ست صور .. لست سنين
ست صور .. لست سنين!!
مصطفى عياش الكبيسي / الفلوجة
الفلوجة !!
الارض الصالحة !! او الارض المرتفعة .. وارثة دولة تاريخية قديمة .. او مدينة الثقافة والعلوم ..
والمكتبات .. كعبة المقاومة او مدينة الشهداء والايتام !
سمها ما شئت .. بقيت وستبقى وسط قلوب الملايين من شرفاء الامة واحرارها .. انها الفلوجة ...
مدينة المساجد وبلدة الأماجد .. بعد ست مضت على انتفاضتها الاولى .. وبدايتها المباركة .
يعيش اهلها تلك اللحظات المباركة التي اعادت كتابة ما قرأناه في كتب السير من بطولات رجال الصحابة والتابعين .. بل ونسائهم .
واحاول هنا ان استعيد الذاكرة لبعض من تلك اللحظات التي لا تنسى في الذكرى السادسة لانطلاق المظاهرة الاولى التي اشعلت شرارة المقاومة ، في صور ست :
الصورة الاولى :
صورة شيخ جليل في معركة الفلوجة الاولى وهو يحمل - مع الشهادات التي يحملها ؛ كيسا كبيرا من الخبز وهو يسرع به مع احد اصدقائه ليدخل به حي الجولان الذي كان مستعرا والرصاص يتطاير في كل زقاق .. وعندما حاولت ان اساله عن وجهته قال لي " الناس هناك يذبحها الجوع مايصير ابقى اتفرج !! " ..
بل وسمعت ان هذا الرجل المبارك كان يقوم باعداد الطعام بيديه المباركتين للعوائل النازحة من الفلوجة فيما بعد ..
لينتهي الامر به في سجون الاحتلال ؛ وليخرج بعدها من سجون الدنيا كلها الى جنة ربه – باذن الله شهيدا على ايدي اذناب الاحتلال وزبانيته .
الصورة الثانية :
إنها صورة تلك الام التي تتطاير من فمها الطاهر زغاريد الفرح وابنها يرفع جثمانه عن الارض ..
لترفعه ايادي الناس وربما الملائكة الى مثواه الاخير .
يا الله !!! انها بالفعل اعادت كتابة التاريخ بكل حركاته وسكناته .. فالام التي تصرخ وتولول لفقد ابنها .. تفرح لاستشهاده بل وتعلن الفرح !
الصورة الثالثة :
صورة امراة تعجز الكلمات امام ما صنعت . صورة لا تحتاج الى تعليق ؛ في يوم من يوميات
المعركة الاولى تاتي سيارة الاسعاف بامراة جريحة تنزف الدماء من جدسها الطاهر ، وبينما يهم
الاطباء بعلاجها ياتي شاب في العشرينات من عمره وينكب على اقدامها وهو يشاهد منظر الام التي
حملته وارضعته وهي تعاني الالم والجروح .. وبينما هو كذلك تصحو الام فجأة وهي ترى ابنها بهذا
المنظر فتقول له وبالحرف الواحد " لا تبكي مثل النساء اذا انت رجل اذهب وقاتل كالرجال !! "
الصورة الرابعة :
شاب نشأ في طاعة الله .. قبيل بداية المعركة الثانية تهم اسرته بالخروج من المدينة بحثا عن ملجإ
آمن من هول القصف الاعمى والفسفور الابيض واليورانيوم المنضب .
وبعد صمود اخوته الكبار واصرارهم على البقاء دفاعا عن مدينتهم يبحثون عن احمد ليخرجوه من
الفلوجة لانه – بعلمهم – صغير ولا ييستطيع فعل شيئ !! ولكنه عندما سمع بامر اوليائه غادر الى
بيت قريب له ليختبأ به ؛ ولكن ليس من شدة القصف وانما عشقا للبطولة وابوابها .. ليبقى بين
الابطال متنقلا من جهة لاخرى حتى جاءه ما كان يتمنى " الشهادة في سبيل الله "
وقبيل ايام من استشهاده رآه صديق له فسأله : " ليش باقي بالفلوجة "؟ فقال : اريد الجنة "
الصورة الخامسة :
طفل قد لا يتجاوز السابعة من العمر ؛ فبينما يمشي الجنود الامريكيون في احد شوارع الفلوجة
راجلة ، وهم يوزعون بعض الهدايا للاطفال ليستخدموهم – بعد تجمعهم حولهم - كدروع بشرية .
يقف جندي محتل بكامل تجهيزاته العسكرية امام طفل ليسلمه قلما اغرى غيره من الاطفال .. لكن
هذا الطفل وهو يرفع راسه بإباء ياخذ القلم ويضعه تحت قدميه ويكسره والجندي يصرخ كالمجنون
من فعلة هذا الطفل !!
الصورة السادسة :
هذه الصورة تجسد نموذجا حيا للشباب الواعي حين تحتاجه الامة .. شاب في الثلاثينيات من عمره
متزوج وله اربعة اطفال لا يتجاوز دخله الشهري المائة دولار !! يخرج منذ تباشير الصباح الاولى
الى محطة العمال في الفلوجة عله يجد فرصة عمل يومي !
ليعود قبيل العصر منهكا .. ليخلد قليلا الى الراحة ثم ينطلق الى المسجد الذي ترعرع فيه ويبدأ
مهمته التربوية مدرسا لمجموعة من الطلاب ، يعلمهم حفظ القران وحفظ النفوس من غيها ويزرع
فيهم الخير والصلاح – ما استطاع .
يذهب ابو سيف بعد ذلك الى مكان يجد فيه ضالته لمقارعة الطغيان . وخدمة البلاد والعباد ..
اصيب بعدها اصابة بليغة لم تثنه عن واجبه في الحياة . وعندما أذن الله بشفائه عاد الى دورة حياته
اليومية متنقلا هنا وهناك .. حتى جاء امر الله ليلقى ما كان يتمناه شهيدا باذن ربه ...
والصورة الاكثر تعبيرا في المشهد انني لم اشاهد اكثر هيبة من تشييع هذا الرجل .. الذي بكته
خانقين التي اصيب فيها اصابته الاولى وبكته سامراء التي استشهد فيها والفلوجة التي شرب
حليبها صافيا