العلم والتقوى

يعقوب أحمد

[email protected]

أصبحت متطلبات سوق العمل وعلمية التغير والمواكبة من أجل التقدم العلمي والتكنولوجي الشغل الشاغل ومن الأمور المحلة التي تحلم بها كل دولة في العصر الراهن، ولا سيما دول العالم الثالث التي سعت إلى تبني سياسات التقليص الوجداني مما أدى إلى إثارة روح المبادرة والمنافسة بين أبناء البلدان المختلفة . فكان لا بد من نهج وإتباع النظم والاستراتيجيات والمناهج المبتكرة التي تتمتع بها تلك الدول في شتى المجالات.

لقد شكل الجانب التعليمي أهمية بقصوى اعتباره أساس كل عملية تطور ورقي، ولذلك سعى العديد من المراكز التعليمة كالجامعات والمدارس إلى احتضان تخصصات عديدة حسب ما يحتاجه المجتمع وحسب متطلبات العصر، ولتحقيق ذلك كان لا بد من تعليم اللغات التي تفرض نفسها عالميا كلغة أساس لدراسة بعض التخصصات، ومن أشهرها  الإنجليزية. وعلى صعيد الجامعات ذاع وانتشر أفكارا واقتراحات تحت بند اكتساب وإجادة اللغة الإنجليزية ولاقت هذه الاقتراحات إقبالا كبيرا من قبل الطلبة المستنجدين حيث تتلخص هذه الاقتراحات في  مشاهدة الأفلام والمسلسلات الأجنبية الإنجليزية باعتبارها عامل مساعد ومعزز لجهود العملية التعليمة التي تؤهل صاحبها لاجتياز إحدى الشهادات التي تمثل مفتاح أساس من دونها لا يحلم الطالب في الالتحاق بتخصصه  على سبيل المثال شهادة " TOEFL " أو ما يعادلها من الشهادات الأخرى المعترف بها دوليا.

ومع الأسف الشديد يذهب أناس كثيرون ضحية جراء هذه الاعتقادات، ولا سيما الشباب الملتزمون في دينهم، ومع تفاقم الضغوطات الدراسية وتكرار تلك الأفكار الرنانة لا يجد هؤلاء الطلبة أنفسهم سوى أمام خيار بالكاد يكون الأمثل والأجدر، بينما في  الحقيقة هي عبارة عن استدراج وخطوة من خطوات الشيطان. ففي واقع الأمر لو تمعنا في مضمون هذه الأفلام لوجدنا أن أغلبها ممنتجة ومخططة على وتيرة واحدة وفقا أهداف شبه موحدة، لصالح منتجيها، فبالنسبة للعامة من الأشخاص يمرون عليها دون معرفة الغرض من إنتاجها، بينما المختصون في مجال علم " تحليل المضمون" هم القادرون على كشف تلك الأهداف. هذا ولأن معظم تلك الأفلام تحوي على مخالب من اللقطات تنزع من أبناء المسلمين أشواك الانتماء والاعتزاز والتمسك بالدين ومبادرات التشبث بهوية الوطن لتغرس بدائل من أشواك الفساد والرذيلة حتى ينجرفوا إلى المغريات الهابطة الهالكة ومن ثم التخلي عن الأخلاق والتعاليم الدينية السمحة التي رسمها الخالق عز وجل لكي تكون نبراسا للأمة ونورا تهتدي به وقت الظلمة والضياع.

ونحن نؤمن بأن مشاهدة تلك الأفلام تزيد من رصيد المتعلم وتثريه لغويا، إلا أن الأهم من ذلك أن نبحث في ما إن كنا بهذا الفعل نرضي الله عز وجل أم أننا لا نزداد به غير البعد والوقوع في سخط الله. لكن بفضل الله هناك بدائل سمحة ونقية التي يجد فيها المتعلم كل أنواع المعرفة والعلوم لكي يمارس حياته العامة والعلمية بعيدا عن كل الرذائل والسلوكيات اللا أخلاقية. وتأكيدا على تلك البدائل هناك كم هائل من الطلبة اجتازوا هذه المرحلة دون الاتكال والاعتماد على الممارسات السلبية، ووجدناهم أكملوا دراستهم بكل سهولة، بل اكتسحوا المرحلة الجامعية، وأثبتوا جدارهم من خلال تحطيم الأرقام القياسية في التقدير فكانوا في نهاية المطاف من المتفوقين دراسيا.

ربما يسعى الفرد من خلال هذه الممارسات إلى تحقيق ما يريد، ولكن بعد انتهائه من المهمة، سيجد نفسه مدمنا في مشاهدة تلك الأفلام، إذاً انقلب الأمر من مجرد الحصول على مهارة وملكة لغوية إلى ثقافة تسري في الشرايين كمجرى الدم. وأصدقاء السوء لا يقصرون في النصائح والاقتراحات لذا لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل اتسع ت دائرة مصادر اكتساب المهارات إلى أن شملت " الاستماع إلى الأغاني الأجنبية" كعنصر جديد لتعزيز معزز لتك الجهود أيضا، فتجد مريدوها ليلا ونهارا، وكأنها غذاء جسدي في حياة الإنسان من دونه ينعدم الحياة، وبطبيعة الحال إنها فعلا تشغل الإنسان عن قراءة القرآن والاستماع إليه.

 

وفي الختام أؤكد بأن الأمر ليس مسألة "لف ودوران" وإتباع الهوى، أو خلق أعذار من أجل الشروع في المنكرات، وكأننا نريد أن نكحل أعين غيرنا بحيل منظمة حتى لا يظنوا أننا مذنبون. سواء شئنا أم أبينا تبقى في النهاية حقيقة فريدة من نوعها جلية كالشمس الساطعة في كبد السماء، سطرها الله في كتابه العظيم، تنحصر في قوله تعالى:" واتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ" إذاً لا بد من حساب للنفس ومراقبة ذاتية تتم داخل مكنوناتنا ومخيلتنا، لأننا ربما نضحك على غيرنا ولكن يستحيل أن يكون ذلك مع الخالق عز وجل ويصعب أن نفعله مع أنفسنا أيضا. أسأل الله الهداية والتوفيق.