يا شباب الأمة...انتبهوا
فداء الدين السيد عيسى/ السويد
أيها الاخوة و الأخوات ... يا جيل الصحوة الاسلامية ... يا شعلة الخير المتبقية من أثر الدعاة السابقين و العلماء الراحلين ... اليكم ندائي المتحسر على حال الأمة الذي صار أضحوكة للسفيه و الوضيع.
يا شباب الأمة ... و الياء حرف نداء للقريب و البعيد يصرخ من داخل داخله لما يرى من تفرق مذموم بدأ ينتشر بين شعوب العالم الاسلامي . لقد أخذت عهداً على نفسي أن لا أقحمها في الحرب الاعلامية الأخيرة و الفتنة القميئة التي تطل برأسها كي تخرب بيوت المؤمنين الذين ظلوا قروناً إخوة في الدين لا فرق بين عربي و بربري و كردي و أسود و أبيض و لعمري هذه هي الحضارة التي يبحث عنها العالم كله من شماله إلى جنوبه و من شرقه إلى غربه، حضارة العزة و الاخاء و المساواه، حضارة التعايش الانساني التي ترعاه مبادئ ربانية لم و لن يرى العالم لها مثيلاً ... و لكل مبدأ كريم في هذه الحياة أعداء يخططون ليل نهار للإيقاع بهذا المشروع الاصلاحي الرائع ... إن هؤلاء الخفافيش يقلقهم بل يضج مضاجعهم ما يرونه من أخوةٍ و تسامح عاليين في العالمين العربي و الاسلامي المليء بالقوميات و اللغات و الألوان و القبائل و العرقيات فهذا كردي و ذاك بربري و تلك هندية و هاته عربية و أولئك مجموعة من الأتراك و كثيرٌ من الثقافات و التجمعات التي لم يعرف التاريخ ديناً جمع مثلهم ، بل انك قد تراهم و قد تجمعوا كلهم و بأعداد رهيبةٍ في مكان واحد و فوق أرضٍ واحدة، تحت سماء واحدة تظل رؤوسهم العارية ، يعبدون رباً واحداً و يتجهون إلى قبلةٍ واحدةٍ ؛ و إذا ما سألت نفسك ما الذي جمعهم إذ ترى الأمم و قد صاروا جسداً إسلامياً واحداً ؟ وجدت الجواب سهلاً بسيطاً : إنه الاسلام ؛ جمع المتفرق و وحد المتشرذم و وجه المنحرف.
كما قلت فإنني أخذت على نفسي عهداً أن أبقى بعيداً عن حبائل هذه الفتنة الشريرة ليس خوفاً لا سمح الله او ضعفاً ، بل وجدت أنه كلما قل الكلام عن الموضوع كلما ترطبت الأجواء و خف الضجيج و اندحرت الفتنة، هكذا كنت اتوقع إلى أن شاء الله أن اشغل جهاز الكمبوتر الخاص بي و أبدأ بمراجعة صفحات الأخبار على المفضلة بعد المرور على بعض المواقع العربية الشهيرة و من ثم عرجت على صفحة ألفيس بوك المجتمعي الشهير لقراءة الشارع العنكبوتي و الذي يعكس بصورة أو بأخرى رأي الشارع العربي و بخاصةٍ الشباب العربي لقربه و علاقته الوثيقة بالأنترنت و التكنلوجيا ... رأيت و قرأت العجب العجاب من السباب و الشتائم و القذف ... شاب قلبي و تقطع حسرةً على هذا الحال الذي وصل إليه الأمر بعد أن رأيت أحد الشباب و هو يقرع الآخر بقوله : كنتم و ما زلتم عبيداً لنا ، نساؤكم سبايا لنا ، و أطفالكم غلمان و عبيد، أموالكم لنا و سنستردها و بلادكم لا تستحقونها و سنأخذها ... إلى آخر ما قال من سب و شتمٍ اعفي أبصاركم من قراءتها حيث بقيت ليلتي قلقاً حزيناً على هذا الحال الذي وصل بعمر و عبدالله و زيد و حامد و عايشة و مصطفى و عبيدة و فهمي أن تفرقهم كرةٌ من جلد حتى وصل الأمر بأحدهم أن يخون و يكفر شعباً كاملاً هكذا و بدون مقدمات
لكن ما حرق قلبي حتى كأنه مرجلٌ يغلي هو ما رأيت من شباب الدعوة الذين تميزوا بدعوتهم و صاروا علماً بأخلاقهم و علمهم و محافظتهم على ثوابت الامة، هكذا كنا و هكذا كان أجدادنا. لكن ما رأيته البارحة شئٌ آخر تماماً عما ألفته من شباب الصحوة الكرام ؛ لقد رأيت شباباً نزلوا إلى سفاسف الامور فصاروا جزءًا من اللعبة التي صممها ولاة الأمر ؛ إن أجمل لحظات ولاة الأمر هي عندما يشاهدون الشعب و هم في غمرة ساهون بعيداً عن الهموم الحقيقية التي تهم الشارع العربي المسلم و العائلة العربية المسلمة و المجتمع العربي المسلم من فقرٍ و ظلمٍ و هوان و فساد و جهل و الكثير من المشاكل و الهموم التي تستحق التجييش و التجيند و الحراك و الاعتراض ؛ و ربي لو أن الشعوب المسلمة تحركت لمشاكل الامة كما تحركت من أجل كرة القدم لما كان حالنا اليوم كما نراه و يراه كل عاقل . عندما ترى من يحفظ القرآن الكريم يجلس الساعات الطوال و هو يحاضر في مجموعةٍ من الشباب لا عن فلسطين و لا عن السنه و لا الفقه و لا حتى عن حال الامة بل عن الشعب الفلاني و اللاعب العلاني و الهدف الفلاني و تراه يؤجج المشاعر تجاه فلان و يشعل الحرب ضد علان ... يضرب أخماس بأسداس ... حينها سوف تعلم إلى أي حال وصل الوضع بأمة المليار و النصف المليار .
إن ما يزيد الأمر حسرةً من وجهة نظري انجرار شباب الصحوة و العاملين في الحقل الدعوي الممتد إلى هاوية الخلافات المصنوعة إعلامياً من دون التفكير بخطورة ما يصنعون و هول العصبية المنتنة التي يشاركون في تصعيدها و تكبيرها و تعظيمها على حساب الاسلام و القرآن قصدوا ذلك أم لم يقصدوا ، شعروا بذلك أم لم يشعروا. إن أبناء الدعوة و أرباب المساجد و مشاعل النور أبعد ما يكونون عن هذه النعرات و الخلافات ؛ إن الناس تنظر إلينا كمصلحين لا كمن يزيد النار إشتعالاً او اللهيب هيجاناً ... يحزنني جداً أن أرى شباب الامة الأحباب يلتهون عن مشاكلها الكبار بخصومات صممها لنا العدو الصهيوني ليجلس و يتفرج علينا و نحن نتخاصم و نتشاتم و يضرب بعضنا بعضا . يجدر بشباب الامة و أبناء الدعوة أن يكونوا حبل الوصل الذي لا ينقطع بين الأمم و الشعوب ؛ و أن يكونوا أذلاء على بعضهم البعض ، أليس هذا منهج كتاب الله و رسوله الكريم ؟ ألم يقل الله أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ؟ ألم يقل رسول الله : دعوها فانها منتنة ؟ ألم يقل القرآن : إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ؟ ألم توحدنا الصلاة ؟ ألم توحدنا شعائر الحج ؟ أين نحن من قول الله تعالى : إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً؟ ألم يقل نبيك الكريم صلوات ربي و سلامه عليه : "المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم" ؟
الوحدة يا كرام ليست ترفاً فكرياً نملأ بها كتبنا و نتسلى بالحديث عنها في مجالسنا. الوحدة منهج حياة نعيشها، نستنشقها و ندعوا إليها الناس. ليس أجمل من كلماتٍ لفيلسوف الاسلام محمد إقبال حين قال: «إن المسلم لم يخلق لينجرف مع التيار ويساير الركب البشري حيث اتجه وسار ، ولكنه خلق ليوجه العالم والبشرية ويفرض عليها ارادته لأنها الحق المنير . وإذا تنكر له الزمان ونازله الدهر فعليه أن يواجهه و ينازله حتى يقضي الله أمرأً كان مفعولا ً . إن الخضوع والإنقياد للأوضاع القاهرة والأحوال الفاسدة من شأن الضعفاء والأقزام ، أما المؤمن الحق فهو قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد.»
يا شباب الاسلام ... انتبهوا فإن ما ينتظركم كبير بحجم ما تحملون على أكتافكم من مهمات عظام ، اختاركم المولى لتكونوا رجال الحسم عند الملمات فاجمعوا الناس على فهم كتاب الله وسنة نبيه و احرصوا على رابطة الأخوة الإسلامية وحسن الظن والتقوى بالمسلمين دون تورط في مشاريع من يتربص بأمتكم و دينكم و دعوتكم ... يا شباب الاسلام إسمع مني كلمات الامام الشهيد حسن البنا :«إن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا وتنهض لمهمة كمهمتنا، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني، وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف، وصراع قوي شديد بين الحق والباطل، وبين النافع والضار، وبين صاحب الحق وغاصبه، وسالك الطريق وناكبه، وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين، وإن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجَهد، والجهد من التعب، والعناء، وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره، وعند الصياح يحمد القوم السرى.».»