عهد جديد
د. بلال كمال رشيد
هلا وقفت أمام الزمن لتسأله ويسألك عما فعلت فيه وعما فعل فيك ؟
قف أمام المرآة واقرأ ما خطه الزمن عليك وفيك ، كلماته وآثاره واضحة من أعلاك إلى أدناك ، بيّنة لكلّ ذي بصر ، جلية لكلّ ذي سمع ،قف وانظر رأسك وقد اشتعل شيباً ، انظر لتجاعيد وجهك ، لشرايين الدم وهي تُسفر عن الزمن الذي يحتجب فيك .
قف أمام عينيك وسائلهما منذ متى وأنتما تريان وترويان لي ما رأيتما مما تكشفان وتكتشفان وتُلاحقان مما يسر أو يضر وما مللتما من نظر حتى طال الزمن وقصر النظر وسل الآن : هل بصرك اليوم - كما الأمس - حديد ؟؟!!
سل أذنيك كم سمعتا من كلام عابر ، وكم استمعتا إلى كلام معبر ، كم جهدتا وجاهدتا لكي تصل إلى كل خبر وأثر ، وهما تلتقطان من كل ما تلقطان ، من كلّ ضوضاء وكلّ هسيس ، وهي تميز وتمايز بين كلّ الأصوات ، وتنفي ما تريد ، وتبقي ما يبقى فيك من أثر ، وسل الآن : هل تُميز أذناك بين هسيس الذات وأصوات الذوات الأُخر ؟؟!!
سلْ لسانك كم مرة حُبِس بين فكيه وكم مرة تحرر ، كم تكلم وثرثر ، خيراً أو شراً ، لم يكن له همٌّ إلا أن يثبث وجودك بوجوده ،أتعبك وأتعب الناس وعاتبوك ولم يتعب ، يهرف ويغرف بما يعرف ولا يعرف ، فهل علمت ماذا جنى وماذا اجتنى ، وهل عرفت كيف عرفك الناس به ووزنوك ، أحسنا كان أم وزرا ؟؟!!، سل لسانك الآن : كيف يكون لك ما ليس لي من حول وقوة ، وللناس ألسن ؟؟!!!!
قف أمام المرآة وانظر إلى ماذا انتهيت ، حاور ذاكرة الجسد تخبرك بما فعله الزمن فيك ، سل قلبك أما زال شاباً وقد خفق لكلّ ما يحب ولكلّ ما يخشى ، سله عن العابرين والخارجين ، عن القائمين فيه والمقمين ، سله عن الحياة والعشق والحزن والألم والأمل ، سله عن كل متناقضات الحياة كيف حملها واحتملها، كيف له أن يظهر ما يظهره ويخفي ما يخفيه ، كيف كانت له إمارة على كل جارحة، كيف حافظ على مكانه ومكانته ، وما ضج منك وما ارتحل ؟!،أو ما زال فيك ؟!!، أو ما زال يخفق بلا كلل ولا ملل ، أما تعب أما اكتهل ؟؟!
هل خارت قواك ؟ ، هل ثقل الكاهل وانحنى الظهر ؟ ، هل غنيت رغم أنفك :" ليت الشباب يعود يوماً "؟ ، أما زلت ترى في الحبِّ حياة ؟ أم ترى في الحياة حبّاً ؟؟!!
هو ذا الزمن قد ترك بصمته فيك فماذا تركت من بصمات ولمسات في الزمن والحياة ؟؟ ماذا قدمت وماذا أنجزت ؟ هل لك أثر لتذكر حين تذكر ؟؟!، أين أنت من كلّ هؤلاء الأحياء ؟ بماذا امتزت ؟ وماذا أضفت للحياة لتكون للحياة أهلا !!
الزمن معك وفيك ، يمضي بك وأنت ماض فيه ، فكن قوياً يكن لك ندياً ، أعطِ تُعطَ ، لا تصدق حديث المرايا ، وسر في حياتك شاباً وإن شبت ، فالحياة تهوى من يهواها ، قف ، سل كما شئت ، ومن شئت ، ليكن السؤال انطلاقاً وانعتاقاً ، لتكن النهاية بداية لعهد جديد.