الحوار مع الغرب

م. الطيب بيتي العلوي

بين عقدة الاستشراق و"الإرهاب"

وآفاق "علم الاستغراب"

م. الطيب بيتي العلوي

مغربي مقيم بفرنسا

باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس

[email protected]

من لم يعرف الجاهلية لم يعرف الإسلام، وخياركم فى الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا...عمر ابن الخطاب رضي الله عنه

مقدمة

تتعالى صيحات الكثيرين من الغيورين علىدينهم وعقيدتهم وحضارتهم من المسلمين أفرادا

وجماعات ، عن كيفية الدود عن بيضة هذا الدين، ضد شبهات المغرضين من أعداء الاسلام ومعارضيه(من الداخل أو الخارج)، مما حفز القرائح ، فساحت الأقلام، وسودت الصحائف فى هذا المجال،وبذلت الجهود،واجتهد المحتهدون و المتخصصون فى مجالات الدعوة والفقه والاسلاميات والسياسة بدلوهم بمساهمات، كل حسب مبلغ علمه ومجال تحركه، وأهدافه ما بين الغث والسمين، كما هو الحال دائما عند الاستعجال والاستنفار،وحسب مقتضى الحال، كما توضح ذلك فى بعض المؤتمرات و والمدارسات الندوات الاسلامية التىغلب عليها طابع التكرار الممل لنفس المقولات، يغلب على جلها سطحية الحوارالممض واستصدارالبيانات التوشيحية المشجبة، وبالتالى الفشل فى تهديف المبتغى،وعدم الوصول لمعرفة من هو المحاور بفتح الواو أى هذا الغرب الذى نطمح فى محاورته أومساجلته... 

هل الغرب يجهلنا  أم نجهله

ومع ذلك ومن باب ألا نبخس الناس أشياءهم، فانىلاأشك فى كل النوايا الطيبة والمجهودات الصادقة ممن رفعواعقيرتهم بالدعوة الى"اثبات وسطية الاسلام" وبراءته من "تطرف" الجماعات"المفبركة" بمنظورات"سلفية"لا تستجيب الا للتنظيرات التجهيلية لسلفيات التكفير التنطعية المستثمرة اعلاميا لصالح الغرب بالسيناريوهات الهوليودية النشازة، التى تغرقنا بها وسائل الاعلام بتقنياته الحديثة و"كادجياته المموهة" استدراجا لقطيع البشربالايمان الأعمى بتطرف الاسلام وروحه المعادية للانسانية، وشذوذه عن المعاييرو قواعد احترام القيم الانسانية العليا،مما أدى الى المزيد من الارباك فى الساحة الفكرية فى العالم العربى والاسلامى ،حيث نتج عن هذا كله ردود أفعال انفعالية، وارتجالية فى الدفاع المتسرع اللامنهجى، بحثا فقط عن ارضاء الغرب بالتنازلات السياسية تلوالتنازلات

(وهوالهدف التا كتيكى من الحملة) بالباس الاسلام ألوان وأطياف كل "المعميات الظلامية والعزف على نغمات ترتاح لها الأذن الغربية وتشنف مسمعه، وتدغدغ مشاعره وتهدهد وجدانه بخطابات استجدائية هوجاء ساذجة أفصح ما فيها،تحقير لعقولهم وعقولنا مما زاد صورة الاسلام تعتيما وتشويها ،وبالتلى صرف الأنظارعن"الارهاب"المنظم الذى يمارسه الغرب بمشروعاته الأخطبوطية–الاسرائلو-أوروبية أمريكية- وعلى الأرض –فى فلسطين والعراق ولبنان،والمخططات القادمة لتفكيك منطقة المغرب العربى- لاحقا- والمعدة سلفا والسيانريوهات القاتمة التى تحاك فى الخفاء لدول المنطقة لكل بلد  حسب خصوصيته (السودان- مصر- السعودية) مستقبلا لأن الغرب قد حدد أهدافه و استراتيجياته مسبقا –وعند جهينة الخبر اليقين- 

القرآن لا يمكن أن تفهمه العقول الفارغة أو المغرضة 

حاججهم بالسنة ولا تحاججهم بالقرآن حتى لا يختلفون عليك،.فالقرآن حمال أوجه تقول ويقولون ،ولكن حاججهم بالسنة فلا يستطيعون....كتاب الامام على كرم الله وجهه الى ابن عباس عندما بعثه ليجادل الخوارج.... 

. وفى هذا السياق. يجب على الغيورين على حضارتهم ودينهم وثقافتهم... التوقف هنيهة والتأنى مليا وأخذ نفس طويل قبل المضى قدما فى الايغال فى هذا النهج الذى سيؤدى الى المزيد من التراجعات والارتجالات والعشوائية،مما يعنى المزيد من الأخطاء التاكتيكية والاستراتيجية وذلك بطرح هذين التساؤلين الأساسيين وهما 

:عمن ندافع ومن هو هذا الغرب الذى نحاوره... 

تساؤلات مشروعة لابد من طرحها  ومحاولة الاجابة عليها قبل التخطيط المنهجى للرد على الغرب عقلانيا... 

وقبل محاولة الاجابةعلى هذين التساؤلين  لابد من التخلص أولا من أوهام تتعلق بالحوارنفسه  وذلك بمراجعة تلك الطروحات أو الفرضيات المسوغة لعداء الغرب لنا وهى :

هل علينا بالقبول الضمنى بأن الغرب لايعرفنا كدين وثقافة وحضارة وأمة تاريخيا؟ 

وهل علينا قبول مسوغات طروحاته فى تبنىالصراع لا الحوار (كما تراها كل طروحات "براغاديمات الفوضى الجديدة، لفهم العالم الجديد " كما يسمونها وكما ترشح عن مراكز ابحاثه؟ 

وهل الحل السحرى الفورى والأجدى،هو التحلى بروح "التسامح" .. بمعنى القبول الضمنى "بالتصور الغربى للاسلام" بأن الأصل فى هذا الدين انه لا يغرف الا من معين "الارهاب" وبالتالى فلا بد من محاولة لوى نصوصه وتسفيه عقول مثقفيه على اختلاف أطيافهم لتتماشى ومتطلبات الغرب لقبولنا ضمن أنظومته الثقافية الكونية.؟ 

وهل أن الغرب بمراكز أبحاثه الأكاديمية منذ القرن الثامن عشر لم يكتشفنا كأمة "ارهابية" الا بعد 11سيبتمبروبالتالى فعلاقتنا معه هى وليدة الأمس القريب؟ 

ولم هذا الاجماع الغربى الغيرمسبوق باشهارعداء مستفحل باسم "الأنوار"السماوية (الفاتيكان)والأرضية بمؤسساسته الرسمية المتمثلة فى اللحمة الجديدة  الغريبة العجيبة والمتناقضة للتنسيق الخفى-والشاذ- بين الكنائس المتناحرة –مسيحيا- بين الفاتيكان- الممثل الرسمى للكنيسة الكاثوليكية البيزانطية الغربية- وما بين لوبيات انجيلييى البيت الأبيض والبروتستانتيين وكنائس التقوىو البيورتانيين الممثلين للصليبية الكونية الجديدة؟ وما بين  لوبيات "العسكر" فى البينتاغون؟

   وهل تم تحديد دور وأهداف الحكومات الخفية الممثلة فىالشركات المتعددة الجنسية الممولة  لمراكز الأبحاث  فى كل كبيرة وصغيرة وخاصة العلوم الانسانية المتخصصة فى دراسات الأعراق "الدنيا"-الذين هم نحن- فى مجالى الاثنولوجيا والانثروبولوجيا وعلم النفس السياسى وعلم نفس الأعماق بهدف المزيد الخداع  من خلال التخطيط " لتصدير"  المزيد من الاخفاقات" الى غير "المتحضرين"-الذين هم نحن- وغير المغربين "nonoccidentalisés..بوسائل ترسيخ عبادة "شحنة التقليد"  القائمة على "انساق المحاكاة" للسماة الخارجية للحداثة المبثورة، والتى مازال الغرب يبحث عن "ما بعدها" ولا يدرى هو نفسه اذا كان ما""" بعد الحداثة" امتدادا لخطاب الحداثة أم انفصال عنها كما يطرحها الكانطيون الجدد المدافعون  بشراسة على الحداثة باعتبار"" انه مشروع غير مكتمل" كما يرى آخر دينوصور الكانطية  "هابرماس Jurgen Habermas؟ 

ولم يلعب الاعلام الرسمى الغربى لعبته القذرة فى تحريك الشارع الغربى واثارة نعرات الرأى العام فيه-بقصد-ضد المسلمين المقيمين بالمهجر بانتقائيته "المكيافيلية" و"النفعية"و'البراغماتية" المغرضة تحقيقا لمصالحه فى دول الجنوب والدفع الى تقزيم شعوبه  نفسيا وحضاريا  وثقافيا واقتصاديا..؟؟ 

وأين اختفى ذلك الطابور الجرار من نخبة المستعربين والمستشرقين والباحثين الأكاديميين الكثر فى الاسلاميات والاستشراق والأديان المقارنة التى تعج بها عواصم أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واليابان ومنظمات الحوارات الاسلامية المسيحية الناشطة فى محاولات رأب الصدع وتقليص الهوة بين الديانات؟؟؟؟ 

مدخل الى فهم الغرب 

وفى هذه العجالة والمحدودة بالقواعد المحددة لهذا المقال لايمكننى أن أقوم بتعريف دقيق للغرب ،وسيجد القارئء أهم المصادر الفرنسية المعالجة لهذا الموضوع أسفله.(من باب وشهد شاهد من أهلها)

.

وفى هذا الصدد فان تعريف الغرب أو محاولة فهمه لممارسة محفوفة بالمخاطر. سواء من خارج الأنظومة الغربية نفسها أو من داخلها، فالمنافذ اليه كثيرة ومتشعبة كتجربة تاريخية متعددة ومتلونة،ولأن الالمامة التاريخية له تغدو رحلة شاقة وعسيرة تصيب الباحث والمنقب بين صحائفه وصفحاته بالذهول بل وبالرعب أحيانا لأنه كما قال أبو الفلسفة المعاصرة الألمانى. مارتان هيدغر"ان الغرب بلاد المساء"حيث يتساءل الأنثروبولجى الفرنسى سيرج لاتوش هل هو بلاد المساء الأسطورى الذى تولد فيه الفلسفة مع حلول كل مساء...عندما تظهر بومة "منيرفا" وتكون الشمس قد قطعت لتوها مشوارها الطويل؟ 

بمعنى أن الغرب ولاد لفلسفات حمالة أوجه متبايته ومتناقضة...(1)... فالغرب يضيف "سيرج لاتوش"" طرح نفسه عندما انقض الصليبيون والفاتحون الاسبان والمستعمرون على العالم عندما كانت العقيدة تخرج العالم المسيحى عن طوره...  وعندما كان اليقين فى الاضطلاع بعبء التنوير يدفع الغزاة الى رسالتهم الحضارية... وبدون أى شك فى حقهم المطلق ويقينهم الراسخ. فىذلك بل وحتى واجبه المنوط به حضاريا" 

فالمسيحية الغربية - ولابد من التأكيد على خصائص نصرانية الكنيسة الغربية - أوجدت الغرب فى ذاته ولذاته فى البداية، ثم نهضويا و تنويريا فحداثيا و ديموقراطيا، حيث كان القاسم المشترك لهذه المراحل التاريخية هو العربدة الدموية والشراهة اللصوصية التى ولدت لدى مفكرين من داخل الغرب نفسه المسارعة الى نعىالغرب ومواته وسقوطه (انظرشبنغلر وتوينبى وكولن ويلسون وتخبطات الوجوديات والمثاليات المتأزمة والقلقة والعبثالتىأرعبتها غلظة وجفاف وصرامة دوغماتيات وعقلانيات الوضعيين والديكارتيين والماديين والمثاليين واللاعقلانيين. والومانتيكيين .) وماصيحة "رومان رولان" المرعبة الشهيرة فى فترة ما بين الحربين بنهاية الغرب (2)و"بحتمية نهوض كافات الحضارات المضطهدة ضد حضارة الرجل الأبيض حيث سيكون الصراع طويلا ومرعبا.... !!!" ويؤكد رولان قائلا وأعتقد أن الرجل الأبيض سيخسرهذا الصراع…) الا دليل على أن هذه الحضارة اذا استمرت فمعناه استمرارها بما يلازم ذلك من استعباد وظلم ودمار وتفجير الجنوب كله الى شظايا لتضعه فى خدمته واجتثات جذوره واقتلاع قطيع البشر من مواطنهم فى أقاصى المعمورة والزج بهم فى صحارى الوهم والسراب لهثا وراء الرفاه والحداثة والتنمية والتقننة والثروة الموعودة وخلق نماذج اجتماعية مزيفة مغربة و مرعوبة تحت ضغوط اغواءات هراوة التغريب وكماشة "التحديث" التى لاترحم ،أى حسب تعبير الكاتب الزنجى الأمريكى الشهير "جاك لندن" الذى سحقت "الماكينة" الأمريكية بنى جلدته من السود الأمريكيين"

لا ..لا وألف لا

لاتحدثونىعن التعاطف مع السود

فرسالة الرجل الأبيض هى فقط ان يكون مقاول العالم ...وجلاده

...ولا ينبغى له أن يتوقف كثيرا عند عوارض هى خطيرة بقدر ماهى عديمة الجدوى

.Jack London---LinévitableBlanc 

فمن هو هذا الغرب؟ 

يعتبرمطلع الٌقرن العشرين عهد بداية "العهد الجميل" للغرب، ففيه اكتمل تغريب العالم فى شكل الادارة الاستعمارية الأوربية حيث كانت تجوب قطارات وبواخر وطائرات الرجل الأبيض كل القارات والمحيطات والأجواء مزهوا بمكاسبه الاستعمارية و فخورا بملحمته الكولونيالية ذات التجربة الفريدة فى التاريخ الانسانى على كل المستويات و التى يصعب حصرها أو اختزالها حسب الأمانة العلمية فى كيان واحد مهما حاولنا تبسيط ذلك.

فليس الغرب مجرد كيان جغرافىهو أوروبا حيث ولد 

أواختزاله ضمن ديانة هى المسيحية …فقد سعى الغرب دائما تاريخيا الى اعتبار المسلمين والمسيحيين كطرفى عداوة تاريخية فى النزاع ،و قد حسم الغرب نفسه هذه المسألة التى لم تكن تدور بالنسبة اليه حول حماية الصليب لان مبدأ ورمز الصليب نفسه يقومان عند الغرب على مفهومى عقابى وحشى غربى أى رومانى-كما هوماثل فى رمزى الصليبيين المعقوفين لفاشيستية  موسيلينى ونازية هتلر،أما الصليب بالمفهوم الشرقى فهو انسانى ودليل الفداء والتضحية والطهارة..

.

.. فالعالم المسيحى - اصطلاحا – هو كل غير متجانس منذ نشأته الأولى عندما رأى النورفى فلسطين –الشرق- حيث لم يستطع الحفاظ عليه كما يرى المؤرخون الغرب أنفسهم امثال  كبير المؤرخين توينبى. فلا علاقة لمسيحييى الشرق أورثوذوكس أو كاثوليك العرب أو شرق أوروبا ،أواثيوبيا الذين اهتموا بالتنسك والطهرانية النصرانية الأصلية أكثر من المشاريع التوسعية "السياسيوية"البغيضة للكنيسة الغربية والتى يبدو أن "أنوارهم السما وية "أفتت لهم بالسيطرة على النرة الأرضية عندما قام "شارلمان" بتغريب التخوم الشرقية وبتأمين الحدودالجنوبية بالسيف فى يد والصليب فى يد أخرى، وعبر استعباد الساكسونيين والتنصير الوحشى لهم على يد القديس "بونيفاس"، وكذا تمسيح برابرة الشمال من الفيكينغ.والدمج البطىء لبرابرة شرق أوربا. وسحق ملايين الهنود الحمر من طرف الاسبان عبر المجازر الوحشية من المكسيك الى أقاصى أمريكا الجنوبية ناهيك عما حدث لأخوتهم فى كندا وشمال أمريكا وكذا عبرعمليات التبشير التى قام بها اليسوعيين وعلى رأسهم القديس فرانسوا-خابير فى شرقى آسيا واليابان)... 

كما يجب ألا ينظراليه حصريا ضمن فلسفة هى التنوير 

(فلم يستكمل الغرب مسيرته المظفرة لقاطرة التاريخ الساحقة لما هو كل برئء الا بعد التنوير اذ فتح - مابعد فولتير-المجال أمام كبار مغامرى السماء والأرض لتصبح الكرة الأرضية "ممسوحة بحسابات دقيقة" لاستغلال كل خيرات الأرض حيث أطلق عصر التنوير على  فترة " العصر القوطى بفترة "العصورالمظلمة" أو العصر الوسيط وهى عشرة قرون "حالكة" والتى تمثل أزهى وحدة ثقافية كبرى لأوروبا ابان العالم المسيحى بل ان أزهى ماتراه فى أوروبا من جماليات المبانى و المآثر من كاتدراليات ومعالم فنية هى من ابداع تلك "العصور الحالكة". 

.. وسيتم هضم معظم كعكعة العالم الهائلة - باسم التنوير- خلال قرنين من الزمان  ففى عام 1800 اصبحت اوروباتسيطر على اكثر من 55 و تستغل عمليا 35 من مساحة المعمورة آنذاك التىاستمرت حتى فجر الحداثة وقد سبق "لجول فيرى" رجل الدولة الفرنسى وأحد مؤسسى الجمهورية الفرنسية أن أطلق نظريته الشهيرة "بعبء الرجل الأبيض"فى مطلع القرن الماضى المبررة لكل ماجرى فى المغرب العربى وافريقيا) والتى مازالت مدرجة فى كتب تدريس التاريخ فى المدارس الثانوية بفرنسا الى يومنا هذا... 

كما لايمكن أن ينظر الى الغرب-حصرا - ضمن عرق أبيض 

فلا جدال فى أن الغرب فى تاريخه الطويل وخاصة فى القرن التاسع عشر آمن بتفوق الرجل الأبيض بمنظوره الاثنى- التاريخانى و"قعد" له بنظريات "علموية" عنصرية أعطت للبشرية كل المنتوجات "الفلسفية" والمؤساساتية للعنصرية المقيتة وما يزال الغرب "الحداثى والتنويرى" غير قابل"سيكولوجيا" وبتاثير "اللاشعور الجمعى" لاستيعاب لون البشرات الغير مما لايخلو من مشاكل عنصرية داخل المجتمعات الغربية وداخل الولايات المتحدة.. بالرغم من أن الدراسات العلمية فى مجالات الأنثروبولوجية الجسمانية قوضت كل نظريات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حول تماسك فكرة العرق الأبيض وصفائه وتفوقه (انظر كتاب العرقية ازاء العلم لمجموع العلماء المتخصصين فى الاثنولوجيات لليونيسكو) كم أن النجاح الأكيد لليابانيين ومجموعات النمور الاسيوية  والصينينن القادمين قد أربك كل التصنيفات وخلص الأسيويين من عقدة الرجل الأبيض(ويبدو ان النخب العربية "المفكرة" مازالت مصابة "بعقدة الاجترار" ). وهناك حتى فى البيت الأبيض من هم ليسوا ببيض مثل رايس وكولن باول واللذين هماأكثر "بياضا" من البيض؟؟؟)... 

كما لايمكن أن ينظر الى الغرب فقط ضمن نظام رأسمالى 

بالرغم من أن هذا النظام ولد في أوروبا ولكنه مجرد شكل من أشكال اخضاع العالم للغرب فقد كان الغرب غربا قبل ميلاد الرأسماية - وان كانت مظهرا من "خصوصياته" وأما الليبيراية الجديدة-فى وجهها الشرس- فمردها الى آثار الاقطاع الأوروبى القديم وبقايا الأرستقراطية المتعالية واستمرار عقلية اللصوصية واقتصاد الأوامر والغطرسة المبنية كما فى بداياته على السلب والنهب والاستغلال.. 

فالغرب اذن بحكم تراكماته التاريخية وتناقضاته المعقدة أصبح بمثابة ركام سديمى مركزه فى كل مكان - يقول لاتوش - ومحيطه فى أى مكان، وهنا تكمن خطورته فقد صار بمثابة تلك الآلة الجهنمية المثبتة داخل رؤوسنا و التى يصعب التنصل منها أواستأصالها بدون فرز "فسيفسائها" ،وتلك المعادلة الصعبة والرحلة الفكرية الشاقةوالملغومة مما دفع بالفيلسوف الكامرونى الكبير. مارسيان تووا" Marcien Towaالى القول بسخرية مريرة"يكمن سر الغرب فى ذلك الذى يميزه عنا هو وينبغى أن نجحد أنفسنا،وأن نطرح للمناقشة وجود "الذات" ذاته.وأن "نتأورب"تماما.وأن نجحد وجودنا الحميمى ،أن نصبح الآخر،أن نقصد قصدا الى أن نصبح مثل الآخر،شبيهين بالآخر، وبذلك غير قابلين لان يستعمرنا الآخر.." من كتابه E ssay surla problématique philosophique dans l’afrique actuelle  وويضيف سيرج لاتوش  المفكر والاتتربولوجى الكبير " واذا كان هذا الآخر مصاص الدماء لا يعيش الاعلى دم ضحاياه.... ؟ 

غير أن الكثير من عمالقة الأنثروبولوجيين فى الغرب مثل "جيلبير ديوران " و"شيون" وألان توران"  وسيرج لاتوش" يرون أن الاخفاق محفور فى صميم المشروع الغربى حتى فى الوجه الآخر للاداء المتمثل فى " الاخائية" و"الندية" و"الانسانية" التى لا يمكنها أن تتم الاعن طريق طرح "الأحسن" The best فى نظام الحياة كلها  ولكن عبر "مسح كل ما هو حسن" وانسانى لقسم كبير للبشرية، وتلك احدى المآسى الكبرى "لانسانية" وعالمية الغرب.،ولن ننسىأن اعصار كاترينا الذى "قزم" الولايات المتحدة وأعادها الى حجمها "الانسانى"الطبيعى قد أسفر عن بعض نماذج الاخفاقات  الخفية خاصة على المستوى "الاخائى " و"الانسانى" حيث تصرف بوش وادارته " القديرة" الرسمية مثل تصرف أىبلد من بلدان العالم الثالث بحيث أخفت الملفات العفنة التى هى أخطر على الولايات المتحدة الأمريكية من مستنقع العراق على المدى البعيد سوسيولجيا –وتلك(ملفاتالعنصرية والفقرواستفحال الجريمة المنظمة المستشرية بين الاحداث وغيرها) وهى من الملفات المستعصية والمسكوت عنها والغام موقوتة لابد من انفجارها فى المستقبل القريب 

و باختصار فكما قال بحق آخر سيد للفكر الفلسفى فى الغرب "رونى جينون" ان الغرب هوأكبر نشوز ذريع فى التاريخ البشرى... أو كما قال" روجى غارودى" فى جملة ذات جرس بلاغى  شكلا ومضمونا بالفرنسية  "الغرب مصيبة (كونية) l’occident est un accident .....

انه اسطورة الدكتور فاوست  لغوته  فى الحوار الشهير بين الرب والشيطان والرهان على اغواء  ذلك الولى الصالح الجليل ،وتحويله عن الحب الالهى ،وقوته واخلاصه فى الوفاء للرب والخير،فحتىغوته الألمانى،أرعبته قدرات الغرب الشيطانيةالمرعبة واللامحدودة،.فالى متى سيظل الغرب غارقا فى احلام اليقظة.. التى ابدعتها اسطوراته اليوناية التفوقية ليزج بنفسه فى مساره التاريخى الطويل فى المستنقعات المعتمة التى لايمكنه الخروج منها الا عن طريق العنف وبث الرعب فى الآخرين ؟؟؟

وبعد هذا،ما محلنا من الاعراب فى الأنظومة الغربية.وما هى اشكاليتنا مع الغرب أو اشكاليته معنا ؟؟؟ 

لنبدأ من البداية 

ان الاسلام كان ذلك الفصل الأخير للصراع الأزلى الذى كان يشتد أواره دوما ما بين الشرق والغرب. مع اختلاف وجهات نظر المؤخين الأوروبيين أنفسهم وعلماء الأناسة الذين تعددت قراءاتهم بتعدد النوافذ التى يطل منها هؤلاء (علما أيضا بأن التاريخ الرسمى للبشرية بما فيها تاربخ منطقتنا قد اختزلها الغرب الى مجرد قراءة "تاريخانية" الذى تلقفته أوروبا من تاريخين.أساسيين هما تاريخ الأباطرة فى أثينا وتاريخ الكهنة فى التوراة... باعتبار أن تارخ الشرق ما هو الاذيل أو فصل ثانوى "للتاريخ الكبير" بامتياز  أى التاريخ الذى يعتقد الغرب انه قد جرى فىأوروبا)... 

فمعضلة الاسلام اذن تكمن مع الغرب فى كونه ظاهرة فريدة فى التاريخ البشرى- واستفزازخاص له -عندما خرج من الجزيرة العربية المتخلفة –من الشرق -جيش صغير لاعتاد له  ولاقبل له بالأساليب الحربية المعروفة آنذاك سوى أساليب الكر والفرالمعروفة فى الجاهلية والمدونة فى أيام العرب وعبرهم وسيرهم. فاذابهم ينتصرون على الروم والفرس-رمزى الشرق والغرب معا –آنذاك- ويبلغون تخوم الصين شرقا ويندفعون شمالا حتى أسوار فينا ويندفعون جنوباالى السودان والحبشة وذلك فى مدة وجيزة ،وهى ظاهرة لم تعرف من قبل ولم تتكرر من بعد حيث نشروا -وبكل جرأة استفزازية  بالمنظور الغربى- حضارة فريدة مبنية على التوحيد(المصحح للخلط العقائدى وتصورات الكون والانسان فى العقائد الانجيلية والتوراتية والوثنيات الاغريقية والرومانية وباقى مذاهب الملل والنحل فى أقاصى آسيا وفارس) انها ثورة بالمعنى الكامل.وبكل المقاييس. والمعايير مما حدى بالمستشرقة الايطالية "لورا فيشيا فاغليرى" بالقول"بانه من العسير على المرء أن يقدر السرعة التى حقق بها الاسلام فتوحاته.، والتى تحول بها من دين يعتنقه بضعة نفر من المتحمسين الى دين يؤمن به ملايين الناس. ولايزال العقل البشرى يقف ذاهلا دون اكتشاف القوى السرية التى مكنت جماعة من المحاربين البدو الحفاة من الانتصارعلى شعوب متفوقة عليها تفوقا كبيرا فى الحضارة والثروة والخبرة والقدرة. (من كتاب دفاع عن الاسلام ص22 - ترجمة منير بعلبكى -)... فقد تغير وجه التاريخ فى ظرف وجيز لم تعهده البشرية من قبل "فاحدثوا عالما حديثا متراص الأركان" على حد تعبير "المؤرخ لوثروب ستودارد "فى –حاضر العالم الاسلامى  

تاثير بزوغ الاسلام على الكنيسة الغربية 

عقب سقوط الأمبراطورية الرومانية مباشرة فى غرب أوروبا على أيدى الجرمان سنة 476 ميلادية والتى يطلق عليها "العصورالمظلمة"التىأصابت الكنيسة الغربية بالتدهور الشامل بتصدع سلطانها وانحطاط المستوى الأخلاقى لرجال الكنيسة لانجرافهم وراء أمراء الاقطاع وسلطانهم المتعفن اجتماعيا وخلقيا، وفشل البابوية الذريع فى مواجهة هذا الانحلال الجارف.، ففقدت بذلك هيبتها وسلطتها ومصداقيتها، فاذا بالاسلام يبزغ ليزعزع ما تبقى لها من طمأنينات "عقدية ثيولوجية" مما خلق لدى رجال اللاهوت حافزمعرفة هذا الدين"الزائف"- كما ظلت تنظر اليه معظم المعاهد المسيحية فى الغرب فى مناهجها للديانات المقارنة الى يومنا يومنا-- (مازالت دائرة المعارف البريطانية والمعاهد الثيولوجية تعتبر الاسلام "بالدين المزيف" ومحمد (ص) بالمحتال).. اذخلق هذا التحدى الاسلامى -_كما سماه المؤرخ البريطانى الكبير"أرنولد توينبى".محفزا وضخا فى شرايين الروح الكنسية حيث لمت شعثها ولملمت قوتها الروحيةبدارسة نقائصها وهناتها فهبت باجراء اصلاحات شاملة للكنيسة بما سمى "بالحركة "الكلونية"وهو اصلاح الحياة الديرية  كما أعادت هيكلة بنياتها من الداخل لمواجهة "السيمونية" والحركة العلمانية الناشئة التى بدأت تنخر فى كيانها. وبدأ الازدهارالاقتصادى يعم بفضل ايطاليا التى حركها فتح المسلمين لصقلية (وكان للاسلام دور فعال فى تأخير تاثير التيار اللادينى فى العالم المسيحى الغربى كما سنأتى عليه لاحقا) وكان من أهم نتائج هذا كله هو ظهور تلك الحركة الكبرى من الغرب المسيحى فى العصر الوسيط التى اتخذت شكل هجوم حربى استعمارىعلى بلاد المسلمين بقصد كسر شوكتهم والقضاء على دينهم والاستيلاء على أراضيهم  تحركها تلك الروح المنبعثة عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والدينية الجديدة التى سادت الغرب الأوروبى فى القرن الحادى عشر تجاه تنامى "فوبيا" الاسلام - والمستمرة الى يومنا هذا - وقوته الديناميكية آنذاك  متخذة من استغاثة بعض مسيحييى الشرق ذريعة وستارا دينيا للتعبير عن نفسها تعبيرا عمليا واسع النطاق.، فكانت الحروب الصليبية التى يعتبرها المؤرخون يول ديورات و أرنولد توينبى الأنجاوساكسونيين وكبار الانثروبولوجيون أمثال سيرج لاتوش و جيلبير دوران الفرنسيين بانها مغامرة من أكبر المغامرات التى تصورها العقل البشرى جنونا على الاطلاق - على حد تعبير "لاتوش" 

التحدى الغربى  و أبعاده  السلبية والايجابية 

تكونت منذ بدايات القرن الثامن الميلادى بعوث من كل بقاع الارض شرقا وغربا من رحالة ولاهوتيون وعساكر ورهبان ومؤرخين وباحثين ،و مرتزقة يتحسسون وينقبون ويدرسون، بين طيات كنوز وخبايا هذا الشرق الملهب دوما - ولايزال - للخيالات والفانتازمات   المرضية اللانهائية  للغرب، و كان يغلب على معظم هؤلاء نوايا عدوانية مبيتة، وقلة قليلة من بينهم كانت علمية وموضوعية ومحايدة(حيث ذكرت المستشرقة الفرنسية المعروفة كلودين غروسييى فى بحثها القيم " الاسلام والكتاب الرومنسيين"  علىأن الرومانسيين الفرنسيين امثال شاتوبريان والكسندر دوما و فيكتور هيغو وغوستاف فلوبير( ولاننسى ان هذين كانا سياسيين وممثلى برلمان) وغيرهم حيث ألفوا كتبا ملفقة عن رحلات كاذبة قاموابها من باريس الى القدس يصفون فيها ارتساماتهم عن بلدان وهمية زاروها و شاهدوا شعوبا وعادات ملفقة وهمية بمنظور الاحتقار والدونية  مما ثبت الشعور العدائى الصليبى فى اللاشعور الجمعىفى أوروبا ،والتى تشكل أهم رصيد "لاشعورى" للثقافة العنصريةالغربية فى عقلية الاروبى المعاصر بالرغم من تخلصه من الدين نهائيا - كم قال المستشرق النمساوى ليبولد فايس في كتابه  الطريق الى الاسلام  

مظاهر وأشكال التعايش بين المسلمين  والغرب الأوروبى تاريخيا سلبا وايجابا 

بدأ التعايش الفعلى بين المسلمين مباشرة مع الغرب منذ أن فتح المسلمون الأندلس عام 711م وبعدهاصقلية وسردينيا وكورسيكا وجنوب ايطاليا حيث أصبحت مدن الأندلس وحواضرهذه البلدان المفتوحة قواعد كبرى ومثوى للثقافة ومنائر للمعرفة. ومنتدى الآداب بما فيها من خزائن الكتب والجامعات والمدارس العليا يفد اليها الطلاب من فرنسا وايطاليا وألمانيا وأنجلترا للنهل من مناهل مختلف العلوم، ونشطت حركة الترجمة والنقل من العربية الى العبرية واللاتينية حيث برز فيها يهود أندلسيون (الذين يميلون الى مساعدة النصارى كلما تغلب هؤلاء على المسلمين كما نقل الدكتور عباس الجرارى فى كتابه "اثر الأندلس على وربا فى مجال النغم والايقاع") وقد استمرهذا التعايش فى انسجام تام بسبب تسامح المسلمين بعكس ما سنشهده تاريخيا من عمليات التنكيل اثر ردالفعل النصرانى السلبى والعدوانى الذىكان بداية تفوق الغرب المسيحى .

. ويعتبراستسلام غرناطة عام 1491للميلاد وسقوطها. بمثابة انهاء الوجود الاسلامى فى شمال المتوسط وبداية سيطرة الغرب على مقادير الأمة العربية بعد حين... 

ومع ذلك فان هؤلاء الصليبيين حتى بعد انتصارهم ملوكا وأمراء وقوادا ورهبانا واثرياء ونبلاء ،كانوا شغوفين بالمظاهر الحضارية والثقافة العربية الاسلامية ،و كانوا يوظفون العلماء والأدباء والفنانين والصناع من ذوى الكفاءات من العرب لاضفاء طابع المدنية والرقى فى بلاطاتهم (كما هو الشأن بالنسبة الينا نحن الآن) بحيث كان النموذج العربى سلوكا و لباسا وثقافة واتيكيتا. القدوة والمثل المحتدى (كانت الأساليب الراقية فى الحياة الأندلسية المنظمة والمبنية على "كوسمولوجية"  دقيقة متكاملة التى أسستها مدرسة "زرياب" والتى حملها معه من بغداد وتعلمها من معلمه الموصلى فى طرق المعيشة والألبسة وألوانها وعلاقتها بالأشخاص حسب أبراجهم وحالاتهم النفسية وعلاقتهم بالمكان وزخرفته.، والظرف وتوقيته.، وسحنة الأشخاص وطبائعهم ،وميولهم ومأكلهم.، وارتباطها بالزخرفات المعمارية ورموزها الروحية الاستسرارية والخفائية مع ارتباطها بالمقامات الموسيقية والحالات النفسية والروحية للمستمع والمتلقى.، وكيفية العزف على آلاتها والتى سماها الغرب الاسبانى تزويرا وخطئا بالموسيقى الأندلسية لينسبها اليه - والأصح هو"عزف الآلة" أوموسيقى"الطبوع" أو الطبائع" أى الأمزجة أو الأخلاط الأربعة المعروفة منذ ما قبل الاغريق فى حضارة مابين النهرين وفارس ومصر الفرعونية والتى ينسبها الغرب تلفيقا كعادته الى نفسه عن طريق الاغريق -. وذلك تمييزا لها عن طرب الملحون الذى انتشر منذ القرن الساد س الهجرى فى المغرب والذى كان يتم بدون عزف آلى والمعتمد فقط على الكلمة ورموزها وأبعادها بسبب الصرامة الدينية لدولة المرابطين وكذلك تمييزا لها عن السماع والانشاد الصوفى الذى عم بلاد الأندلس والمغرب العربى بفضل الطرق الصوفية الشاذلية 

ردالفعل "اللاتسامحى" الغربى 

بينما نجد رد الفعل الغربى المسيحى كان كارثيا مقابل تسامح وأخلاقيات المسلمين ابان فترة حكمهم  بعد الاستيلاء على الأندلس من جديد. فحسب البحوث العلمية من طرف بعض المستشرقين الاسبان أنفسهم أنه تم احراق الكتب العربية المترجمة واتلافها فى مرحلة غليان الانتقام الصليبى.عندما أصدررئييس أساقفة اسبانيا  الكاردينال "أكزيميس"... مرسوما يقضى بحرق ثمانين ألف مخطوط عربى فىالأماكن العامة بغرناطة على سبيل المثال... ثم انشاء حملات التفتيش والتعذيب والتنكيل وقتل المسلمين بالآلاف - والمسكوت عنها تاريخيا –– اللهم الا فى اشارات عابرة  ذكرها احد ضباط نابليون اثر حملته الشهيرة الى اسبانيا عندما أصدر مرسومه سنة 1808 بالغاء دواوين التفتيش حيث عثر الفرنسيون على قاعات التعذيب المروعة بآلاته الرهيبة مثل آلات تكسير العظام وسحقها وكلاليب تغرز فى الألسنة و فى اثداء النساء وسحبها بعنف حتى تنقطع أو تبتر بالسكاكين وغيرها من ألوان التعذيب (يرجع فيها بالتفصيل الى كتاب محاكما لتفتيش للدكتور على مظهر). وممارسات عمليات التهجير القسرية التى شكلت أكبر الهجرات المعروفة الكبرى الى شمال افريقيا من مسلمى غرناطة واشبيلية وقرطبة ومالقة والميريا وسرقسطة وغيرها وهى العائلات الأندلسية المعروفة حتى الآن بعاداتها وتقاليدها فى كل من بلدان المغرب العربى..كما أن المصادر التاريخية تذكرلنا بأن "مكتبة الحكم الخليفة الأندلسى" كانت تضم وحدها ستمائة ألف مجلد مفهرسة فى أربعة وأربعين سفرا فى حين أن المكتبة الملكية بباريس التى كانت أكبرمكتبة فىأوروبا زمنها والمتأخرة عن مكتبة الحكم بأربعة قرون لم تضم الا على تسعمائة كتاب أزيد من ثلثيها فى اللاهوت وحتى من ابقوا عليها من مصادر حاولوا تفريغها من مضمونها الحقيقى الروحى والعلمى واختزلوها الى مجرد دلائل "تقنية وفنية" مثل (خوارزميات ابو بكر الخوارزمى فى الالهيات والكونيات "والكوسمولوجيا"تحولت الى مجرد "تقنيات" رياضية وحسابية اسموها "اللوغاريتمات" واخذناها عنهم خطئا وهكذا فى سائر العلوم الفلكية والهندسة الفراغية والطبية والتشريحية 

بينما كان هناك من الملوك الأفرنج من شغف باللغة العربية وعادات أهلها بغض النظرعن صليبيته وكرهه للاسلام والمسلمين مثل لويس التاسع الملقب بسان لويس أو الملك القديس الذى قاد الحملة الصليبية السابعة والذىانهزم فى المنصورة بمصر فافتدى نفسه  ليقيم بالشام شغفا بها حيث نقل معه الكثير من الكتب والمعارف الى بلاطه بعد عودته...

بل ان الثيولوجيا أو علم اللاهوت المسيحى اعتمد منذ القرن الثامن الميلادى على مدارس علم الكلام عند المعتزلة حيث يعترف المستشرق الكبير نيكولسون بالحرف الواحد فى كتاب Nicholson : literary history of the arabs ص 369...حيث قال." ان كثيرين من رجال الديانات الأخرى اعتنقوا الاسلام عن اقتناع بفعل شيوخ المعتزلة..بالبراهين والحجج العقلية فرفعوا الفكر الاسلامى الى أعلا منزلة" كما اعتمد اللاهوت المسيحى على "عقلانية" علم كلام المعتزلة واخوان الصفا فى الدفاع عن الايمان المسيحى ضد التيارات العلمانية فى المجتمع الغربى المسيحى مند أن نوه الكاردينال "كوبنغ" رئيس أساقفة النمسا بجهود يوحنا الدمشقى فى النقل عن علماء الكلام المسلمين فى منهجية تدريس اللاهوت والدفاع عنه بالمنطق والحوار العقلانى 

علاقات التأثير والتاثر بين المسلمين تاريخيا و دور المستعربين والمستعجمين فى تثبيت ثقافتنا فى اوروبا 

المستعربون los mozarabes  

تعتبر فترة 1100الى 1500فترة استعراب معظم. أروبا حيث كانت علوم العرب هى المصدر الوحيد لكل العلوم والمعارف الأوربية… اذ كان الأساتذة اللاتين يلبسون العباءة العربية أثناء تدريسهم احتراما وتقديسا للرمز العربى الاسلامى وهو أصل التقليد الأوروبى للروب الجامعى فيمابعد.. وقد أطلق فى البداية مصطلح المستعربين فى القرون الوسطى على جماعة من المسيحيين واليهود  ممن يرغبون فى معرفة الفاتح وأسباب قوته وتفوقه العقدى والحضارى والاغترا ف من فنونهم وآدابهم فلعبوا فى البداية أدوارا سلبية فى اشعال الاضطرابات أيام الحكم الاسلامى وخاصة بالاساءة الىشخص الرسول ولكنهم غيروا سلوكهم بعد التأكد من سماحة الاسلام والمسلمين تجاههم فزاد تمسكهم باللغة العربية وآدابها  وعادات أهلها وتقاليده وانماط معيشته ويفخرون بذلك بالرغم من مسيحيتهم أو يهوديتهم فأصبحوا من أهل النفوذ بسبب مؤهلاتهم المعرفية بالثقافة الاسلامية فانتشرواكنخب يطلب ودهم من علية القوم من الاوروبيين فى كل الولايات الاسبانية وخارجها حتى جنوب فرنسا الى حد أن أحد الغيورين والحقودين زمنها وهو الراهب آلبرو القرطبى- كما جاء فى الوثيقة التى ترجمها د.حسين مؤنس الواردة فى كتاب الفكر الاندلسى  للاسبانى آنخل بالانثيا- حيث قال هذا الاخير متحسرا "ان اخوانى فى الدين يجدون لذة كبرى فى قراءة شعر العرب وحكاياتهم... ودراسة مذاهب أهل هذا الدين وفلاسفته من المسلمين  لا ليردو عليها وانما لكى يكتسبوا أسلوبا عربيا جميلا صحيحا... ويضيف... ويا للحسرة ان الموهوبين من شباب النصارى لا يعرفون اليوم الا لغة العرب وآدابها  وينفقون الاموال الطائلة فى جمع كتبها... بل منهم من ينظمون  من الشعر العربى ما يفوق شعر العرب انفسهم فنا وجمالا." 

المستعجمون los Aljamiados و الموريسكيون 

لعب المستعجمون الذين كانوا فى بداياتهم أولائك الاسبان من مسلمى اسبانيا الذين تعلموا العربية وكتبوها بالاسبانية وقد عرفوا فيما بعد بالموريسكيين والذين حافظواعلى عادة تكلم الاسبانية وكتابتها بالعربية وقد تم طردهم من الأندلس الى شمال افريقيا كا اسلفت آنفا بسبب رفضهم القاطع للتنصير اثر حملات التفتيش والتعذيب 

تاثير التصوف الشاذ لى المغاربى فى الروحانية المسيحية فى اسبانيا 

كما أن الروحانية المسيحية فى اسبانيا تأثرت بمتصوفى المسلمين فى الأندلس أمثال ابن العربف وابن عربى وابن عباد وابن مسرة. وخاصة الشاذلية - التى أسسها المغربى الشريف عبدالسلام ابن مشيش - الذين أغنوا الزهاد المسيحيين ونساكهم وعبادهم  بنهجهم المعروف "بتصوف الرضا" اوتصوف الجمال ونهج "التحلى والتخلى والتجلى" المميزة لتصوف الشاذلية.، ورفض النزوع الى التقشف وقتل النفس وعدم الركون الى الكرامات والتشوف الى خوارق العادات"  كما اثبت ذلك شيخ المستشرقين الاسبان واحد اكبر المتخصصين فى ابن عربى أثين بالاثيوس فى بحته القيم حول ابن عباد الرندى فىاثبات تاثير نظرية الشاذلية حولالقبض والبسط  و الجمال والجلال.. فى الزهد المسيحى 

اشكالية الاستشراق 

ولد الغرب مقولة "الشرق شرق والغرب غرب ولايلتقيان" التى ولدت كل المقولات الزائفة عن شعوب الكون وهى مقولة مستمرة من الشاعر هوميروس الى فولتير مرورا بماركس ومنتهية عند المستشرق "هاملتون جب" – كما استخلص ذلك بحق المفكر الفلسطينى الكبير ادوارد سعيد -فتكون ظاهرة الاستشراق - وهنا يحدد - هى وليدة شروط تاريخية معينة أو استجابة لمصالح وحاجات حيوية ناشئة وصاعدة.، بل تأخذ شكل الافرازالطبيعى العتيق والمستمر الذى ولده "العقل الغربى"  المفطور بطبيعته.، على انتاج واعادة انتاج تصورات مشوهة من واقع الشعوب الأخرى ومحقرة لمجتمعاتها ولغاتها ودياناتها فى سبيل تاكيد ذاته والاعلاء من شان تفوقه وقوته وسطوته.، وكأنه يتصف بنزعة متأصلة لا يحيد عنها لتشويه الآخر (الشرق) وتزييف وجوده. كل ذلك بهدف تمجيد ذاته والاعلاء من شانها وتاكيد "تفوقها"

وان الموقف" الأكاديمى العلمى" والموضوعى من أنور مالك وادوارد سعيد من الاستشراق ككل خلق زوبعة - فىمحيط الاستشراق من أقاصى روسيا الى أقاصى الولايات المتحدة المريكية.. بامتلا كهما لأسراروأدوات و آليات البحث العلمى وخاصة ادوارد سعيد  

.. فخلاصة الاستشراق... اذن :

هو ما وصلت اليه العلوم الانسانية المتبلورة منذ القرن الثامن عشر فى مجالات "علم اللغات التاريخى والدين المقارن للشعوب الشرقية" وتاريخ دياناته-بالمنهج التاريخانى - ثم الانثروبولوجيا الطبيعية ذى النزعة المركزية الأوربية الواضحة فى استنتاجاته "العلموية"  المتسرعة فكانت نتائجها كارثية على هذه الشعوب المدروسة وعلى حضارتها وثقافاتها . وتزوير لتاريخها ضمن عملية مقصودة ومنظمة وممنهجة 

.فالصراع العربى -الاسرائيلى.والفلسطينى- الاسرائيلى هو محور التنظير الغربى - المثمتل فى الاستشراق - بالمنظور العلمى والابستيمولجى والايديولوجى والسياسى.، وهو أكبر التحديات والتناقضات التى يواجهها "الحداثيون"،"المتنورون"و"الديموقراطيون" و "التقدميون" و "المثقفون" العرب ليحددوا موقفهم من الغرب وثوابته التى لن يتخلى عنها ولن يساوم فيها ولن يتنازل عنها ويصرحون - عمليا - بمنظورهم الآنى والفورى كبديل وكطرح لاستمرار التعامل "الفوقى" للغرب - ولا يهمنى هنا تلك الصيحات  الخافتة  والمستحيية لما يطلق عليهم بأصدقاء العرب... بل الذى يهمنى هو ماذا فى جعبتنا امام التحدى الأكبر لحوار شمال - جنوب وماذا اعددنا لها (والا سنظل نتساءل تساؤل الاعرابى الذى ضحك منه الرسول"ص "بسؤاله البليد" متى قيام الساعة؟ مجيبا اياه  فماذا اعددت لها... 

فاشكاليتا الاستشراق والتغريب وموقفنا من الغرب أو موقف الغرب منا، ليست هى مشكلة التطرفات "القوموية" أو "الاسلاموية" أو "الماركسوية" فى الشرق، انها مشكلة تسعين بالمائة من البشرية محكوم عليهم بالدونية والخنوع مقابل منظور "مركزى" أحادى البعد "و" أنانوى" (من الأنانة) لعشرة بالمائة من البشر 

...فالمعطيات الموضوعية والاستقراءات الميدانية تثبث ان الغرب يرفض ( واما الرافضون لهذه الرؤيا من المتمسكين جهلا او تجاهلا.تحت تخذير رفض نظرية المؤامرات –(لتى نقر-جدلا-أنها تخطيطات ، فبلاء هؤلاء أعم وأطم) وأكبر مثال على ذلك هو احدى الردود الهامة على مقالة نقد أنور مالك – للاستشراق - المعروف بتقدميته الماركسية - من طرف أحد كبارهم المعروف باعتداله وهو الايطالى المعروف "فرانسيسكو غابرييللى عام 1965 حيث قال بالحرف الواحد"... فالواقع انه يحق للغرب أن يطبق على الشرق مفاهيمه ومنهجياته وأدواته الخاصة التى كان قد بلورها فى تاريخه الحديث... ويضيف... وبمعنىآخر اذا كان البعض يحلمون –( لاحظو عجرفة المستشرقين وامانتهم العلمية )- بامكانه جعل الفكر الغربى يتراجع عن دراسته التاريخية الطويلة للبشرية وتفسيرها فانهم واهمون... فمن الواضح ان الغرب لايستطيع انكار نفسه ووعيه الذاتى ومبرروجوده... كان هذا الرد الصادر بمجلة "ديوجين" على مقالة أنور مالك فى نفس المجلة Apologie de l’orientalisme, Diogène n°(50) 1965وهذا الرد  وما شابهه من فطاحل المستشرقين  والمعروفين بعلاقاتهم الحميمية بمتخذى القرار بالغرب فى شؤون العالم العربى -والذين ردوا بعنف على كل من أنور مالك وادوارد سعيد - أمثال المستشرق وكبير المؤرخين الفرنسيين المتخصصين فى القرون الوسطى الاسلامية الفرنسى والفيلولوجى المعروف كلود كاهين... وأكبر المستعربين والمستشرقين الغنى عن التعريف  ماكسيم رودانسون... وشيخ المستشرقين الأنغلو ساكسونيين بيرنارد لويس –والمستشار بالبيت الابيض فى الشؤون العربية الاسلامية لالمامه بكل اللغات الرسمية للعالم الاسلامى- وأخيرا وليس آخرا المستشرق الفرنسى والباحث فى مركز الدراسات والتوثيق الاقتصادى والقانونى والاجتماعى فى القاهرة ألان روسيون الذى كان أكثر عدوانية فى رده على ادوارد سعيد - هذا الرجل العقلانى التقدمى والعارف بثقافة الغرب ولا يمكن لاى احد المزايدة على موسوعيته الفكرية - بالرغم ان هذا الاخير- اى روسيون - من المستعربين الذين يعيشون بمصر والمستمرىء لطعمية أرض الكنانة وفولها المدمس وفراخها المحشية ونكثة أهلها وكرمهم الحاتمى. وخفة دمهم "كمهرجين" - بالنسبة اليه - لا كأنداد له حتى انه اعترف مرة فى احدى الندوات فى باريس انه لايتحمل العيش خارج مصر ولاالعيش فى الغرب... لأن مصر تشحن مخياله الفانتزمى وتشحد ذاكرته الكولونيالية لأمجاد نابليون بونابارت الغابرة الذى يحتفل بعض "المتنورين" المستغربين من المصريين بذكرى تبول فرسه فى صحن الأزهر الشريف... وقتله لشيوخه، وابادته لاشراف المصريين الثائرين عليه مما لا تذكره المصادر الرسمية الا ما كتب عن نابليون بعد قرنين حيث يسميه الكثيرمن "أعراب  المشرق العربى" بحامل لواء النهضة العربية... ولا تزال أرض الكنانة فى المنظور الاستشراقى - وهو المنظور الغربى الرسمى - أرض فراعنة الأهرامات بمخابئها وأسرارها وحفريات لصوص المآثر وهيروغلوفية "تشامبرلين" ومحاولة الحفاظ على صورتها التوراتية التلمودية و"القبالة الخفائية"... بجوعها وتخلفها ودروشتها وفولكلورها بالرغم من أنها تفتحت على الحداثة والنهضة الأوربية فىنفس التوقيت مع اليابان  غيرأن الغرب اراد لها باستشراقه تعميق خصوصيتها الفرعونية الفولكلورية وهز البطن واستفحال الخنا، وتدخين النرجيلة ذكرانا ونسوانا شيبا وشبابا كما صورتها أدبيات العصر الفيكتورى البريطانى الاستعمارى الفانتزمية 

تطبيقات الاستشراق العملية على أرض الواقع فى العالم العربى 

وعمليا فان الاستشراق كعلم له كيانه ومنهجه. ومدارسه وفلسفته. ودراساته ومؤلفاته. وأغراضه وأتباعه ومعاهده ومؤتمراته،وبكل نزوعاته المختلفة من التفوقية والتحليلية والتخصصية واللاهوتية والسياسية قد أثر تأثيرا واضحا وجليا على ما يسمى "بالنهضة العربية الحديثة" منذ بداية ارسال البعثات الى أوروبا والحضورالمكثف للعرب فى مؤتمرات الاستشراق والاستعانة بهؤلاء فى التدريس فى الجامعات العربية ،وترجمة أعمالهم ،وتأثيرهم القوى فى تحقيق المخطوطات والوثائق التاريخية. ودراسة الأدب العربى قديمه وحديثه، وتأليف دائرة المعارف الاسلامية وفهرسة المعاجم العربية ومناهج النقد الأدبى.، والتنقيب عن المخطوطات والتراث ،و "محاولة تقويمه" والمنهج النقدى الحديث للبحث الى غير ذلك، فتغلغل بذلك فى كل الكيان العربى فأصبحت له سطوة وهيبة ورهبة  

تأثير الاستشراق على الأدب العربى المعاصر 

كما أثرالاستشراق بتوجهات أصحابه السياسية وانتماءاتهم الايديولوجية والعقائدية وتصوراتهم القبلية أمثال رينان وجبرائيل مارجليوت ولافيجرى وهانوتو وكرومر وزويمر واشباخ  غولد زيهر وبروكلمان وجب و الدوق داركور ولامانس وغوتييه وسنوك وهيرجرونجه و لوى برتران... حيث كان كل واحد من هؤلاء يجد مطعنا فى الاسلام وثقافته وحضارته ولغته حسب معلوماته المسبقة حول الديانات والملل الأخرى واسقاطها على الاسلام  بهدف الطعن فى العقل العربى و لغته وعقيدته وتراثه.، فتأثر بهم الكثير من الأقلام الرائدة فى أدبنا العربى المعاصر أمثال توفيق الحكيم وحسين فوزى وسلامة موسى واسماعيل مظهر وطه حسين الذى تأثر بنظرية مارجليوت فى تشكيكه فى الشعر الجاهلى وأبو القاسم الشابى التونسى صاحب الرأى "بأن الأدب العربى أدب جامد ميت لاسمو فيه"... والشاعر الفلسطينى المعروف أدونيس الذى صرح فىأاواخر الستيانت (تحت تأثير هسترة "الهراء الايديولوجى الأحمر" آنذاك ،وهلوسات السورياليات الوافدة من فرنساوالتىتخلى عنها صاحبها ومؤسسها لويس أراغونالى غير رجعة، عندما أزفت الآزفة ابان الاحتلال النازى) حيث قال" بأن العرب مقلدون غير "مبدعين وأنهم لم يقدمواشيئا يذكرللانسانية (ياللصفاقة).وأن التاريخ لايحفظ لهم تحولا ابداعيا واحدا أحدثوه فى مرحلة.من مراحل البشرية".. ناهيك عن المحبرين "الثوريين" الحشويين السائرين على هدى الانفعال القومى وشوفينيته الرامين الى "تحليل" مجتمعاتهم و"تطوير" عقلياته وقلب مؤسساته و (تفكيك) بنياته وتكييف "حركة التاريخ" – على النهج التطورى"الداروينى  الذى عفى عليه الزمان فى الغرب - .بأدبيات مسعورة النزعات وضخ "لاطنان" من الكلام الايديولوجى الديماغوجى يحتسبونها من لب التحليل العلمى والمنهجية السوسيو- ثقافية... ولنا فى ركام الانتاج الايديولوجى الثورى التقدمى المشرقى زهاء أكثرمن نصف قرن أ قطع دليل على غوغائية أمثال هؤلاء

الاستغراب وآفاقه المعرفية 

ان مقياس نضج الحضارات وأهليتها على العطاء والاستمرار. يكمن فى قدرتها على الرد الحاسم وفى الوقت المناسب على أنماط وأشكال تحديات الأغيار، وعلى دحر الأعداء الخارجيين والداخليين، وفق مستجدات الظروف لمسلسل التحديات...

فالملاحظ أن ضغوط حجم التحديات وتواصلها القهار متى عدم الرد الحاسم عليها بالطريقة المناسبة بالمنهج الأقوم ،ينقلب لازبا الى كارثة افناء وضربة قاصمة للحضارة أو المجموعة المستهدفة

..

ومن هذا المنظور، فانى لأجوز لنفسى - كباحث انثروبووجى - القول بأن الشعوب العربية والاسلامية كانت فى مسيس الحاجة الى ضروب من تحديات مواتية تحركها وتستفزها لتلهب حماسها وتحرك كمون سلبيا تها نحو مجالات العطاء والبراز الحضاري والاصطراع الوجودى، وهو نفس التحدى الذى حفز الغرب فى بداية اصطدامه بالشرق لاكتناه أسراره وخباياه بتحليله وتفتيته واعادة تركيبه لمواجهته وهو من أهم بواعث نشوء الاستشراق

.

فلا تملك الشعوب العربية والاسلامية-والحالةهذه - الا ان  تقرر مصيرهاأمام التحدى الغربى - الصهيونى بطبيعته التكنو- ثقافية الافتراسية بحجمهما الأعتى.، الذى امتدت آثارطعناته عميقة فى جسم الأمة حتى تخدر منها العقل والحس والوجدان والايمان فأصبحت لقمة سائغة فى أفواه أراذيل التاريخ وحثالات الشعوب. 

و ما نلمسه من عوامل القطيعة الفكرية بين الجماهير العربية المعاصرة وبين معطيات حضارتها الباهرة - التى مافتئ الغرب يشكك فيها بمعية أذنابه من المستغربين الحشويين من أبناء هذه الأمة-مردها تناسى واستغفال الجوانب المشرقة التىأثرت فعليا وواقعيا-من الناحية التاريخية- فى مجالات التبرزالعلمى عامة والابداع الأدبى والاسهام الفكرى والفلسفى  

حيثيات ضرورة الاسغراب الملحة

لكل زمان أقضيته،وستأتى ازمنة تختلف اقضيتهم عن اقضيتنا...الامام مالك رضى الله عنه للخليفة العباسى 

نعم اننا نعيش الزمن المضطرب.والصعب، الذى تعقدت وتشعبت وتفاقمت فيه أقضيتنا حيث استكبر عليناالوضيعون.، وصمت الشرفاء فى وتخارست الأفواه الصداحة بالحق الابلج حتىتكالبت علينا صعاليك الأمم وحثالتها من صهاينة ورعاة بقرومن لف لفهم ونحن كثر قرابة المليارين، و لكننا كغثاء السيل كما - ورد فى الخبر- 

ولذا فمن حيث ان هذه الشعوب بحكم ماضيها التليد وليس بحكم حاضرها المذل

ومن حيث أن القطيعة الفكرية بينها وبين معطيات حضارتها الباهرة قد استطال أمدها. وتورمت ذاكرتها وتشعبت بها السبل...

ومن حيث انها أيضا لا تمثل شعوبا فلكلورية و"طوطيمية" خرجت لتوها من مجاهيل الأدغال الى أضواء الحضارة وشمس العرفان، كما تحاول تصويرها معظم الدراسات الاستشراقية، والمعادين لها من الداخل من أبناء جلدتهامنالديماغوجيين والمهزومين والمرعوبين والمرذولينمن الذين يروق لهم ان ينعتوا بكل المقابح والمثالب هذه الحضارة وهذا الدين

ومن حيث ان من حقها أن تعيد رفع رأسها بين الأمم والأغيار ليكون لها مكانها تحت الشمس... 

فان التمادى فى التغاضى عن عدم انشاء علم شبيه بالاستشراق.، يدرس وينقب ويبحث ويفكك كل ما فى الغرب من حضارة وفنون و آداب وفلسفة وأديان، ونظم سياسية واجتماعية واقتصادية، يؤسس له كعلم قائم بذاته له كيانه ومناهجه ومدارسه وأهدافه وفلسفته بهدف تخريج رجال ونساء، يبلون كما أبلت الكنيسة والمستعربون والمستشرقون منذ القرن الثامن الميلادى فى فهم كل خبايا ديننا وحضارتنا وفنونا وثقافتنا ونظم عيشنا (انظر الى توافد الأنثروبولوجيين الى معظم الدول الاسلامية (وخاصة المغرب)وتزايد عددهم منذ رئاسة كلنتون وتضاعفت وفودهم بعد حادثة سيبتمبر لدراسة مايسمونه "بالاسلام الشعبى" فى المناطق النائية غير الحضرية. كاسلام الزوايا والطرق الصوفية - وخاصة المتناسية منها - والأعراف المتبعة ورموزها ومدى ارتباطاتها باثنيات القبائل وشرائحها وهرميتها فى السلم الاجتماعى والاقتصادى. والاختلافات الجذرية فيما بينها والحضور الطقوسى فيها ومدى تغلغله وتاثيره فى هذه الأعراف ومحاولة تفكيكها لاستخدامها فى الوقت المناسب قصد تحريكها لخلق اتطبيق اطروحات "الفوضى التفكيكية" لتعميم "نموذج العراق" فى لبنان وايران  ومصر والمغرب العربى والسودان  وتركيا  - واجندة الزيارات للباباقبل وفاته بعد زيارته لتركيا توضح ذلك..)  

وأخيرا وليس آخرا فلا بد من التنويه والاشارة الىالمحاولات ا لجادة الأولى لبعض مفكرينا فى القرن الماضى فى مجال "الاستغراب" أمثال رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده ومحمد اقبال وشكيب أرسلان وعباس محمود العقاد ومالك بن نبى وأحمد موسى  وادوارد سعيد وعلا الفاسى ومحمد الفاسى الفهرى وطه عبدالرحمن وغيرهم

. فالصراع بيننا وبين الغرب كان منذ بداياته صراعا فكريا. فليكن سجالنا معه فكريا.، ولن يتم ذلك الا باعادة قراءة وتقييم ثراتنا بمناهج جديدة والالمام والتبحر فى مناهجه الفكرية والالمام بها. كما فعله الأولون من علماء الكلام من المعتزلة والغزالى وابن تيمية – الذى له ثمانى مجلدات فى نقد الفلسفة اليونانية – منهجيا - ما زالت حسب علمى مجرد مخطوطات فى احدى جامعات الهند - كما ولابد من امتلاك كل ما جادت به قرائح الغرب فى مجال العلوم الانسية وماحققه من طفرة فى ميدان الابيستيمولوجيا التى هى مفاتيح مغاليق تركيبات هياكله الفكرية وأنساق ثقافته ومنظماته ومؤسساته وذلك من أريسطو الى العلامة جيمس فريزر حتى نخرج من طوفان الهراء الايديولوجى والتحليل التكسبى والخواء الادباتى المسعور ابداعا واستهلاكا وتكسبا والا فسنظل مجرد أرضية اختبارواسقاطات الغرب علينا...

أما أوهام المؤتمرات الترقيعيةالعربية والاسلامية ،والندوات والمهرجانات والمنتديات الغربيةالتركيعية ،فقد شاهدنا فيها وسمعنا منها ما يندى له الجبين من غى و جهالات وظلالات عمياء،لاتزيد الأمة الا انتكاسا واحباطا وهلوسة وانفصاما وتشرذما وطائفية... وبئس المصير... 

              

بعض المراجع المتعلقة بمحاور المقالة 

(1) Martin Heideger Qu’est - ce que penser PUF.PARIS page 112

(2) Roman Rolland.correspondance à E.blooche Coll. »Lettres ». Payot.lausanne Page 15 

د. عبد الوهاب المسيرى - الفلسفة المادية وتفكيك الانسان... - دار الفكر دمشق - سورية

د.ادوارد سعيد 1993.الثقافة والامبريالية ترجمة كمال ابو ديب - دار الآداب بيروت

د.احمد اسماعيلوف استاذ العقيدة والفلسفة الاسلامية بكلية الدراسات السلامية بسراييفو فلسفة الاستشراق واثرها فى الادب العربى المعاصر 

د.سعيدعبد الفتاح عاشور---تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب فى العصور الوسطى... دار النهضة العربية للطباعة والنشر 1976 

ذ عباس الجرارى اثر الاندلس على اوروبا فى  مجال النغم والايقاع - منشورات مكتبة المعارف -الرباط 1982 

المستشرق الهولاندى رينهارت دوزى المعجم المفصل باسماء الملابس عند العرب - ترجمة د اكرم فاضل - وزارة الاعلام  بمديرية الثقافة العامة بغداد عام 1971 

ان معركة ليبانت عام 1581 بين الامبراطورية العثمانية والجيوش الغربية المسيحية هى المرحلة الحاسمة بين المعسكرين الغربى والشرقى… حيث عالجها محمد اركون بمنهجية دقيقة فى كتابه 

.Mohamed Arkoun « Pour une critique de la raison islamique » Paris.Maisonneuve et la rose 

أما مشكلة معظم المثقفين الحداثيين فى العالم العربى... فهم غرقى مثاليات تجريدية و"طوباويات علموية - ذهانية" لاعلاقة لهم بواقع الانسان العربى ولاحاجياته لعدم المام معظمهم بالثورة المنهجية والطفرة الايبستيمولوجية التى حصلت فى مجالات العلوم الانسانية فى الغرب و التى تجاوزت المنهجية الكلاسيكية لما قبل الخمسينات وقيمه الانسية الكلاسيكية التى تعود خلفياتها الفكرية الى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين فلم تعد كونية بالمفهوم العلمى الاكاديمى. كما حددها ميشيل فوكو بصرامة فى حفرياته المقلقة. والتى زعزعت طمانينات وثوابت العلوم الانسانية التى اوغلت فى منهجها "الاختزالى والتفكيكى"… methode de « réductionnisme »بحيث قال "انها  أضاعت الانسان تحت اصرارها على تفكيكه لفهمه  فخلفته وراءها"... والتى بدأها بجملته الشهيرة فى مؤلفهles mots et les choses بهذه من مقدمة كتابه. sciences sociales et humains sont dans une mortelle impasse les

وللالمام  بالحوار الدائر فى الغرب منذ طرح مشروع "فوكو" فى حفرياته للفكر الغربى " احيل القارئء الى كتاب "قراءة نقدية"  وهو كتاب جماعى لنخبة الفلاسفة الاوروبيين والامريكيين وهو صادر بالانجليزية وترجم الى الفرنسية عام 1989.وما زال الصراع محتدما بعد ان تخلى كل الفلاسفة المعاصرين فى فرنسا عن التنظيرات "الانسانوية" للقرن التاسع عشر  واضموا الى التيار اليمينى المحافظ والمتصهين الذى يمثله الفيلسوف الفرنسى اليهودى "بيرنار ليفى" ةاكثر من 120  الفلاسفة الجدد المتزعمين للقطيعة مع الشرق والعودة بالفلسفة الى ما قبل التنوير الذى استفذ وهجه  نهائيا.. 

(3)-ان مايسمى بالموسيقى الأوروبية تاريخيا واصطلاحا  يقصد بها موسيقى الأقاليم فىكل من... ايطاليا  واليونان واسبانيا و البرتغال وجنوب فرنسا أى الجزء الجنوبى بحوض المتوسط الذى كان بدوره مجال حركة حضارية وثقافية منذ الفنيقيين والٌقرطاجيين... 

  أما ما يسمى اصطلاحا بالموسيقى العربية فهىتلك الموسيقى التى امتدت على رقعة تمتد من أقصى المغرب الى اقصى المشرق وعلى عمق آلاف السنين تشمل المقام العربى والفارسى والرومى والهندى والبربرى وكل أنماط  المقامات السامية و الحامية وكانت بملامحة تختلف اختلافا جذريا عن سمات الموسيقى البدائية كما تختلف عن موسيقى الشعوب الغربية والشمالية الأوربية –كم ذكر ذلك الخبير الموسيقى المستشرق  "كورت زاكس" فى كتابه تراث الموسيقى العالمية (ترجمة د.سمحة الخولى)... ولو لم تنتشر مؤلفات  كرسائل الكندى وكتاب الموسيقى الكبير... واحصاء العلوم للفارابى... والشفا والنجاة لابن سينا-حول الاستطباب الروحى والنفسى بمقامات موسيقية معينة - ورسائل اخوان الصفا ومفاتيح العلوم لمحمد الخوارزمى والكافى فى الموسيقى لابن زيلة وابن فرناس "الذى عانى ضرب العود وصوغ اللحون" كما قال صاحب "حلى المعرب فى حلى المغرب" وابن باجة المشتهر باختصار مؤلفات أرسطو وشرحها والتعليق عليها واليه تنسب الالحان المطربة بالأندلس التى عليها الاعتماد – يقول صاحب النفح ج3 وغيرهم كثيرون... وقد ترجم معظمها فى وقتها واستفاد منها الغرب وبقيت عندنا مطمورة على شكل مخطوطات  بينما تعانى موسيقانا من الوبال  والانحطاط الفنى والخلقى الممول بأموال الأمة)..و كذا فى  اللباس (حيث ألف المستشرق الهولاندى "رينهارت دوزى" معجما مفصلا بأسماء  الملابس عند العرب التى امتدت على طول رقعة بلاد العالم  الاسلامى (ترجمه د.اكرم فاضل تحت اشراف وزارة الاعلام العراقى والتى يعترف فيها المستشرق الذى كتبه عام1843 بتاثير هذه الالبسة فى كل من اسبانيا وانجلترا وفرنسا زمنها.