المسألة التركية وتوضيح المفاهيم

جمعة أمين عبد العزيز

جمعة أمين عبد العزيز

عضو مكتب الإرشاد

   لا شك أن ما حدث فى تركيا من فوز حزب يحسب على الإسلام وتوجهاته، يدخل السرور على قلب كل مسلم غيور على دينه ويتمنى تمكين دين الله على الأرض .. بل نفرح لكل جهد مشكور قل أو كثر لصالح الإسلام تقوم به أى جماعة أو أفراد .

   وليس هذا بالأمر الغريب على المسلمين منذ جيلهم الأول بل وفى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم .. فقصة فرحة المسلمين بانتصار الروم أهل الكتاب على الفرس المجوس أثبتها القرآن حتى لا يستنكر هذه المشاعر أحد فقال : (غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(الروم:2-5)

   فكيف لا يفرح المسلمون اليوم بانتصار حزب العدالة والتنمية على العلمانيين الذين يحكمون تركيا منذ سقوط الخلافة حتى اليوم والذين فصلوا الدين عن الدولة ولم يعزلوا الإسلام عن الحكم فحسب بل حاربوه فى مظاهره ابتداء من (الطاقية) إلى حجاب المرأة المسلمة وانتهوا إلى إلغاء اللغة العربية لغة القرآن الكريم بل وارتبطوا ارتباطا عضويا وروحيا وقلبا وقالبا بالمشروع الغربى..

   إن الذى نشاركهم فيه ونقره لهم هو أمر يتصل بالمشاعر القلبية التى لا يعارضها الشرع الحنيف، ولكن ما يتصل بالمقاصد والغايات ومنهج التغيير والإصلاح فأمر يحتاج إلى تبيان وتوضيح، كى نضع النقاط على الحروف ونؤكد عليه ليستبين التصور السليم بمنهاجه القويم حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها حين يرى البعض هذا الانتصار فقد يشعرون باستطالة طريقنا وُبعد الغايات وعدم وتحقيق الأهداف البعيدة بل واستحالة تحقيقها بهذا المنهج الذى آمنا به وطبقناه، من وجهة نظرهم .

   من الخطأ أن نعقد المقارنات الخاطئة بين من وصلوا إلى السلطة والحكم دون أن يحدثوا تغييرا إسلاميا فعليا وجوهريا فى طبيعة المجتمع أفراد وأسر ومجتمع وبين من أحدثوا تغييرا إسلاميا ويسعون لإقامة الدين، كما بينت الآية الكريمة (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(الشورى:13) وكما قال مرشدنا الأسبق : أقيموا دولة الإسلام فى قلوبكم تقم على أرضكم" وفرق كبير بين الوصول إلى الحكم وإقامة الدين على الأرض .

   إن الذى حدث فى تركيا لابد أن يكون واضحا لدينا حتى لا تتداخل الغايات بالوسائل والأهداف البعيدة بالقريبة وحتى لا تقول نفسى ليتنا نسلك نفس المسلك كى تحقق ما حققوه – أقول - الذى حدث فى تركيا - هو وصول لسدة الحكم والسلطة وهذا ما كانوا يسعون إليه بكل وسيلة وهم لا ينكرون ذلك كهدف لهم يرتجى ويسعون إليه بكل جهدهم، ووسائلها المشروعة، وفى سبيل ذلك كان كل همهم التجمع لا الجماعة التى لها توجهاتها ومنهجها وأهدافها ووسائلها بل وغاياتها وخطتها ومنهجها النبوى فى التغيير ..

   فقد حدث ما يقرب ذلك مع الترابى فى السودان وإن اختلفت الوسائل فإن الذى حدث فى تركيا حدث بالأسلوب الديمقراطى، وأما الذى حدث فى السودان كان انقلابا عسكريا والذى ترفضه رفضا قاطعا جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن هدف الترابى أيضا كان الوصول إلى الحكم والسلطة، ومنهج الإخوان يختلف اختلافا واضحا عن هذا وتلك وأن لكل طبيعته وظروفه إلا أن منهج التغيير يجب أن يكون ثابتا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

   تقول بعض التحليلات عن التجربة التركية :

   تعتبر تجربة حزب العدالة والتنمية فى تركيا إحدى تجارب الإسلام السياسى فى تاريخ الأمة العربية والإسلامية الحديث والمعاصر، إلا أن هذه التجربة غير قابلة للتطبيق فى حالة الإخوان المسلمين فى مصر لعدد من الأسباب التى من أهمها :

   أولا : التزام أردوغان بقواعد العملية السياسية التركية وبأحكام الدستور، حتى وصلت به المواءمة السياسية إلى الإعلان علنا : أنه ملتزم ليس فحسب بالطبيعة المدنية فى إطار مرجعيته السياسية، بل قال : إنه ملتزم بهوية تركيا العلمانية لدرجة السكوت على الثورة التى حدثت من العلمانيين بسبب حجاب زوجة وزير الخارجية عبدالله دول عند ترشيحه لمنصب الرئيس حيث قال قائلهم " إنه ليس من الممكن أن تكون السيدة الأولى فى تركيا محجبة" وقالوا : "إن دخول زوجة جول المحجبة – السيدة خير – إلى قصر الرئاسة التركى الذى أسسه أبو العلمانية التركية أتاتورك أمر يخالف كافة القيم العلمانية التركية ويخالف الدستور !!

   ومما زاد الطين بلة أن أوردغان نفسه لم يستطع إتمام تعليم ابنته المحجبة فى تركيا، بسبب منع الحجاب فى الجامعات التركية فأرسلها إلى الولايات المتحدة لاستكمال تعليمها .

   هذه هى العلمانية التى قال عنها أردوغان إننا لن نحيد عنها ولن نغير فيها أى شئ بل ما جئنا إلا للمحافظة عليها وهذا هو خيار حزب العدالة والتنمية .

   وهذا خيار لا يمكن للإخوان فى مصر أن يتبنوه على أى شكل من الأشكال لأن الإخوان مع التزامهم بالدستور المصرى، لأنه يقول : إن الدين الرسمى للدولة هو الإسلام" وإن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع لا يمكن لهم قبول كامل قواعد اللعبة السياسية التى وضعها النظام المصرى الحاكم منذ خمسة عقود، سواء على مستوى المبادئ الحاكمة أو الممارسة السياسية، من قبول لمؤسسات شكلية، وفساد سياسى واقتصادى وإدارى واجتماعى موجود، وإلا فقد الإخوان مصداقية ما يطرحونه من برامج وأهداف، وبالتالى سوف يفقدون أهم عناصر قوة الجماعة وهو عنصر الشرعية الجماهيرية، وتأييد الشارع المصرى والعربى والإسلامى لهم، والذى قبلهم وأيدهم بسبب أجندتهم هذه .

   ثانيا : أن التيار الإصلاحى – تيار الإخوان – بأجندته التى ترمى إلى إحياء تجربة الأمة الإسلامية الواحد، وإعادة الواجهة الحضارية القديمة لها، واستعادة دورها الريادى العالمى فى كل المجالات – وهذا لا ينادى به أردوغان فتياره يعمل داخل حدوده فحسب، ولا يطرح أجندات إسلامية ذات طابع عالمى، وهو الأمر الذى لا يقلق الغرب الأمريكى والأوربى بل والصهيونية العالمية بعكس التيار الإخوانى ذو الأجندة التى تتجاوز حدود قطره، ويمثل خطرا على المشروع الأمريكى الصهيونى العالمى لأجندته ومشروعه الإسلامى المتكامل والذى يشمل العالم الإسلامى بأسره والذى ينادى به الإخوان وهو أحدى أهدافهم الكبرى لاستعادة الخلافة الإسلامية وليس الاستعداد لتغييره لأنه مبدأ ثابت عندهم .

   ثالثا : إن للإخوان ثوابت لا تحيد عنها ولا تتغير كقضية الاعتراف بإسرائيل وبيت المقدس وغيرها من القضايا الهامة والتى هى على غير المواءمة السياسية لحزب العدالة والتنمية فما زالت تركيا عضوا فى حلف شمال الأطلنطى (الناتو) الذى يضرب المسلمين فى أفغانستان ويحيك المؤامرات فى بلاد المسلمين إلى يومنا هذا ولا تزال تحتفظ بعلاقات مع الكيان الصهيونى والولايات المتحدة، ويعلن أردوغان المحافظة على هذه العلاقات .

   وهذا هو الفارق الذى جعل الغرب يتقبل حزب العدالة والتنمية بينما يرفض حماس فى فلسطين بل بمجرد أن يفوز الإخوان بعدد من المقاعد فى مجلس الشعب يعلن الحرب عليهم فما بالكم لو دخل الإخوان المسلمون إلى الحكم وهم عازفون عنه – لابد أن يظهر العداء الغربى الصريح ويعمل أصحاب المشروع الغربى الصهيونى جاهدين لإسقاط تجربتهم فى الحكم إن حدث ذلك .

   إن المجتمع الذى يريده الإسلام هو :

1.  مجتمع ربانى يستمد كل مقوماته من أوامر الله وتوجيهاته وحكمه .

2.  يتجه إلى الله بكل شعوره ووجدانه وعمله .

3.  مجتمع : العقيدة أساسه، والشعائر مظهره وتعظيمه، والأخلاق ضمانه، والشريعة ترجمته العملية .

4.  الواجبات فيه كلها مطلوبة، والمحظورات كلها منهى عنها وبين ذلك المندوبات والمكروهات والمباحات وتأمل موقف ربعى بن عامر مع قائد الفرس حين قال له "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" فأى ثبات ووضوح فى مثل هذا الموقف ..

   واسمع إلى الإمام البنا يوضح لنا ذلك فيقول :  "نحن نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، ولكننا نريد قبل ذلك أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر فى أوضاعنا جميعها وتصبغها صبغة إسلامية وبدون ذلك لن نصل إلى شئ"

   نريد أن نفكر تفكيرا استقلاليا يعتمد على اساس الإسلام الحنيف، لا على أساس الفكرة التقليدية التى جعلتنا نتقيد بنظريات الغرب واتجاهاته فى كل شئ، ونريد أن نتميز بمقومات ومشخصات حياتنا كأمة عظيمة مجيدة تجر وراءها أقدم وأفضل ما عرف التاريخ من دلائل ومظاهر الفخار والمجد"

   الانطلاق فى رحاب الإيمان :

   إن الانطلاق فى رحاب الإيمان ينمى الشخصية المستقلة التى تتخلص من الإمعية والغثائية بتربية تخرج لنا نماذج فذة متعددة القدرات والأفهام يكون بها كل مسلم نسيج وحده، يختلف عن الآخرين، وهذا التنوع والاستقلال أساس لقيام مجتمع لا يطويه التشابه الأصم، والتجريد المميت، وإنما تتكامل فيه عناصر الإبداع، ومقومات التنوع، فيغدوا كلوحة تتناسق فيها الألوان وتتكامل فيه الصورة، وهذا كله نتاج تربية وتخطيط طويل الأمد يتطلب طول النفس، والصبر الجميل، والعمل المتواصل والثبات عليه، بل وإكراه النفس عليه لصياغة نموذج وأسلوب للحياة تتأكد به، قيم الإسلام العليا، ومبادئه المميزة، لينطلق بها إلى الممارسة الحياتية بلا عقد ولا أزمات ولا مقارنات خاطئة، بل ولا انفصام فى الشخصية وبوعى بالتحديات، وإيمان بالمنهج والتطبيق، واستشعار الأمة كلها بوجوب العمل وثقتها بقدرتها على التأثير الإيجابى، مع الاعتزاز بهويتها الإسلامية واليقين بنصر الله لها .

   مقصد الإسلام :

   إن للإسلام مقصدين هامين يجب أن نعيهما جيدا :

   أولا : إقامة أمة صالحة مصلحة، ولن تكون إلا إذا توافرت فيها شروط أساسية أهمها :

1.  أن تكون أمة ذات رسالة تجاهد من أجلها .

2.  أن تكون أمة موحدة متحابة .

3.  أن تكون أمة مضحية مستعدة للبذل .

   ثانيا : أن يكون على رأس هذه الأمة حكومة إسلامية مدنية صالحة مصلحة خادمة للشعب تقوم على الشورى وتقيم العدل وتحقق الحرية لجميع أفراد شعبها، لا حكومة طغيان واستبداد .

   لهذه المعانى التى تتطلب إرادة قوية وعزم على مواصلة الطريق لأنه طريق طويل تعتريه عقبات وعقبات ..

   من أجل ذلك يقول الإمام البنا للمتعجلين : "أيها الإخوان المسلمون اسمعوها منى كلمة عالية مدوية من فوق هذا المنبر فى مؤتمركم هذا الجامع، إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفا هذه الحدود التى اقتنعت بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقا طويلة، ولكن ليس هناك غيرها، فمن أراد أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه فى ذلك .. وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها"

   ويقول لمن تسبق عواطفهم عقولهم : "الجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق فى أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها، وحولوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هى منكم ببعيد"

   يقول للذين يقيسون الأمور بنتائجها ومظاهرها : إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين ولم يكلفكم نتائج الأعمال، ولكن كلفكم : صدق التوجه، وحسن الاستعداد، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين، على أن التجارب مع الماضى والحاضر قد أفادت أنه لا خير إلا فى طريقكم، ولا إنتاج إلا مع خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون، فلا تقامروا بجهودكم، ولا تقامروا بشعار نجاحكم، واعملوا (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)(محمد: من الآية35)، والفوز للعاملين ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(البقرة: من الآية143)

   الخلاصة :

   أننا أصحاب مشروع إسلامى يدعو إلى تكوين أمة وتربية شعب، وتحقيق آمال وهذا كله يتطلب نفسية عظيمة تتمثل فى إرادة قوية، ووفاء ثابت، وتضحية عزيزة، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به لأنه مشروع شعوب مسلمة تتحرق شوقا وأملا فى أن تحيا بالإسلام، وتعيش له وبه كى تتبوأ مكانتها بين العالمين، وتنهض بواجبها المقدر من رب العالمين .

   إنه المشروع الذى يهدى للتقى والرشاد والطريق المستقيم الذى يحقق للأمة هويتها الذاتية، وشخصيتها المتميزة واستقلالها الاقتصادى وإرادتها السياسية حتى لا تذوب فى شرق ولا غرب وحتى تخرج من حالة المسخ التى تردت إليها من إثر التخلف والجمود والفساد من ناحية والغزو والاستعمار الفكرى والعسكرى من ناحية أخرى .

   ولذلك كان لابد ابتداء أن نعى جيدا أن الإسلام :

   رسالة تربية قبل أن يكون رسالة تشريع وتنظيم ورسالة عقائد وأخلاق قبل أن يكون رسالة قتال وجهاد ورسالة قيم ومبادئ قبل أن يكون رسالة اتساع وانتشار، ومن هنا كانت أولى خطوات التغيير والإصلاح موجهة إلى القلب والنفس لتحقيق وحدة القلوب صفاء وإخلاصا، وهى سابقة على وحدة الصفوف تنظيما وتخطيطا وإدارة، فالصلاح قبل الإصلاح .

   نعم لابد من يقظة الأرواح وحياة القلوب، وصحوة الوجدان والمشاعر أولا قبل كل شئ ولقد نبه الإمام البنا إلى هذه الحقيقة فقال : "ينظر الناس فى الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية ويهملون كثيرا النظر إلى الدوافع النفسية والإلهامات الروحية التى هى فى الحقيقة مدد الدعوات وغذاؤها، عليها يتوقف انتصارها ونماؤها، وتلك حقيقة لا يجادل فيها إلا البعيد عن دراسة الدعوات وتعرف أسرارها، إن من وراء المظاهر جميعا فى كل دعوة لروحا دافعة، وقوة باطنة تسيرها وتهيمن عليها، وتدفع إليها، ومحال أن تنهض أمة بغير هذه اليقظة الحقيقية فى النفوس والأرواح والمشاعر (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: من الآية11)

   ولهذا أستطيع أن أقول إن أول ما نهتم به فى دعوتنا وأهم ما نعول عليه فى نمائها وظهورها وانتشارها هذه اليقظة المرتجاه، والتى نؤكدها كى نرسخ فى العقول لتصبح أولى الخطوات – كما قلنا - ومن صحت بدايته صحت نهايته ..

   إننا نريد بتطبيق الشريعة - حتى يصبح الإسلام هو الحل - استئناف حياة إسلامية متكاملة حياة توجهها عقيدة الإسلام، وتحكمها شريعته وتضبطها أخلاقه، وتسودها قيمه وآدابه، حياة مصبوغة بالقيم الإسلامية لحما ودما وروحا، هذا ما نريده أن نحيا بالإسلام ونحيا للإسلام.

   فليس كما يقول الماركسيون والماديون غيّر الاقتصاد أو غيّر علاقات الإنتاج يتغير التاريخ، ولكننا نقول : غيّر نفسك تتغير الحياة والتاريخ ولا تتغير النفوس إلا بالإيمان والتزكية ليتحقق الفلاح والنجاح (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)(الشمس:7-10)

   هذا هو منهجنا فهما واعتقادا وحركة لا نحيد عنه بل نقول فيه كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"

   وصلى الله عليه وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين