القضاء على جين الكهولة

(بحث علمي ورؤية قرآنية)

د. هوار بلّو

[email protected]

ان الالتزام بالقيم مع مواصلة المسيرة العلمية هو احدى السمات البارزة التي تتميز بها المدرسة في المفهوم الاسلامي .. و ان الغرب قد عاتبنا كثيرا على هذا المفهوم ، واتهمنا بالتخلف والرَجعية لانه يرى اِن هذا المزج بين التربية و التعليم ليس سوى ركاماً خلفه لنا الاسلام .

لكننا نعلم ـ علم اليقين ـ إن هذا هو المنهج الصحيح الذي ينبغي لكل مدرسة ان تنتهجه ولكل طالب ان يلتزم به.

إن الغرب لم يدرك ضرورة المزج بين التربية و النعليم إلا بعد ان نزلت في ساحة العلم كشوفات علمية جديدة .. ولئن كان ناقوس الخطر قد دق منذ بداية الانفصال بين التربية والتعليم ، فأن دقاته قد صارت على أشدها في الاَونة الاخيرة ، لأنّ من بين هذه الكشوفات الجديدة ما قد يهدد الحياة بأسرها.. فمن يدري لعل البشرية اليوم في طريقها الى شر منتظر..أو مصيبة أدهى و أمر .

لقد حفظ الغرب منا درساَََ لن ينساه أبداَ، لان المطاف قد انتهى به الى حيث بدأنا .. فصار هو الاخر يطالب بضرورة وجود قيم يلتزم بها الباحث أثناء أبحاثه العلمية ، حتى لا يقدم للبشرية الاما فيه الخير .. و ربما سمع الكثيرمنا بعمليات فصل المدارس المختلطة التي أجريت اخيراً في بعض المجتمعات الغربية ، وإن دَل هذا على شيء فإنمايدل على عمق إدراك الغرب لهذه الحقيقة.. ولكن متى؟؟ بعد فوات الاوان!!

أن مما لايخفي على أحد منا أن عملية الاستنساخ التي اُجريت في الاونة الاخيرة ، تعد من أبرز الكشوفات العلمية التي أثبتت للشرق والغرب ضرورة التزام الباحث بقيود اخلاقية تلزمه بعض الحدود .. فقصة النعجة "دولي" لم تكن كل ما في الامر .. فقد تبعتها محاولات اخرى يأسف الانسان على نتائجها من كل قلبه ، فالتجارب الوراثية الاخيرةالتي اجريت على بعض الحيوانات ادت الى ظهورمخلوقات لم تكن تخطرمن قبل على بال .. دجاج بأربعة أرجل .. خروف بخمسة أرجل .. هجين من نمر و أسد .. الخ.

إن هذه الصورة المذهلة ، تعيد الى الاذهان بعض الذكريات .. ذكريات علماء الحياة ، حينما كانوا في شك من سرالوراثة .. فمرة كانوا يقولون إن اساس الوراثة هو المادة الحية في الخلية "البلازم الجرثومي" الذي ينتقل من السلف الى الخلف بواسطة الامشاج وقد أعطى العالم "أوكست وايزمن" تعريفاً للبلازم الجرثومي على أنه " المادة النووية الحية التي تضم الميراث العضوي للفرد".

ومرة كانوا يقولون إن الكروموسومات الموجودة في نواة الخلية هي المسئولة عن نقل الصفات الوراثية كما توصل الى ذلك كل من "ساتون" و" بوفيري" عام 1907م و ذلك بالاستناد الى دراسة سلوك هذه الكروموسومات أثناء إنقسام الخلية.

و مرة اخرى يرون أنّ هذا الافتراض لا صحة له لأن صفات الفرد الواحد أكثر بكثير من عدد الكروموسومات الموجودة في نواة الخلية ، الى أنْ جاء (موركان) و وضع النقاط على الحروف ، فقد أثبت أنّ كل كروموسوم يحمل عدداً من العوامل الوراثية التي اطلق عليها اسم (الجينات) ، كما وضع لها تعريفاً مبسطاً اتّضح منه أنّ غالبية الصفات الوراثية يجب أنْ يكون مردّها الى هذه الجينات المحمولة على الكروموسومات ... ثم ماذا حدث ؟

دارت عجلة الحياة ثم ألقت إلينا بأشياء رهيبة تكاد لا تصدّق من أنّها حصيلة تجارب اُجريت بالامس القريب .

و من جملة هذا الرهيب .. و الطريف في الوقت نفسه هو استكشاف الجين المسئول عن الشيخوخة في بعض الحيوانات و إمكانية القضاء عليه قد يكون وارداً ، الأمر الذي يؤدي الى إطالة غير متوقعة في أعمار هذه الحيوانات و قد تم ذلك فعلاً .

و يتوالى على الذهن جملة من الأسئلة في هذا المضمار :

- هل ستُجرى هذه التجربة على الانسان يوماً ما ؟

- و إنْ اُجريت .. فهل هذا يعني أنّ الأقدار ستختل ؟

- و أعمار المخلوقات مكتوبة عند الله .. فهل سيتغيّر المكتوب ؟

- و هل يجوز أنْ يتغيّر المكتوب في قاموس الاسلام ؟

- ثم إنّ أمراً كهذا .. ألا يعدّ خرقاً لنواميس هذا الكون و تدخّلاً سافراً في أمر الله ؟

الى آخر الاسئلة التي تراود الذهن في تلك المسألة ، و حاولت أن أجيب عنها  كي أزيح الشكوك من صدور أصحابها .

و قد يقول قائل : لماذا هذا الخوض كله في موضوع لا يزال في بداية طريقه ؟

لكنني أرى أنّ الحكمة تقتضي ذلك .. تقتضي أنْ نضرب الحديد و هو ساخن و إلاّ سنواجه صعوبة في الامر .

إنّ الجواب عن هذه الاسئلة يجرّنا الى موضوع تزاحمت في رحابه الاقلام ، و هو موضوع القضاء و القدر .. و لكننا على أية حال لا نخوض في تفاصيل هذا الموضوع بل نكتفي بالمهم الذي لا غنى عنه .

إنّ كل ما أريد أنْ أقوله بهذا الصدد ، هو أنّ الله تعالى قبل أنْ يدوّن أعمار المخلوقات في اللوح المحفوظ ، قرّر أنْ يمدّ أعماراً و ينقص اخرى و أنّه سبحانه و تعالى قد حدّد سبباً لهذه الزيادة و ذلك النقصان .. فالذي قرّر الله سبحانه أنْ ينقص من عمره - مثلاً – قدّر له سبباً يعجّل من موته .. امّا الذي قرّر الله أن يمدّ له في عمره ، فقد قدّر له سبباً يؤخّر من موته ، و ها هو العلم يستكشف لنا هذا السبب و هو القضاء على جين الشيخوخة و لا نقول أنّه السبب الوحيد فربما يستكشف العلم مستقبلاً عشرات الاسباب .. و لكن على أية حال فهي لا تعدو عن كونها مجرد أسباب تؤخر الهرم و الشيخوخة ، ليتحقق قدر الله في الاعمار .. ثم دون الله سبحانه و تعالى هذه الأعمار في اللوح المحفوظ مراعياً ما قرّر في حقها من زيادة و نقصان و محدداً الاسباب و جرت الاحداث كما شاءت الاقدار .

و دليلنا على أنّ الله سبحانه قد راعى هذه الزيادة و ذلك النقصان حينما كتب اعمار المخلوقات في اللوح المحفوظ ، هو قوله تعالى في سورة (فاطر) الاية 11 :

(و ما تحمل من أنثى و لا تضع إلاّ بإذنه و ما يعمّر من معمّر و لا ينقص من عمره إلاّ في كتاب إنّ ذلك على الله يسير)

و المقصود بـ (كتاب) هو اللوح المحفوظ .

و قد يتساءل أحد أنه لا يجوز أن يكون هناك زيادة في الأعمار لأن النبي (ص) يقول في حديث رواه ابن أبي حاتم :

 (إنّ الله تعالى لا يؤخّر نفساً اذا جاء أجلها و إنّما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد) .

وهذا عين الصواب ، فمن قال أن هناك زيادة أو نقصان عن الأعمار المكتوبة في اللوح المحفوظ ؟

   إنّ من يزعم ذلك يكفر بكل تأكيد ... فالزيادة و النقصان اللذين عنتهما الاية الكريمة – حسب فهمي – إنما جعلهما الله لتتحقق الاقدار لا لتختل و تتغير .

و أخيراً .... فانّ الرعيل الاول من الصحابة لم يفهموا موضوع القضاء و القدر كما نفهمه نحن اليوم ، و لا يسعني و أنا أتكلم عن فهم الرعيل الاول لهذا الموضوع إلاّ أنْ اذكر حادثة وقعت في عهد عمر بن الخطاب .. و ذلك حينما ثبتت تهمة السرقة على أحد الأشخاص فقُدّم الى عمر (رض) ، فلم يكن بوسعه إلاّ أنْ قال :

- مهلاً يا أمير المؤمنين إنّما سرقتُ بقدر ؟

فضحك عمر من سذاجته و قال :

- و نحن إنّما سنقطع يدك بقدر!

و هذه الحادثة اكبر من أنْ تعني اسكاتاً لساذج ، فهي الى جانب ذلك تؤكد أنّ الله سبحانه قد كتب الأقدار و سجّلها لا ليلزم و لكن كتبها لأنّه عالم بما سيكون من العبد .

أنتهى