القنبلة الذرية بين ضحية وضحية

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

قبل أيام وبالتحديد في أواخر العام المنصرم غادر هذه الدنيا الياباني (تسوتومو ياما غوتشي) عن 93 عاماً، ليعلن في طوكيو أن هذا الرجل الذي عاش مغموراً لا يعرفه أحد، كان الناجي الوحيد من القنبلتين النوويتين اللتين أسقطتهما الولايات المتحدة الأمريكية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وحتى لا ينسى العالم هذا الفعل الإجرامي الذي ارتكبته الولايات المتحدة الأمريكية فإننا نذكّر أنه في حوالي الثامنة والربع من صباح اليوم الثالث من آب عام 1945م، أسقطت القاذفة الأمريكية (إينولا غاي)، من طراز (بي – 29)، قنبلة ذرية يُطلق عليها اسم (ليتل بوي)، على مدينة هيروشيما. وبعد ستة أيام (9 آب) سقطت قنبلة ذرية أخرى على ناغازاكي، ولكن ياماغوتشي نجا منها أيضاً. ولم تعرف هذه الحقيقة إلا العام الماضي عندما أصدرت الحكومة اليابانية شهادة رسمية تفيد بأنه نجا من القنبلتين. أليس ذلك أعجوبة؟ فمن يستطيع أن يفلت من أدوات الموت الأمريكية التي تحصد الأرواح عبر الزمان والمكان؟ هذا العجوز الياباني لم يتقدم بشكوى لمحكمة الجنايات الدولية أو أية جهة أخرى ضد ما يعتبر جرائم حرب واضحة ارتكبتها القوات الأمريكية في الحرب العالمية الثانية.

ويوم الثلاثاء الماضي الثاني عشر من الشهر الحالي اغتيل العالم النووي الإيراني مسعود علي محمدي أستاذ الفيزياء الذرية في جامعة طهران أمام منزله في قلب العاصمة.. ولا أعتقد أن هذا العالم لم يسمع بموت الناجي الوحيد من القنبلة الذرية الأمريكية المجنونة التي أتت على مئات الألوف من الناس في دقائق قليلة، ولم يتمعّر وجهه أو يخشى الله فيما يسعى إليه من تمليك غلاة إيران ومتعصبيهم القنبلة الذرية!!

غداً يوم الحساب.. يوم ينفخ في الصور يخرج الأموات من قبورهم أفواجاً ليعرضوا على الله كل بعمله ومظلمته وظلمه (وكل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا.. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).. الياباني سيشتكي إلى الله ظلم أمريكا وجرائمها، والعالم النووي الإيراني سيحكي سعيه الحثيث لجعل إيران دولة نووية يضعها بيد غلاتها ومغامريها، وقد يفعلون بدول المنطقة ما فعلته واشنطن قبل 65 سنة باليابان وقتلت مئات الألوف من البشر في هيروشيما ونغازاكي الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يحملون الجنسية اليابانية، وقد تحدت اليابان أمريكا في سوح القتال ومرغت أنفها في الفلبين وقضت على أسطولها البحري في المحيط الهادي في قاعدته البحرية في ميناء (بيرل هاربر) بجزر هاواي، ولم تستعمل اليابان القنبلة الذرية ضد المدنيين في مدن أمريكا أو أوروبا، بل كانت تقاتل الجيوش الأمريكية وجيوش الحلفاء قتال الفرسان وليس قتال الجبناء والغادرين!!

فهل سنشهد في قابل الأيام تغلب عقلاء إيران على المغامرين فيها، وتجنيب إيران نفسها ودول المنطقة من عمل مجنون قد يعيد إلى الأذهان ما حل بهيروشيما ونغازاكي قبل خمس وستين عاماً، وما حل بالأمس القريب بالعراق الذي لا يزال يئن تحت وطأة الجراح التي لا تزال تنزف دماؤها، وتشيّع نعوشها صباح مساء؟!