خالف تعرف

خالف تعرف

فياض العبسو

[email protected]

إن لكل عام هفوة ، ولكل جواد نبوة ...

ولقد حذر سلفنا الصالح رحمهم الله ، من زلات العلماء ، فالعالم عندما يخطىء ، لا يقتصر خطؤه على نفسه ، بل يتعداه لغيره ، ويتابعه عليه جمع غفير من الناس .. ممن يتتبعون رخص العلماء وهفواتهم وزلاتهم .. معللين ذلك بقولهم: خذها من عالم ، واطلع منها سالم .. أو ضعها في عنق عالم ، والق الله  سالم ..

ألا يعلمون أن هذا العلم دين ، فيجب أن نأخذه عمن يتقي الله ... لأن العالم هو من اتقى الله ...

( وإنما يخشى الله من عباده العلماء ) ..

ودينك لحمك ودمك ... فانظر عمن تأخذ دينك .. هو رأسمالك ... الذي به تلقى الله تعالى ...

ولذلك قيل: إذا زل العالم ـ بكسر اللام ـ ، زل العالم ـ بفتح اللام ـ ، أو زلة العالم ، زلة للعالم ..

وقالوا أيضاً: العالم كالسفينة ، إذا كسرت غرقت ، وغرق معها خلق كثير ...

وقال فاروق الإسلام العبقري الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: " ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون " .. وقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه:

 " قصم ظهري رجلان: عالم متهتك ، وجاهل متنسك " ..

وقال حبر الأمة وترجمان القرآن ، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: " ويل للأتباع من زلة العالم ! " ،

قيل له: وكيف ذلك ؟ قال: " يقول العالم الشيء برأيه ، فيلقى من هو أعلم منه ، فيخبره ويرجع عن رأيه ، ويقضي الأتباع بما حكم " .. وربما هذا العالم اجتهد فأخطأ دون عمد ، فله أجر ، فعلى المسلمين أن يتحروا الصواب ، ولا يتابعوا أحداً في الخطأ ..

" فالحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات ،

فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات ، فقد وقع في الحرام ... الحديث الشريف " ...

 و " دع ما يريبك ، إلى مالا يريبك " .. دع الشك ، وخذ اليقين ..

و" البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس " ... و" البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس ، وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك " ،

" وإن أفتاك المفتون " ...

فالذين يتتبعون الرخص ، وزلات العلماء ، يعلمون يقيناً في قرارة أنفسهم ، ما هم فيه من المخادعة ، واتباع الهوى ، ولكنهم يبحثون عن ستار يتدثرون به ، ويكفون به ألسنة الناس عن ذمهم ...

 وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، فهل ترضى أن يعاملوك بما تعاملهم به ؟

ويقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " ما رآه المؤمنون حسناً ، فهو عند الله حسن ، وما رآه المؤمنون قبيحاً ، فهو عند الله قبيح ... وذلك لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة ..

لأن ( أمرهم شورى بينهم ) ...

فتتبع الرخص ، والتلفيق بين المذاهب ، حرمه العلماء بلا دليل شرعي راجح ... وإليك بعض أقوالهم في ذلك:

قال سليمان التيمي ( ت 143 هـ ) رحمه الله: " لو أخذت برخصة كل عالم ، لاجتمع فيك الشر كله "، وقال ابن عبد البر رحمه الله ، معقباً على هذا الكلام:" هذا إجماع ، لا أعلم فيه خلافاً " .. وقال الإمام الأوزاعي

( ت 157 هـ ) رحمه الله: " من أخذ بنوادر العلماء ، خرج من الإسلام " والعياذ بالله تعالى .. وقال الشيخ إبراهيم بن شيبان القرميسيني ( ت 337 هـ ) رحمه الله: " من أراد أن يتعطل ويتبطل ، فليلزم الرخص " ..

وحكى الإمام ابن حزم الأندلسي ( ت 456 هـ ) ، وابن عبد البر ، والباجي ، وابن الصلاح ، رحمهم الله تعالى

الإجماع على أن تتبع رخص المذاهب ، بغير مستند شرعي ، فسق لا يحل " .. بل يحرم ...

فموضوع الفتوى دقيق جداً ، ولا يجوز لأي إنسان أن يفتي ، بل لا بد من وجود الأهلية والتخصص والتثبت في الفتوى .. " ولذلك قالوا: لا تفت بما قرأت البارحة ..

 و" أجرؤكم على الفتيا ، أجرؤكم على النار "  وأجرؤا الناس على الفتيا ، أقلهم وأدناهم علماً ...

وكما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: " إن رجلاً أجاب عن كل ما يسأل ، إنه لمجنون " ..

 وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول للسائل: أتريد أن تجعل ظهري جسراً لجهنم ؟! ...

 وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، إذا سئل أحدهم ، أحال السائل إلى أخيه ، وود أن يكفيه الإجابة .. وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله ، أمير المؤمنين في الحديث ، وإمام دار الهجرة ، الذي قيل عنه:

( لا يفتى ومالك في المدينة )، كان يسأل المسائل الكثيرة ، فيجيب عن بعضها ، ويقول في الباقي: الله أعلم ... وقد سئل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، عدة مرات ، فقال: لا أعلم .. ( وفوق كل ذى علم عليم ) ،

( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) ...

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: " إنكم تسألون السؤال ، فتجيبون عنه ، لو سئل عنه عمر بن الخطاب ، لجمع له الصحابة ... وإنكم تعملون الشيء ، ترونه كالشعرة ، كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الكبائر ... فهناك فتوى ، وهناك ورع وتقوى .. ولا تنظر إلى صغر المعصية ، ولكن انظر إلى من عصيت .. كما يقول التابعي الجليل بلال بن سعد رحمه الله تعالى ... فلا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار .. وفعل الصغيرة ، ربما يجر إلى فعل الكبيرة ، وترك السنة ، ربما جر إلى ترك الفريضة .. وهكذا..

ولو أن العلماء اتفقوا على أنه لا ينكر على من فعل مكروهاً ، أو ترك سنة ، ولكن كان السلف الصالح رضوان الله عليهم ، يسقطون شهادته ، ولا يقبلون روايته ...

وبعد:

فقد كثر في الآونة الأخيرة  المفتون ، والمفتيات... والجرأة على الفتوى ، بغير علم ولا تثبت .

وذلك إما بدافع الجرأة على دين الله ، والتشويش على المسلمين ، وإما بدافع الشهرة ، من باب

( خالف تعرف ) ، وذلك ابتداء من طه حسين ، عندما أنكر الشعر الجاهلي ، تبعاً لأستاذه الحاقد

( مرجليوث ) وأنكر وجود إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وغير ذلك ، ليصبح بعدها ، عميداً للأدب العربي ، وليس بذاك .. فهناك من هو أولى وأحق منه بهذا اللقب .. وكذلك عندما أصدر علي عبد الرازق كتاب: الإسلام وأصول الحكم ، وقرر فيه أن الإسلام غير صالح للحكم ، وتقرير مبدأ العلمانية اللادينية ، بفصل الدين عن الدولة والحكم والحياة ... وسحب الأزهر شهادته ، ورد عليه كثير من العلماء الغيورين على هذا الدين العظيم ، الذي هو منهج حياة ، وقانون إلهي ، صالح لكل زمان ومكان ، والتاريخ والواقع يثبت ويؤكد ذلك ... وفي الحقيقة ، فإن كتاب الإسلام وأصول الحكم ، لم يكن من تأليف علي عبد الرازق ، بل كان لمجموعة من الناس ، على رأسهم طه حسين ... وكذلك ألف خالد محمد خالد كتابه: من هنا نبدأ ، وأجاز فيه أن تتولى المرأة الولاية العامة ، ناسفاً بإجماع العلماء ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي رواه البخاري في صحيحه:" ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " عرض الحائط ..

فرد عليه العلامة الداعية المفكر الأديب الشاعر محمد الغزالي رحمه الله تعالى ، وألف كتاباً في الرد على كتابه ، وتفنيد حججه : ( من هنا نعلم ) ... كما رد عليه الشيخ الجليل عبد الحميد كشك رحمه الله ، في إحدى خطبه ... ثم تاب الأستاذ خالد محمد خالد ، ورجع عن آرائه تلك .. رحمه الله تعالى ... وكذلك عندما أفتى الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر ، بوفاة عيسى عليه السلام ، ورد عليه كثير من العلماء ، ثم رجع عن ذلك قبل وفاته رحمه الله ...

وكذلك ألف نجيب محفوظ كتابه: ( أولاد حارتنا ) والذي أساء فيه إلى الإسلام والمسلمين ...

 ونال عليه جائزة نوبل اليهودي للآداب ، في عام ( 1988 م ) ، ورد عليه كثير من العلماء والأدباء ، ومنهم الشيخ عبد الحميد كشك ، وذلك في كتابه: ( كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا ) .. وكذلك رواية ( وليمة لأعشاب البحر ) لحيدر حيدر ، التي نشرها وزير الثقافة المصري فاروق حسني  ، ولا أدري ما الذي أعجبه فيها !! ورد على الرواية الأديب والشاعر الإسلامي الدكتور جابر قميحة حفظه الله ، في كتابه: رواية: وليمة لأعشاب البحر في ميزان الإسلام والعقل والأدب .. كما رد عليها مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف .. ووجه العلامة الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله ، رسالة إلى وزير الثقافة المصري ، يعاتبه فيها على نشر هذه الرواية ...

وهناك كثير أساؤوا للإسلام ... وهم ممن يدعي الإسلام ... ومنهم نصر حامد أبو زيد ، وحسن حنفي ، وسعيد العشماوي ، وحسين أحمد أمين ، ونوال السعداوي ، هذه العجوز الشمطاء ، التي تجاوزت حدها كثيراً ، والتي رد عليها الشيخ كشك رحمه الله في إحدى خطبه ، والأستاذ ياسر أحمد فرحات في كتابه: مواجهة مع نوال السعداوي ...  وفاطمة المرنيسي المغربية ، وكاتب ياسين الفرنسي الجزائري ، الذي قال عنه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ، عندما علم بوفاته: كان ميتاً وهو حي ، أوهو ميت قبل أن يموت ، ومحمد أركون الفرنسي الجزائري ، وعابد الجابري ، وسيد القمني ، ومحمد شحرور المهندس السوري ،الذي رد عليه كثيرون ،  ومحمد التيجاني السماوي التونسي ، الذي رد عليه الشيخ عثمان بن محمد الخميس ، في كتابه: كشف الجاني محمد التيجاني في كتبه الأربعة ، وغيرهم كثير ... وقد رد عليهم كثير من العلماء والأدباء ...

 وكما قال أحد الدعاة: أنا لا أخشى على الإسلام من أعدائه ، ولكني أخشى عليه من أدعيائه ... فهؤلاء هم الطابور الخامس ، وسماهم البعض بالملحدين الجدد ... ورحم الله الأديب والصحفي والداعية المفكر أنور الجندي ( 1917 ـ 2002 م ) الذي كان سيفاً مصلتاً على هؤلاء ، وأمثالهم ، ولذلك تجاهلته وسائل الإعلام ..

وأخيراً ... وليس آخراً :

تصريح وزير الثقافة المصري ، والفنان المصري العجوز المتصابي حسين فهمي ... بأن الحجاب ، جمود وانطواء ، ورجعة إلى الوراء ... نعم رجعة إلى الوراء ، إلى عهد الطهر والصفاء ، عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام رضوان الله عليهم ، وسلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ( وإن إلى ربك الرجعى )

ومبارك عليكم هذا التقدم ، ولكن نحو الهاوية ، اقتداء بفرعون إمام التقدمية : الذي ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ) ، وآخر الفتاوى التي أثارت استفزاز المسلمين ، هي فتوى الشيخ عزت عطية .. " بجواز إرضاع الموظفة لزمليها في العمل لمنع وجودهما في خلوة شرعية " ..

 الله يفتح عليك يا مولانا ... لقد سبقتك بها هالة سرحان ...

والتي قرر المجلس الأعلى للأزهر ، في خطوة إيجابية منه ، إيقاف رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بالقاهرة الدكتور عزت عطية عن عمله وإحالته إلى مجلس التأديب للتحقيق معه حول فتواه ...

والتي رجع عنها ، وعاد إلى رشده وصوابه ، وإجماع العلماء ، في عدم جواز ذلك ...

وهناك من يفتي بالإشهاد على الطلاق ... مخالفاً بذلك المذاهب الأربعة ... وعدم لعن الشيطان ، الذي لعنه الله إلى يوم القيامة .. ( وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ) ... وإنكار الشفاعة ، كما فعل الدكتور مصطفى محمود ..

وإنكار السنة ، من قبل أناس يسمون بالقرآنيين ، وماهم بالقرآنين ، فهم ينكرون القرآن أيضاً ، الذي يأمر في العديد من آياته المحكمات ، بطاعة واتباع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ..

ولا أدري إلى متى سيتجرأ الناس على الفتوى ، دون محاسبة أوعقوبة ...

نصيحة:

( أيها الناس ، أما وجدتم غير دين الله لتحاربوه !!! ألا تعلمون أن الله ناصر دينه وحافظه وحاميه وحارسه ؟!

( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) و ( إن ربك لبالمرصاد ) و ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ... و( حسبنا الله ونعم الوكيل ) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ... و ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ... فتوبوا إلى الله قبل أن تموتوا ... قبل أن تندموا ولا ينفعكم الندم ... ولات حين مندم ...

نسأل الله لنا ولكم التوبة والهداية إلى الحق والصواب ، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ..

كما يقول الفاروق عمر رضي الله عنه ، الذي كان يفرق بين الحق والباطل ،  والاعتراف بالذنب فضيلة ..

" وكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون " ... ولكن هناك فرق بين الخطأ والخطيئة ، فالخطأ يكون عن غير عمد ، أما الخطيئة ، فيكون صاحبها متعمداً فعلها ...

وإن كنت لا تدري فتلك مصيبة             وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

واسألوا أنفسكم : لصالح من تفعلون ذلك ؟؟؟

المصادر:

من مراجع هذه المقالة المتواضعة ، كتاب: زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء لمؤلفه الشيخ جاسم الفهيد الدوسري الكويتي ،  وإني أنصح بقراءة هذه الكتيب النافع والمفيد ...