إيران.. عودة القوة الخشنة بالوكالة!
محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة
بعد فشلها في تصدير ثورتها الخمينية الطائفية عسكرياً إلى المشرق العربي، وتمكّن العراق من الوقوف في وجه حلمها التاريخي ذاك، وجدت إيران نفسَها مضطرةً لاستخدام قوتها الناعمة والماكرة في محاولة التبشير بتجربتها السياسية، وحشد الداعمين لها والمتعاطفين معها، بل والمتهافتين إلى نار مجوسيتها - الكامنة تحت الرماد - كالفَراش الأحمق! ومحاولة دق المسامير الديمغرافية في مجمل الأراضي العربية، حتى التي لم تعرف من قبلُ وجوداً شيعياً بالمطلق، وذلك من خلال جهود التشييع الصفوي، وكسب الولاء السياسي لإيران من قبل المُتشيِّعين، على حساب الولاء لأوطانهم وأهليهم، بالشكل الذي يؤدي فيما بعد - وبلا عناء عسكري - إلى اضطراب صفوفِ الشعوب العربية، وتنازعِها طائفياً وسياسياً واجتماعياً، وتهيئةِ المناخ المناسب للتدخل الإيراني، بزعم حماية أقليةٍ شيعية هنا أو هناك، وإمداد هذه الأقليات بوسائل الدعم العسكري والسياسي، لتقود - هذه الأقليات المتشيعة - حرباً بالوكالة عن إيران، وتسمح ببسط الهيمنة والنفوذ الإيرانيين، ما يوفر على إيران خسارتَها العسكرية في حرب 1980-1988، ويحقق أهدافها الاحتلالية دون أن تراق قطرة دم إيرانية واحدة.
غير أن الرياح هبت على المشرق العربي بما لا تشتهي سفن الشرق والغرب معاً، وتمكنت ثورةُ الشام أن تكسر هلالاً طائفياً أنفقت إيران على تشكيله الكثيرَ من الجهد والمال والمكر، وأريد به تطويق شريط النفط الخليجي، الذي يحظى بحمايةٍ أمريكية غربية، بل وزاد الطين بلة بالنسبة لإيران، أن تفضح هذه الثورةُ مزاعمَ نصرةِ المستضعفين ودعم المقاومة والممانعة، التي كانت جزءاً من الدعاية الإيرانية وعناصر قوتها الناعمة لكسب ثقة الشعوب العربية، فإذا بهذه الثقة التي ضَلَّلت البعضَ تنهار، وإذا بإيران تتعرى إلى حدِّ كشف السوءة المُنكَرَة والعورةِ المغلظة، بالصورة التي ستتطلب محاولةُ ترميمها في الإدراك والذاكرة الجمعية للعرب مئاتِ السنين ومليارات الدولارات، وهي مدة طويلة جداً لن تنتظرها دولة فارس الموعودة بقيادة "المهدي" أو "خسرو مجوس" المنتظر! ولن تغامر إيران بمحاولةٍ - شبهِ ميؤوس منها - لإعادة كسب ثقة الشعوب العربية، أو إهدار المزيد من الأموال التي أثقلت كاهلَ الشعب الإيراني، والمُهدرةِ في جهود التشييع الطائفي هنا وهناك.
لذا ستستغني إيران عن قوتها الناعمة مضطرة، وستكشر أنيابها العسكرية من جديد لتحقيق أهدافها القديمة المتجددة، متسلحة هذه المرة بأداةٍ لم تتوفر ضمن أدواتها في حرب الثمانينات من القرن الماضي، وهي أداة أكثر حِدةً وإيلاماً وإنكاءً، لأنها تتخذ - في إطار الدول العربية - شكلَ ثوراتٍ محلية وطنية، تطالب بمطالبَ - لا غبارَ عليها في الإجمال - لولا أنها طائفية الصِّبغة وإيرانية الولاء! لعلَّ أظهرَها وأجلاها صورةً اليوم حراك الحوثيين في اليمن، الذي تحاول إيران من خلاله إرباك دول شريط النفط الخليجي من الجنوب، مستغلة القلاقل المحدقة شمالاً بالخليج، وبعد أن فقدت ما فقدت جَرَّاء تصدُّع هلالها في الشمال العربي.
تمكنت إيران خلال فترةٍ وجيزة وباتباع سياسةٍ فرضتها المرحلة، من إنجاز عدةِ انتصاراتٍ وتحقيق عدة مكاسب، منها إعادة علاقتها الوُدِّية مع الغرب، بصورة أثارت غيرةَ ومخاوفَ حلفاءِ الغرب التقليديين! واستطاعت أن تَجُرَّ مجدداً دولَ الخليج العربي - المشغولةَ أصلاً - إلى مستنقع اليمن، كما استفادت من التحالف الدولي الإقليمي المُعلن ضد "داعش"، بتصفية خصومها الراديكاليين حتى من التيارات السُّنية غير المتشددة بحجة "داعش"، وضمان عدم المِساس بحليفها بشار أو أيٍّ من الميليشيات الشيعية المشاركة في عملياتِ قتل المدنيين في سورية.. وكل ذلك ليس بيدٍ إيرانية مباشرة! ما وَفَّر عليها الجهدَ والمالَ والدم، وزاد من فرصِها لإعادة ترميم ما انصدع من هلالها الطائفي.
إذاً هي حربٌ يقودها حلفاؤها الغربيون، ضد أعدائها الراديكاليين، بمُقدّراتِ أعدائها التقليديين! حربٌ إن لم تنتصر فيها إيران فلن تخسر، وقوةٌ عسكرية إيرانية خشنة تعود بعد قوة ناعمة، ولكن بغير عتاد حرسها الثوري، وبأمان من أن تصيبَها أو تصيبَ حلفاءَها نيران "صديقة"!