كرامة الله للمرأة الفرنسية

كرامة الله للمرأة الفرنسية

د. فاروق المناصير

جاءت إلى الدار البيضاء من بلدها (فرنسا) ومن (باريس) على وجه التحديد ، في فوج سياحي سنة 1975 ، وكانت المرة الأولى التي تزور فيها بلاد المغرب العربي ، بل دولة عربية على الإطلاق . فقد كانت زياراتها السابقة إلى (أوروبا) و (أمريكا) ، في هذه المرة توجهت إلى (المغرب) ، لتقضي فيها إجازتها السنوية لمدة أسبوعين ، لقد كانت هذه الإجازة من أبرك وأفضل الإجازات في حياتها ومن أسعدها إلى نفسها .

وبعد انقضاء فترة الإجازة قفل الفوج السياحي راجعاً إلى بلده إلا هي فقد فضلت البقاء في الدار البيضاء ، فلما سألها أصدقاؤها وصديقاتها عن سبب بقائها في أرض المغرب ؟ قالت :

ـ أشعر بأن هذه البلاد هي بلدي وهؤلاء الناس هم أهلي وقد ارتحت كثيراً لهم ، وأود أن أقضي بقية حياتي في هذه الديار وبين هؤلاء الناس ، فقد مللت حياة الفرنسيين وحضارة الأوروبيين .

سخر منها أصحابها وشنّعوا عليها واتهموها بالسفه والجنون وبقلة العقل ، فكيف تترك بلدها فرنسا أم الحضارات العالمية ومدينتها باريس عاصمة النور والثقافة والعلم ، إلى هذه الدولة المتخلفة والتي كانت وإلى وقت قريب مستعمرة فرنسية إسبانية ، وليس فيها من مقومات الحضارة المعاصرة شيء يُذكر مقارنة مع فرنسا العظمى .

غير أن المرأة الفرنسية والتي كانت في العقد الثالث من عمرها مُصرة على رأيها وبقائها في المغرب ، فقالوا لها كلمة وهم يودعونها :

ـ (سوف يعاقبك السيد المسيح) .

وتركوها وركبوا الطائرة التي أقلتهم إلى (باريس) .

سمع والدها ووالدتها بالخبر الصاعق فأرسلا رسائل كثيرة إلى ابنتهما يحثانها على الرجوع إلى فرنسا ، ولكنها أهملت كل هذه الرسائل وأصرت على البقاء ، بل وانتسبت إلى معهد يُعلم اللغة العربية .. وبمرور الزمن حوالي ثلاث سنوات أتقنت اللغة العربية ، ثم تزوجت أستاذها المغربي الذي قام بتدريسها اللغة العربية ، وبعد مضي عام أعلنت إسلامها وتركت دينها القديم الكاثوليكية ، ثم عملت في ميدان تعليم اللغة الفرنسية .

وفي سنة 1967 وفي يوم من أيام الشتاء صحت من نومها ودخلت الحمام لتغتسل ، فإذا بها ترى في المرآة انتفاخات عديدة على صدرها وثدييها ، فأسرعت إلى المستشفى تعرض نفسها على الأطباء وبعد الفحص والكشف أخبرها الأطباء بالخبر الخطير:

ـ (أنت مصابة بمرض السرطان وهو في مراحله الأخيرة .. ويبدو أنك لن تُعمري كثيراً ، فما هي إلا شهور عديدة ويضرب المرض ضربته ويقضي عليك).

حمدت الله وأثنت عليه واحتسبت الأجر عنده ولكنها أرسلت إلى أبويها تخبرهم بمصابها ، فجاءها الرد أشد مرارة من السرطان نفسه ، حيث قالا لها :

ـ (ألم يقل لك أصحابك أن السيد المسيح سوف يعاقبك .. ها هو قد فعل ، وعليك أن تتحملي نتائج أعمالك وإسلامك).

انخرطت في البكاء الشديد وهي تقرأ هذه الكلمات القاسية ، وفي ليلة من الليالي وبعد انصرام ثلاثة أشهر على هذه الرسالة ، قامت وتوضأت وصلت لله ركعات عدة ، وفي الركعة السادسة أخذت تدعو الله أن يشفيها من مرضها القاتل وأن لا يشمت بها الأعداء ، كانت تدعو وتتضرع إلى ربها حتى يمن عليها بالشفاء العاجل ودموعها تنهمر من عينيها على سجادة الصلاة ، في هذه اللحظة ألقى الله عليها النوم فنامت على سجادة الصلاة دون أن تشعر ولم تنهض من نومها إلا في صباح اليوم التالي .

صحت من رقادها وهي تشعر بالحيوية والنشاط يدبان في جسدها ومفاصل جسمها ، ودخلت الحمام كعادتها كل صباح لتغتسل ، وفي هذه اللحظة وأمام نفس المرآة شاهدت أمراً غريباً ... شاهدت الانتفاخات والبقع أو الأورام السرطانية وقد اختفت تماماً من صدرها وكأنها لم تُصب بداء السرطان أصلاًَ .

وأسرعت إلى المستشفى وإلى نفس الأطباء الذين قاموا بفحصها والكشف عليها من جديد ، ويا لهول ما رأوا ، بل قل يا لسعادة ما شاهدوا ، لقد شُفيت السيدة الفرنسية من السرطان تماماً وعادت إلى صحتها الأولى ووضعها الطبيعي .

لقد حدث الشفاء أو قل  الكرامة الإلهية لهذه السيدة الفرنسية المسلمة في أقل من عشر ساعات . هي فترة نومها على سجادة الصلاة .

لقد وقف الطب حائراً والأطباء حائرون أمام هذه الظاهرة ، هل يُعقل أن يُشفى الإنسان من مرض السرطان في ساعات معدودة ؟ إن هذا الأمر لا يُصدق ، ولكنه على كل حال وقع فعلاً ورأوه بأم أعينهم .

وصدق الله العظيم حيث قال : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } [التكوير: 29] . وقوله تعالى : { بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } [البقرة : 117]

هذه الواقعة .. وهذه السيدة الفرنسية المسلمة كانت سبباً في هداية وتوبة الدكتور مصطفى محمود ، الطبيب المصري المعروف ، صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير: العلم والإيمان ، الذي قضى شطراً كبيراً من حياته بعيداً عن ربه ، مؤمناً بالأفكار الماركسية والعلمانية وبالمدرسة المادية والحسية ، فجعلته يغير من قناعاته المادية السابقة ويرجع إلى ربه ودينه ، عندما التقى بهذه السيدة الفرنسية سنة 1969 في المغرب ويسمع منها قصتها الغريبة والعجيبة تلك .

ومثل هذه القصص كثيرة وعجيبة بين البشر، وتحدث كل يوم ، وهي تعطي دلالة واضحة وصادقة على أن لهذا الكون إلهاً يدبر ويرعى شؤون عباده مؤمنهم وكافرهم .