القس الصهيوني وجذور الافتراء
القس الصهيوني وجذور الافتراء
أ.د/
جابر قميحةلست في حاجة إلى أن أعرض ما افتراه القس البروتستانتي "جيري فالويل" على الإسلام ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أن أعرض ـ ولو على سبيل الإشارة ـ ما فند به العلماء هذه الرؤية الحقيرة الخبيثة التي تنم على تعصب خسيس حقير، وتنم كذلك ـ وهذا مهم جدًّا ـ على جهل فاضح ـ لا بحقيقة الإسلام، وشخصية رسوله واصحابه فحسب ـ ولكن بحقيقة اليهودية والمسيحية، وأبعادهما وطوابعهما في صورتهما النقية الصافية.
ولكن يهمني في هذا المقام أن أقدم ـ في إيجاز شديد ـ الحقائق الثلاث الآتية:
الحقيقة الأولى: أن هذه الرؤية الساقطة ـ من رجل دين ـ ليست جديدة، بل لها جذور ضاربة في القدم.. تمتد إلى عصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد تولى أحبار اليهود تشويه صورة الإسلام، وصورة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتآمر على الدولة الناشئة وممالأة مشركي مكة، وتحريضهم على قتال المسلمين، بل حاولوا اغتيال النبي أكثر من مرة.
والتاريخ يحدثنا عن أبي عامر الراهب الذي تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، فلما انتصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بدر أكل الحقد قلبه فانطلق إلى مشركي مكة، وأخذ يحرضهم على النبي، وخرج معهم إلى أحد، واشترك معهم في قتال النبي، وحاول استمالة قومه الذين أسلموا، ولكنهم رفضوا أن يعودوا للكفر، وسبوه ولعنوه. وأكثر من ذلك ذهب إلى هرقل الروم، وأقام عنده، وأخذ يحرضه على إرسال جيش لقتال محمد والمسلمين فوعده ومناه، وأرسل هذا الراهب رسالة للمنافقين بالمدينة لبناء مسجد يتخذ وكرًا للتآمر و (مركزًا للقيادة) فبنوا مسجدًا سماه القرآن "مسجد الضرار" لأن الغاية من بنائه الإضرار بالإسلام والمسلمين، فأمر النبي بحرقه.
وما زال هذا الدرب مفتوحًا وممتدًا حتى الآن، وكل ما افتراه هذا القس الأمريكي المخبول جاء كله من قبل على ألسنة المستشرقين المتعصبين ضد الإسلام، وخصوصًا تيودور نولدكطه، ولامانس، وبنيه سنفله، وجورج سبل، ودوزي، وهانوتو. وقد تكفل كثير من علماء المسلمين بتفنيد هذه المفتريات منهم الإمام محمد عبده، وعباس العقاد، والشيخ أبو زهرة رحمهم الله.
الحقيقة الثانية: أن هذا القس المخبول صهيوني ضليع في الصهيونية أكثر منه قسًا مسيحيًّا، فالطوابع الصهيونية هي منطلقه الأساسي، فهو يرى أن معارضة إسرائيل تعد حرباعلى الله، وأن حق إسرائيل في التهام فلسطين حق إلهي، وأن الحدود التوراتية لإسرائيل هي ما بين الفرات والنيل. وهو ضد بناء أي علاقة أمريكية، أو أوروبية مع العرب؛ لأنهم يقفون في وجه إسرائيل، بل إنه يعترف صراحة بأنه "صهيوني" وأن القدس هي العاصمة التاريخية الدينية لإسرائيل إلى الأبد.
وأمام هذه الحقيقة علينا أن نقيم الرجل "ككل" وألا نقيمّ رؤيته الممسوخة للإسلام، ونبي الإسلام بمعزل عن عقيدته الصهيونية التي تعمقته وآمن بها، وينطلق منها.
الحقيقة الثالثة: أن فينا من المسلمين ـ أو المتمسلمين ـ من يسيرون على مثل هذا الدرب مثل خليل عبد الكريم الذي زعم أن "محمد" من "صنع" خديجة وورقة بن نوفل، فنبوته "صناعة بشرية، وليست اختيارًا ربانيًا، وفي كتب أخرى لم يترك منقصة إلا وألصقها بالصحابة، ولا ننسى ما ألصقه "حيدر" بشخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في "روايته" الساقطة "وليمة لأعشاب البحر". ولا ننسى كذلك "تشويهات" سعيد العشماوي، وفرج فودة، وسيد القمني. وللأسف سلط الإعلام المصري ـ المقروء، والمسموع، والمرئي ـ الأضواء الكثيفة جدًّا على هؤلاء كنماذج للشجاعة الأدبية، وسعة الأفق، فإذا ما قام أمثالنا بتفنيد أكاذيبهم وفضح ادعاءاتهم اتهمنا بأننا رجعيون وظلاميون، وأننا حرب على حرية الفكر وحرية الإبداع، وأننا حريصون على الإخلال بأمن الدولة والسلام الاجتماعي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا إليه راجعون.
كل هذه الحقائق ـ وخصوصًا الحقيقة الثالثة ـ تدفعنا إلى وقفات متأنية مع النفس، ومع الآخر قبل أن نعبر عن رؤيتنا في وضوح وجلاء.