الإمام البنا .. ومشروع التغيير

الإمام البنا .. ومشروع التغيير

الإمام الشهيد حسن البنا

بقلم: د. جمال نصار

التغيير هو بذل الجهد البشرى عبر عملية طويلة ومتدرجة يتم خلالها بناء مجتمع متكامل يبدأ بالفرد ثم الأسرة ثم المجتمع .. وهذا التغيير له أهداف ومواصفات وخصائص ووسائل وأدوات كلها تنبثق من عقيدة التوحيد، ومن الإيمان بالله واليوم الآخر، وهذا التغيير يهدف إلى تغيير حياة الفرد ونقله من الضياع والخسران والهلاك إلى الاستقرار والأمن والأمان.

وحلقات التغيير ثلاث هي (الفرد والأسرة والمجتمع)، فإذا صلح الفرد واستقام استقامت الأسرة وأفلحت، وإذا استقام الرجل والمرأة استقام المجتمع كله، وصلح حاله، واستقام الحاكم والمحكوم، والكبير والصغير، والغنى والفقير، والمتعلم والجاهل.

ومن أهم خصائص التغيير الإسلامي أنه منسجم مع الفطرة، لا يصطدم بالواقع، ولا يصادر الفطرة، بل يردها إلى الطريق الصحيح، كما أنه عالمي، فالإسلام يسعى لإخراج البشرية كلها من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة والغواية إلى الرشد والهداية، كما أنه - أيضًا - إنساني، فالمساواة بين البشر، وإقامة العدل، وتكريم الإنسان - بصرف النظر عن جنسه ولونه ودمه - من أهم خصائص التغيير الإسلامي .. وقد أحدث الإمام البنا - رحمه الله - تغييًرا فكريًا في المجتمع الذي يعيش فيه، حيث تأمل حال المسلمين في زمانه بوجه عام، وحال قومه ووطنه بوجه خاص، فوجد أن هناك تعدد في المفاهيم حتى كاد الناس يحسبونها من الثوابت التي لا تقبل التغيير ولا التبديل، ولا إعمال العقل حتى صارت كالعقائد عندهم، وإن كانت باطلة أصلا، ومنها:

أن التمسك بالدين نوع من التعصب، بل وزاد البعض بأنه تجاهل لغير المسلمين.

وأن هذا الدين ناسب عصره وليس عامًا للناس كافة.

وأن التدين من الأعمال الشخصية الفردية، أي لا صلة له بالحياة بنواحيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من نواحي الحياة.

مشروع الإمام البنا

الواقع أن الإمام البنا كان لديه مشروع واضح في ذهنه، راسخ في وجدانه، مستقر في أعماقه، اتضحت له أهدافه ووسائله ومناهجه، واتضحت له عقباته ومعوقاته، وجند لتحقيقه عقله وقلبه، ولسانه وقلمه، ووقته وجهده، ونفسه وجماعته، فكان يعرف ماذا يريد ؟ وكيف يصل إلى ما يريد ؟ وبمن يصل إلى ما يريد؟

من هذا المنطلق حدد الإمام البنا عناصر التغيير، فبدأ بالفرد الذي هو النواة الأولى والأساسية في بناء الأسرة التي هي نواة المجتمع الصالح، فقال - رحمه الله - في رسالة \"إلى الشباب\": \"إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل واضح الخطوات، فنحن نعلم تماماً ماذا نريد ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة:

نريد أولا الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفى خلقه وعاطفته وفى عمله وتصرفه، فهذا هو تكويننا الفردي.

ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه، ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب، وهذا هو تكويننا الأسري.

ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله - أيضًا - ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يُسمع صوتنا في كل مكان، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألوا في ذلك جهدًا ولا نترك وسيلة\".

وحدد الإمام البنا في رسالة التعاليم صفات الفرد المسلم الذي يريده بأن يكون قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظما في شئونه، نافعًا لغيره.

الإصلاح في فكر الإمام البنا

حدد الإمام البنا في أكثر من موضوع معالم الإصلاح السياسي من خلال:

وضع قائمة من الصفات التي يجب أن تتوافر في المرشحين سواء أكانوا ممثلين لهيئات أم لم يكونوا.

وضع حدودًا للدعاية الانتخابية.

دعا إلى إصلاح الجداول الانتخابية، وطرق التصويت لتكون في منأى عن التلاعب من ذوي المصالح الشخصية، وعن التصويت الإجباري.

فرض عقوبات رادعة على التزوير والرشوة في الانتخابات.

وفي ميدان الإصلاح الحكومي والجهاز الإداري تحدث الإمام البنا عن ذلك في نقاط من خلال:

نشر الروح الإسلامية في جميع المصالح الحكومية.د

مراقبة السلوك الشخصي للموظف حتى لا توجد ثلمة في سلوكه تميز بينه كموظف حكومي وكإنسان.

إعادة تنظيم أوقات العمل لتسهيل أدائه، وحتى يمتنع العامل من السهر ليلاً.

مراقبة جميع الأعمال الحكومية بحيث تتفق مع روح التعاليم الدينية.

استخدام عدد أكبر من خريجي الأزهر في الوظائف العسكرية والمدنية.

كانت هذه الإصلاحات السمة الغالبة في موقف الإمام البنا من مشكلة الإصلاح في عمومها، كما تعرض لما يمس الفرد في الوظيفة العامة، وتضمنت آراؤه في الإصلاح بالنسبة لهذه المشاكل الإجراءات التالية:

اختيار الموظفين الحكوميين على أساس الكفاءة دون القرابة.

استقرار ظروف العمل وتبسيط إجراءاته عن طريق تحديد المسئولية وإلغاء المركزية.

تحسين أحوال صغار موظفي الدولة برفع رواتبهم وعلاواتهم، وذلك لسد الهوة بينهم وبين كبار الموظفين، وإيجاد تأمين قانوني ومالي مضمون لهم لحماية المرؤوسين من عسف ونزعات الرؤساء.

تقليل عدد الوظائف الحكومية وتوزيع العمل على من يبقى توزيعًا أعدل وأقوم.

إلغاء ما هو جار من استثناءات من القوانين التي يتمتع بها المقربون والأصدقاء والأقرباء.

وقد وصف الكاتب الأمريكي \"روبير جاكسون\" برنامج الإمام البنا بقوله: \"كان يريد أن يصل إلى الحل الأمثل، مهما طال طريقه، ولذلك رفض المساومة، وألغى من برنامجه أنصاف الحلول، وداوم في إلحاح القول بأنه لا تجزئه في الحق المقدس في الحرية والوطنية والسيادة\" .. وقال أيضًا: \"كان مذهبه السياسي أن يرد مادة الأخلاق إلى صميم السياسة بعد أن نُزعت منها، وبعد أن قيل: \"إن السياسة والأخلاق لا يجتمعان\".

هذه بعض ملامح مشروع الإمام البنا للإصلاح والتقدم، وهي قليل من كثير، ومن يقرأ رسائل الإمام البنا يجد فيها تفاصيل مشروعه في الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيره.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.