الإخوان كلهم إصلاحيون
حسام مقلد *
تسارعت الأحداث مؤخرا في جماعة الإخوان المسلمين ، وتدفقت المقالات في الصحف ومواقع الإنترنت ، وانهمرت في القنوات الفضائية سيول التحليلات والبرامج التي تتحدث عن الجماعة وما يجري بداخلها ، وانبرى كثير من الألسنة والأقلام للخوض في سمعة الجماعة ، والحديث عنها وعن رجالاتها في القديم والحديث، وقسموهم إلى إصلاحيين ومحافظين، أو بناويين ( نسبة إلى الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله) وقطبيين ( نسبة إلى الشهيد سيد قطب رحمه الله) ، وأسرع كثيرون إلى نهش لحومهم والتطاول عليهم، وتمادى البعض في غيه وافترى عليهم ووصفهم بما يعاقب عليه القانون!!
ولا مانع مطلقاً من نقد الجماعة وتناول أخبارها والحديث عنها لكونها جزءا لا يتجزأ من المنظومة الوطنية ومن النسيج المجتمعي، ولا يمكن إنكار هذه الحقيقة ؛ فالإخوان المسلمون جزء من الواقع الذي يعيشه الناس في مصر والعالم العربي والإسلامي ، ولا فائدة من إنكارهم وإقصائهم ووصف جماعتهم بالمحظورة ، بل إنه لمن العجب العجاب أن يهش ويبش مسؤولونا للقاء مجرمي الحرب أمثال: نتنياهو وأولمرت وليفني وباراك ... ثم يمتنعون (أو يتمنعون ... !!) عن لقاء شريحة كبيرة من مواطنيهم يكنون كل مشاعر الولاء والحب والانتماء لأوطانهم وأمتهم !! ولا داعي لما نلحظه لدى بعض الإخوان من الحساسية المفرطة تجاه أي نقد أو أي كلام عن الجماعة وما يحدث فيها.
غير أن قلة الإنصاف والتجاوز الشديد والبعد عن الموضوعية والتحامل ... وغير ذلك من التعاطي السلبي الممنهج اتسمت به غالبية البرامج والمقالات والحوارات والتحليلات ، وهذا لن يثمر إلا مزيدا من الجفاء والجفاف في الحوار المجتمعي الذي نحن في أشد الحاجة إلى إثرائه في الظروف الراهنة.
لقد اتهم الكثيرون الإخوان بالإرهاب ، ويتشبث آخرون بتكرار الحديث عن جرائم أو أخطاء تاريخية هناك جدل كبير حول ارتكاب الإخوان لها في الماضي، وينادون بمحاسبة الجماعة عن تلك الأخطاء التي تبرأ الإخوان منها مرارا ومات مرتكبوها، وانقضى أكثر من نصف قرن من الزمان ولم تسجل حادثة عنف واحدة ضد الإخوان الذين لا يسأمون أو يملون من أن يؤكدوا قولا وعملا وفي كل مناسبة نبذهم التام للعنف بكل صوره وأشكاله، ويؤكدون على أنهم جماعة إصلاحية لديها مشروع متكامل لنهضة الأمة الإسلامية ويسعى لصالح البشرية كلها وفق النهج الرباني الذي أنزله الله تعالى لعباده ... ولكن بأساليب مدنية حديثة تؤكد على مدنية الدولة ، وحرية العبادة ، وتمتُّعِ جميع المواطنين بحقوق المواطنة بغض النظر عن اللون أو العرق أو الجنس أو الدين، وتدعو إلى البعد تماما عن الدولة الثيوقراطية، وترفض كل الرفض شكل الحكم الديني الكهنوتي الذي مارسته الكنيسة في أوربا طوال القرون الوسطى، وتصدع بالحق قائلة بأوضح عبارة وأفصح لسان :
· لا كهنوت في الإسلام، ولا وألف لا لمن يحكمون الشعوب باسم الدين.
· نعم لحقوق المرأة كاملة في ظل أحكام الشريعة الإسلامية.
· نعم للمواطنة الكاملة لغير المسلمين في الدولة الإسلامية.
· نعم وألف نعم لتداول السلطة وفق الانتخابات الحرة النزيهة.
· نعم للتعاون الدولي المثمر الذي يحقق التنمية الشاملة العادلة المستدامة في كل المجتمعات ، ويجلب الخير والحق والجمال والرفاهية لكل بني البشر.
· نعم للحياة الحرة الكريمة لكل الناس في كل بقاع الدنيا، ولا للبؤس والفقر والجهل والمرض.
· نعم للحرية والعدل والمساواة، ولا للقهر والقمع والظلم والطغيان وكافة أشكال التمييز.
· نعم للعلم والبحث والاكتشافات العلمية وكل ما من شأنه أن يرتقي بالحياة البشرية ويعمر الكون الفسيح الذي سخره الله تعالى لنا واستخلفنا فيه.
· لا للاستعمار بكافة صوره وأشكاله ، ونعم للتحرر والمقاومة في سبيل التخلص من أي احتلال غاشم ظالم يسلب الشعوب حريتها وكرامتها وينهب ثرواتها ويستنزف خيراتها.
· نعم لحماية البيئة والحفاظ على مواردها وتسليمها نقية للأجيال القادمة لأنها ملك لهم وليس من حق أي جيل أن يدمرها أو يستنزف مواردها.
· نعم لكل القيم والفضائل ومكارم الأخلاق، ولا وألف لا للانحراف والانحلال الخلقي.
· نعم للفن بكل صوره وأشكاله الراقية ؛ لأن ذلك الفن الأصيل يمتع الأرواح ويهذب الأخلاق ويشذب الغرائز ويسمو بها، ولا وألف لا للإسفاف والابتذال وكل ما يؤدي للانحلال والتفسخ والضياع.
· نعم للرياضة وبناء الأجسام وتفتيق طاقات الشباب في الأمور النافعة والهوايات المفيدة، ولا للتعصب والسطحية والاهتمامات الهزيلة التي لا تبني أمة ولا تنهض شعبا.
هذه هي مبادئ الإخوان ، وهذه هي أحلامهم ، وهذه هي قناعات كل فرد فيهم ، فهم يبحثون عن الخير والحق والجمال ، ويدعون للحرية والعدل والمساواة، ويسعون للإصلاح الفردي والأسري والمجتمعي لا فرق بين بناويين ولا قطبيين ـ إن صحت هذه التسمية ـ فالإخوان كلهم إصلاحيون ... ولا داعي لدق الأسافين بينهم فهم أكبر من ذلك وأكثر وعيا ونضجا وحبا وتآلفا مما يظن أعداؤهم، وليعلم الجميع أن الإخوان كلهم إصلاحيون وشعار كل فرد منهم: " إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" (هود: 88).
* كاتب إسلامي مصري