل المستويات لإدانة القرار والرجوع عنه، إضافة للفعاليات الشعبية والوطنية في فلسطين، كما تمس الحاجة لتأسيس فريق من القانونيين الأحرار في العالم ليقودوا مبادرة الوقوف في وجه هذا الزحف العنصري الصهيوني الذي يود أن يهود الهواء والماء لو استطاع إليه سبيلا ، كما ينبغي على الفلسطينيين سرعة توثيق هذه المواقع وغيرها لدى اليونسكو كمواقع تاريخية فلسطينية كسد آخر يمنع زحف التهويد لهم، ولن تكون هذه آخر الاعتداءات والسرقات، فالمشاريع التي تعد للتهويد لا تعد ولا تحصى فلا بد من أن نكون بمستوى التحدي على كل المستويات.