الإمام البنا والمشروع الإسلامي

الإمام البنا والمشروع الإسلامي

ورقة مقترحة لورش العمل

الإمام الشهيد حسن البنا

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

منذ 61 عامًا امتدت رصاصات الغدر لتنال من المشروع الإسلامي الذي قدَّمه الإمام البنا للأمة ، فمات الإمام وبقي المشروع الإسلامي ، وما زال يحمله رجال هذه الدعوة المباركة ، ويورثونه للأجيال التي تنبؤ بمستقبل مشرق لأمتنا الإسلامية .

لقد استطاع الإمام البنا في صراحةٍ ووضوحٍ ، بلا لبسٍ أو غبار، أن يُقدِّم للأمةِ مشروعها العصري : منهجًا ونهضةً ودعوةً وتربيةً ومقاومةً وتحريرًا للأوطان ، حتى بات السؤال الدائر اليوم : هل المشروع الذي قدَّمه الإمام البنا صالح اليوم في صدِّ الهجمة الأمريكية والصهيونية ؟ وللإجابة يجب علينا أن نستعرض ملامح هذا المشروع كما قدَّمه البنا ويقدمه اليوم رجال هذه الدعوة .

أولاً: المنهج

فقد قدَّمه الإمام بينما التصارع قائمٌ بين المنهجين الإصلاحي والتغييري؛ وذلك باختياره للإسلام الذي يدعو إلى التغيير المرحلي والقائم على المبادرات الإصلاحية العملية ، وبذلك جمع الإمام البنا بين المنهجين الإصلاحي والتغييري، فسار بخطواتٍ واضحةٍ ، خاصةً مع الملفات الشائكة مثل التعامل مع الأقباط ، والتعامل مع النظام ، والتعامل مع الوحدة الإسلامية .

وكذلك كان صريحًا في اختياره للوسائل ، فرفض الثورة ، ووضع شروطًاً لاستعمال القوة ، واعتمد النضال الدستوري السلمي في التغيير والإصلاح .

ولذلك جاءت خلاصة ما قدَّمه البنا من المنهج ممثلة في التالي :

- الإسلام منهج تغييري يشمل كل جوانب الحياة.

- كل خطى الإصلاح المؤدية للتغيير معتمدة شريطة موافقة الشرع.

- منهج البنا موافق للإسلام ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم.

ووفق هذا المنهج :

فالساحة الإسلامية ليست بديلاً عن الأمة الإسلامية ، والدولة المدنية ليست بديلاً عن دولة الإسلام ، والمطالبة بالحرية والعدالة والمساواة ليست بديلاً عن شرع الله ، والجماعات الإسلامية ليست بديلاً عن الدولة الإسلامية ، والديمقراطية ليست بديلاً عن الشورى .

ثانيًا: في مجال الدعوة وإصلاح الأمة

انطلقت من خلال قواعد ثابتة لدى الإمام وهي : إيمانه بالتغيير وأخذه بالإعداد والتدريب ، وانتهاجه للتخطيط والمرحلية ، واعتماده للنهج الجماهيري واستيعابه للجميع .

 

ومن ثَمَّ أوجب ذلك على الإخوان عدة واجبات منها :

الانطلاق الذاتي , والعمل الاجتماعي , والولاء لله , والدعوة إلى رأي عام يساند الإصلاح الشامل , وانتقاء الصالحين المؤهلين لحمل الأعباء , برغبتهم الكاملة واختيارهم الحر.

ثالثًا : في مجال التربية ونهضة الأمة

لم يكن ما قدَّمه الإمام البنا هو تربية أفراد الإخوان فقط ، أو تربية المجتمع ليكون أفراده من الإخوان المسلمين ، بل ما قدَّمه هو تربية الأمة ونهضتها.

ومن ثَمَّ غرس في الأمةِ معاني جديدة هي لُبُّ الإسلام مثل :

- المسئولية والغيرة على الإسلام والمسلمين ، والعمل المتواصل والفناء في خدمةِ الآخرين ، والدعوة لوحدة الأمة ، والاستقامة بالتوازن والاعتدال والوسطية , بعيدًا عن التعصب والتطرف والعنف .

ومبينًا أن هذه المعاني لا تتحقق إلا :

- بصفاء النفوس والبذل والعطاء والإيمان العميق والتكوين الدقيق ؛ ولذلك لم يكن التنظيم سوى وسيلة لتطبيق هذه المعاني وليس هدفًا في حد ذاته ، فقد أطلق الإمام عليها دقة التنظيم وليس سرية التنظيم ، فشتان بين الاثنين فكرًا وسلوكًا.

رابعًا: صفات الشخصية التي أرادها لحامل هذا المشروع

فقد أوضحها الإمام من خلال تطور شخصيته هو من : التأثر بالصوفية ثم السلفية ثم الأزهر، حتى أصبح قائدًا دعويًّا ، ثم قائدًا شعبيًّا ، ومن ثَمَّ كان الطريق طبيعيًّا إلى زعامةٍ سياسية ، سرعان ما اختارته الأمة زعيمًا لها يقودها في أخطر قضاياها - القضية الفلسطينية - ، والتي استشهد الإمام من أجلها.

ومن خلال ذلك وضع الإمام صفات هذه الشخصية المؤهلة لحمل المشروع الإسلامي ، في ست سمات ترجمها الإمام البنا بسيرته وسلوكه وعمله ، حتى بات يعرف بها وهي : العالمية والميدانية والجهاد والتغيير والجماهيرية والأمل.

خامسًا : وضع وتقديم أول مشروع للمقاومة

حيث كان الإمام أول مَن وضع للأمة مشروعًا للمقاومة وتحرير الأوطان ، فحول الفكر الإسلامي إلى حركة فاعلة ، وحول مفهوم الجهاد من الاعتقاد إلى الممارسة ، ثم وضع هذه الأفكار في إطار عملي تنفيذي متجدد ومتطور.

وكانت الأسس التي اعتمدها الأمام في مشروع المقاومة أربعة أسس:

الأول : استنهاض الأمة

الثاني : تحديد المقاومة كفكر

الثالث : غرس المفاهيم الجهادية

الرابع : بيان الدور العملي للأفراد والمجتمع

وقد استطاع الإمام البنا قبل الدعوة لتحرير الأوطان من صورِ الاحتلال المختلفة , أن يغرس فكر المقاومة قبل المقاومة العملية ، ومن ثَمَّ كان هذا التنافس الغير مسبوق بين أفراد المجتمع ، للانضمام في صفوف المقاومة , سواء كان في حرب القنال ضد الإنجليز، أو حرب فلسطين 48 ضد الصهاينة.

فقدَّم مشروع المقاومة الذي أراه اليوم الضامن الوحيد ، لمقاومة المحتل في أفغانستان والعراق وفلسطين، والذي يقوم على عشر خطوات :

أولاً : معركة مفاهيم والتي أجملها في أركان البيعة العشرة

ثانيًا : رؤية شاملة في إطار ما قدمه من الأصول العشرين

ثالثًا : مواجهة فكرية وعلمية وواقعية للشبهات والتحديات

رابعًا : الوعي بالمؤامرات المستترة وغرس الإرادة القوية

خامسًا : الحركة بهذا المفهوم والعمل على نشره في الأمة

سادسًا : بناء روح المقاومة وحب التضحية والعمل المتواصل

سابعًا : اعتماد لغة خطاب جديدة تدفع إلى الهمة والحركة

ثامنًا : بعث الأمل وغرس بشريات النصر والثقة في الله

تاسعًا : اعتماد المقاومة الشاملة بكل أشكالها وأنواعها

عاشرًا : الحرية أولاً بمعنى التحرر من كل سلطان أجنبي سياسي واجتماعي

           وثقافي واقتصادي

وشهد شاهد من أهلها

لقد جاءت شهادة باحثة ألمانية في محاضرةٍ لها بالجامعة الأمريكية بالقاهرة , تأكيدًا لدور الإمام البنا في تقديم المشروع الإسلامي للأمة ؛ حيث تقول : إن الإخوان المسلمين يمثلون قوةً سياسيةً واجتماعيةً مهمةً في المنطقة العربية ، وتقول : حسن البنا هو مؤسس أول حركة اجتماعية عربية حديثة ، وأكدت أن جماعة الإخوان ومؤسسها لها تأثيرات حاسمة على الخطاب الإسلامي وعلى التطورات الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية في العالم الإسلامي أجمع .

إن هذا المشروع هو بعينه السبب الرئيس في قوة وثبات حماس اليوم حركةً وحكومةً ، وأزعم أن هذا المشروع هو ما تسبب في الأزمة الدماغية التي أصابت شارون ، وهي كذلك سر التحديات التي تواجه اليوم حماس من غزو وحصار وجدران ، وأعظم هذه التحديات خوف الأنظمة من تصدير هذا النموذج العملي الواقعي إلى شعوبها الملتهبة , والتي تقترب من الخط الأحمر , الذي وضعته الأنظمة ، بسبب هشاشتها وتآكلها وشيخوختها ، أو بالأحرى انتهاء صلاحيتها !.