البورتريه الخامس
الذهب .. عشقه ابن ادم حتى وضعه في فمه
لقمان اسكندر
برّاق على هيئة القصور أو البنوك التي تشبه كاتدرائية ضاربة في التاريخ، حيث استبدل الناس معابدهم بالبنوك.. وصلواتهم بالارقام .. هناك يجرون طقوس عبادتهم بجمع وتكديس الأموال والسيطرة.
عشقه ابن ادم حتى وضعه في فمه، وعلى الرأس والعين منذ غابر الازمان.. بإمكانه أن يعكس إليك الضوء والفرح والسعادة.. صفائحه الرقاق خضراء أو زرقاء اللون، ولكنها اعتادت أن تزين لك نفسها بكل ألوان قوس قزح.
هو الذهب.. فلز من السيطرة بلون القهوة، إذا سحقته تحولتَ معه إلى لون ما يشبه الياقوتي والأرجواني، وإذا سحقك تحول هو على الفور الى أسود، على أنه يُقْتَنَصُ بالزئبق او الزئبقي من الناس - تقطيرا أو تقتيرا.
فلز يقع في المجموعة الانتقالية رقم (11) من الجدول الدوري، لكنه يتصدر مراتب الجداول البشرية جميعها، خصوصا وأنه مُوْصِلٌ جيد للحرارة والكهرباء والأبهة والقوة.
فلز يشبه الى حد بعيد كمياء أبناء آدم .. ثمين هو يدور في الطبيعة حر، سوى أنه خامل لا يذوب إلا أمام الماء الملكي، دون الحوامض البشرية جميعها، غير أنه يتصفى أو يتلظى بالنار. اشتغل به الخلق وكثر المنقبون عنه والمشتغلون به، وزيّنت به المحظيات من علية القوم في تاريخ البشرية.
ولعشقه حلم اخوان الصفا بوجود نباته، وقالوا: إن المعادن المختلفة لا تتواجد في الطبيعة بشكل اعتباطي وعن طريق الصدفة بل لكل نوع من التربة معادنها الخاصة التي تتكون فيها فاذا وجدت بعض المعادن في بقعة ما فلأن هذه البقعة منبت هذه المعادن.. فيما صنف منصور بن بصرة الذهبي الذهب الى ثلاثة أنواع هي المعدني والتربة والنباتي " الذي ينبت في بحر النيل خلف جبال القمر".
ولم تكن دعوة "الاخوان" فريدة فقد أخذها بعض العرب دون الاغلبية منهم عن العصر اليوناني بعد ان وجدت طريقها الى بعض المؤلفات العربية، ثم أعيدت للحياة في أوروبا في عصر النهضة، وظلت رائجة في الوسط العلمي الاوروبي حتى القرن الثامن عشر فآمن الكثير من علمائهم بأسطورة "البذور المعدنية".
لم يكن ذلك عشق الذهب الاول فقد عشقه الملك ميداس وفق الاسطورة اليونانية فطلب من الالهة ان تجعل كل ما يلمسه يتحول الى ذهب، فاستجيب له، فتحول كل من لمسه الى ذهب الابواب والجدرانه والأسقفه والطعام والماء، بل بلغت قمة الدراما حين اقبلت عليه ابنته فاحتضنها فانقلبت الى تمثال من الذهب! وتحول نفسه الى ذهب كان يرغب الذهب لاجل الذهب فانقلب عليه.
استعمله الخلق عملة وقلائد تحمي وما زالوا.. منذ كانوا كانوا يستعملونه أساسا للمعاملات المالية الدولية احتياطا وحرزا لعثرات الايام سواء للدول او للبشر، فخلط بمعادن أخرى لكثرة الطلب عليه وليزاد صلابة فَقِيْسَ ذلك بالقيراط. فيقال: هذا إنسان من ذهب قيراطه بكذا وكذا.
كان سعره ثابتا حتى السبعينات من القرن الماضي حيث دفعته متغيرات شتى إلى أن يباع ويشترى بأسعار متذبذبة الى حد كبير.. فوصل اليوم الى ما وصل اليه .. هو دين عصر الأم الامريكية، ودولتها التي سجل أبناءها في بداية نهوض وتشكل دولتهم بحثهم الحميم والقاتل عن الثراء والسلطة.. فقتل الناس بعضهم بعضا لأجله منذ غابر الأيام وما زالوا ..
سل عن ذلك ذهب دولة العثمانيين يوم كانت تموت، عندما أخفوا ذهبهم في بلاد الشام. أما في العراق وتحديدا قبيل قيامة بني آدم .. فمن بين ألف رجل سينجو رجل واحد فقط، أثناء قتالهم عندما يُظهرُ الله لهم حينها "جبل من ذهب".