قصتي مع الأضواء الملونة وحارس المدونة
عبد الحفيظ كورجيت
في مفترق الطرق قرب ثانوية عبد الله كنون التأهيلية كان ينصب الكمين للضحية. أشار لي برَكن سيارتي على اليمين واثقا من حصوله على صيد ثمين . تهمتي إذن جاهزة و مهمته الآن ناجزة. كيف لا وقد قرّر أني "أحرقت" الضوء الأحمر تحت جنح الظلام وقد رمقتني "العيون التي لا تنام".
- ماذا هناك يا صاحب الشرطة؟
- يا هذا أنت في ورطة.
ناولته الوثائق التي طلب مستفسرا عن السبب. فأجابني في غضب أن كل المخالفين يتظاهرون بالعجب.
-مررتَ والضوء أحمر.
- لم يكن بعدُ أحمر بل كان برتقاليا(لتشيني).
ما كدت أنطق النون حتى أصابته نوبة من الجنون وانطلق يُرغد ويُزبد و بالغرامة وخصم النقط يتوعّد. كيف لا ومواطن تافه يشكك في حدة بصره الذي لا يأتيه الباطل من تحت خوذته ولا من فوق دراجته.
إلحاحي على صدق روايتي لم يخفف من إدانتي . لست أدري كيف غاب عنّي ,وأنا تحت وقع التّهمة , أن تكون بذلته الزرقاء تيمنا بزرقاء اليمامة وأنّها على حدّة بصره علامة. سألني عن مهنتي. وحين عرف, تذكر ربما معاناته مع معدلاته المتدنية وسنوات التكرار فلم أسلم لا أنا ولا زملائي من تهمة "كْعرارْ".
تدخل مرافقه الصامت لينصحني بتغيير روايتي وبالتعبير عن غلطتي و بمجاراة صاحبه طالبا مني أن أتصنع الاعتذار وأن أدع الإنكار. حاولت جاهدا أن أقنع ناصحي ,الذي بدا بقولي مقتنعا وعن إدانتي ممتنعا, لكن تضامن البِدَل بدّد الأمل.
وجدتُني في ورطة وأنا في قبضة الشرطة. إما أن أجاري صاحبي وأكف الأذى عن جيبي أو أتّبع حلزون بوجدرة وأدفع مبلغ الذعيرة .
في هذا الموقف الذي لا أحسد عليه تذكرت قصتي مع الطماطم وكم سببت لي من سوء تفاهم. كلما ذهبت لشراء الطماطم أمرّ على الخضراء مرور الكرام وأنتقي الحمراء باهتمام, وحين أصل البيت يقال لي أنني لم أحسن الانتقاء وأن جلها برتقالية تحتاج بعض الأيام لتنضج بالتمام.
هل أخرج الزرقاوات الثلاث والبُنّية وأعتبرها صدقة للدولة وللميزانية مخلصا في ذلك النية؟ أم أحكي لحارس المدونة قصتي مع الطماطم الملونة؟
ربما سخرمني إذا قرنت الطماطم بالمدونة ؟ لا, لن يسخر مني قطعا. فهو لا يستغرب علاقة قانون السير بمقولة "ادهن السير يسير". ثمّ ألمْ نستورد من سويسرا المدونة ونصدر لها الطماطم ؟ نُرسلها برتقالية لتصل إليهم حمراء. وفي مرّات عديدة يقف فلاحو الجزيرة الخضراء لمنعها من المرور. ربما بسبب حمرتها الزائدة أو لأنها توفر ل " المورو" فائضا من الأورو .
ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد, اغتنمت فرصة وقوع ضحية أخرى في شباك حارس المدونة الذي سلم وثائقي لمرافقه قبل أن يستفرد بفريسته. رجوت الشّرطي الثاني أن يعيد لي أوراقي التي بحوزته. كان هادئ الطبع ويتكلم باحترام. تردّد كثيرا, وكأنه لا يريد أن يخالف قرار زميله ذي العيون التي لا تنام. وفجأة ,دون أن ينظر إليّ, سلّمني حاجتي. شكرته وانطلقت إلى سيارتي. أطلقت العجلات للريح قبل أن يحدث طارئ تطير معه أوراقي الزرقاء والبنّية.
في اليوم الموالي, في نفس المكان و في منتصف النهار يمر أمامي شرطيان على دراجة أحدهم الخاصة متجاوزين كل المتوقفين من العامة. ماذا لو حضر اليومَ من أوقفني بالأمس؟ هل كان سيوقف زميليه بتهمة عدم احترام الإشارات الضوئية وتهديد السلامة الطرقية أم كان سيتقمص شخصية طه حسين متملّصا من أي علاقة بزرقاء اليمامة؟