هل أبناؤنا بحاجة إلى دروس منهجية ؟

ظلال موسى الإبراهيم

ظلال موسى الإبراهيم

لا شك أن من أولويات الجماعة المسلمة ومن ثوابتها إنشاء جيل مؤمن بربه ، واع لقضايا أمته .. مهتم بها ومتحمس لنصرة دينه في كل مكان ..

ولا شك أننا نرى بوادر صحوة إسلامية بفضل الله تعالى يلتحق بها هذا الجيل المسلم ، والشباب السطموح الصاعد ..

إلا أن هناك أموراً .. لابد من مراجعتها في سيرنا إلى الله .. وفي سيرنا في موكب الدعوة .. أنسانا إياها طول المسير ، وروتينية العمل .. والانشغال بمهام الحياة ..

إن الدعوات لا تكون ولا تقوى (بالانتماءات الشكلية) بل لابد (لثباتها) و(تقدم مسيرتها) من جهاد وتضحيات،نعم.. إننا نرى بحق – في كثير من الأحيان – صورة تكاد تكون – هزلية- أو  لنقل – شكلية – في إعداد هذا الجيل الصاعد ، وفي الاهتمام بجوهره وفكره ، رغم أن الاعتماد عليه لمستقبل الأمة ..

لعلنا نتساءل .. ما هو المطلوب من أساتذتنا الدعاة .. في هذا العمل الدعوي الميمون ؟..

هناك عمل مستمر ولقاءات ودروس وحوارات و .. و .. أقول نعم .. وجزى الله العاملين خيراً ، وثبتهم وأثابهم على كل جهد يقدمونه في سبيل دعوتهم وعقيدتهم ..

إلا أنني أتساءل أيضاً ..

هل نحن وأبناؤنا بحاجة إلى المزيد من الدروس المنهجية والمحاضرات العامة ؟

بمعنى .. هل شبابنا وبناتنا بحاجة إلى كم إضافي من الكتب المنهجية حتى يستشعروا معنى انتمائهم لهذا الدين ؟ هل هم بحاجة إلى المزيد من الأقوال ، والمزيد من حفظ الأحاديث أو تفسير آيات معينة والمرور عليها مرور الكرام ؟

إن هناك أساسيات لا بد من تذكرها دوماً .. وعدم إغفالها في العمل الدعوي حتى يؤتي أكله ، وحتى تكون جلساتنا جلسات مباركة مثمرة إن شاء الله تعالى ..

أولاً : الإخلاص لله تعالى:  ذلك الإخلاص الذي يحول الداعية من مجرد (أستاذ) (ملقن) (شارح) إلى إنسان (متحرق) (ملتهب) (متألم) وأهم من ذلك إنسان (محب) .. نعم .. محب مشفق ، وصادق في الحب .. حب الله تعالى ، وحب الدعوة ، وحب أبنائه وتلامذته . فبالحب والإخلاص ، يكون الداعية جاداً.. جاداً في صنع النفوس وتحويلها من قلوب غافلة لاهية إلى قلوب متحرقة ، متوثبة .. متحمسة للتغيير نحو الأفضل .

ثانياً : التفوق الروحاني :

حيث إننا نفتقد كثيراً تلك الروحانية الإيمانية العجيبة ، التي تضفي على القلوب الصفاء والنقاء ، وتزيد الارتباط بالله سبحانه ، وتتبع آياته بشغف ، وهي تقوي مع حب الله أواصر الإخاء فيما بين الإخوة ، وتجعلهم كالجسد الواحد حباً وعملاً وتفانياً ، لا يملون الاجتماع ، ولا يأنفون النصيحة ، ولا تخرج أحاديثهم عن كل ما يقربهم إلى الله ، لا تنافر بينهم ، فضلاً عن أن يكون تباغض وتحاسد..

نعم .. إنها (الروحانية الإيجابية) التي دعا إليها الإسلام وهي التي تحفز للتضحية ، وتعمق الحاجة للبحث عما يرضي الله حتى يغدو ذلك هاجساً يومياً يلاحق المسلم ، تجعله يعيش مع الله في فكره ومشاعره ومطامحه .. وبذلك يتحول الدين في ذاته إلى هم مستمر ، يتلذذ بالانتماء إليه !!

ثالثاً : الصلة الصحيحة بالقرآن الكريم:

وهي من نتائج التفوق الروحاني ، وأعني ليست تلك الصلة الشكلية التي تجعلنا نقرأ القرآن ابتداء كل مجلس أو نقرر سوراً نحفظها – إن حفظناها فعلاً – أو آيات نقرأ تفسيرها ..

بل هي الصلة الوثيقة التي تجعلنا نقف على مواطن (الخلل) في نفوسنا ومجتمعنا ، إنها صلة لمعالجة الواقع ، ومعالجة النفوس .. وجزى الله أساتذتنا خير الجزاء عندما كانوا يقفون عند تفسير (كلمة واحدة) ساعات وساعات !! تستجيش معها النفوس وتهتز القلوب .. وتستعبر العيون .. فلا ينتهي المجلس إلا بعهد قوي جديد مع الله .. على التصحيح ومواصلة المسير !!

إنها الصلة الصحيحة التي أمرنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .. إنها الصلة التي تحيي النفوس ، وترسم لها معالم الطريق وتحثها على النهوض وعلاج القلوب .. وأمراض المجتمع ..

تخرجها من دائرة الحفظ إلى دائرة العمل والتشمير .. وإلا.. فما أكثر الكتب والمحاضرات الجامعية والمناهج المدرسية التي يتلقاها أبناؤنا في كلياتهم ومدارسهم .. يقرؤونها ثم تذهب أدراج الرياح !! ..

رابعاً : تحديد الهدف : لا أزعم أن الدعاة اليوم غافلون عن تحديد الهدف .. إلا أننا في غمرة المستجدات ، ومع هذه الغفلة التي تجتاح الشباب .. وهذا التيار الجارف من الملهيات والمفسدات .. علينا أن نعيد النظر في الهدف الكبير لسيرنا في هذا الطريق ..

إن حالنا اليوم كحال إنسان يملك بركة ماؤها آسن ، قد كثرت فيه الجراثيم والفطريات ، ثم هو يسعى للحفاظ عليه من الزوال فما يزيده البقاء إلا أسناً ، وما يفيده الاغتراف منه إلا مرضاً .. فإن هو طهره ونقاه من الشوائب والأمراض كان ماء زلالاً يعتمد عليه في كل مناحي الحياة ..

ويقول الله تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فهل وقفنا منها وقفة جادة ؟ هل حولنا هذه الآية إلى واقع عملي في دروسنا وإرشادنا للناشئين من أبنائنا وبناتنا ؟

هل تابعنا (الإنجازات) و(المتغيرات)  في (نفوس) و(حياة) و(فكر) شبابنا بعد كل جلسة أو درس أو محاضرة ؟ ..

إن هدفنا الأسمى هو إعداد جيل مؤمن بربه ، مرتبط بالذكر والعبادة .. ولكن ما نفع ذلك إن كانت النفوس في غفلة والقلوب في إعراض ؟

إن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في (النفوس) حتى تصل إلى مراتب الارتقاء .. إلى مرتبة التلذذ بالطاعة.. والتلذذ بالدعوة .. والتلذذ بالتضحية !

هدفنا هو (التغيير) ، (تغيير جذري) لحياتنا وواقعنا ونفوسنا ..

نعم .. فالتغيير دائماً هو وسيلة الأقوياء لنيل مآربهم .. علينا أن نصحح معنى الانتماء والولاء للإسلام؛ أولاً لأننا لا نزال – رغم كل هذه الدروس – نقبع في إسار الشهوات ولم نحرك ساكناً ..

إننا ملتصقون في الأرض (ولكنه أخلد إلى الأرض ، واتبع هواه) !

علينا أن نعيد النظر في فهم الحياة في دائرة الإسلام ..

أن نعيد فهم الإسلام بشكل صحيح .. علينا (التصحيح) وهذا يحتاج إلى همة وحماس ، وهو واجب الدعاة أن يزرعوا الهمة والحماس في قلوب تلاميذهم ، إذ لا يكفي نقد الواقع ، والنقمة على الفساد، والدعاء على المفسدين بل الصواب أن نسعى لاستئناف الحياة الإسلامية كما طلبها منا ديننا وكما عاشها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ..

نحتاج إلى تغيير وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي سادت بين شبابنا وبناتنا ..

نحتاج إلى تبصير جيل اليوم بالبديهيات في الأخلاق والمعاملات التي ذابت في تيار العولمة والجهل بأبسط مبادئ وآداب هذا الدين العظيم ..

نحتاج لأن نعمل (بالإسلام) في نفوسنا أولاً .. وأن نعمل (للإسلام) في مجتمعنا ثانياً .. حتى نغير هذا الواقع المرير الذي تفشت فيه العلل والأمراض .. علينا أن نحول جلساتنا من مجرد جلسات روتينية .. منهجية .. إلى حب عميق للإسلام ، إلى الاعتزاز بالإسلام .. إلى الاستمتاع بالعمل للإسلام ..

أن نربط الإسلام بعواطفهم ومشاعرهم حتى (يكون الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما) ..

عليكم أيها الدعاة المخلصون .. أن ترفعوا أبناءكم إلى القمة.. إلى الشعور بالتميز والاستعلاء بعقيدتهم ودينهم وانتمائهم ..

ولن يكون ذلك إلا إذا بذرنا في قلوبهم (حب التغيير والتصحيح) حب (إصلاح القلوب والنفوس) ..

نعم .. لابد من الاشتباك مع القلب .. حتى تصلح الحياة ! إننا بانتظار تلك الهمم .. وتلك العزائم .. ورحم الله محمد إقبال حين قال:

 همة الأحرار تحيي الرمما      نفحة الأبرار تحيي الأمما

كل داء في سقوط الهمم ..

كما قال الإمام حسن الهضيبي رحمه الله : (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم على أرضكم ، فإن من يعجز عن قيادة نفسه ، فهو عن قيادة غيره أعجز ..) ..

خامساً : القدوة طريق الجذب والثبات :

لقد عمد الكثير من دعاة اليوم إلى استخدام الأساليب والوسائل المتنوعة والأشياء الجذابة من عروض ومسارح وصور ودفوف .. وما إلى ذلك من أجل جذب انتباه الأبناء والتأثير فيهم ..

نعم لا ننكر أهمية ذلك ، .. إلا أن الصدأ المتراكم لا يلمع مكانه قبل نحته وتنظيفه ..

وكذلك النفوس الغافلة .. والقلوب التي تراكم الران في حناياها لا تحتاج إلى أساليب جذابة ووسائل منمقة فقط ، ولا يدفعها للتغيير إلا صلاح القلوب من الداخل .

لقد استطاع علماؤنا الأفاضل وسلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – التأثير في نفوس طلابهم تأثيراً بالغاً ، والأخذ بهم إلى مستويات الرفعة والارتقاء ، رغم بساطة الحياة آنذاك ، وقلة الوسائل المتاحة..

إلا أنهم بإخلاصهم وصدقهم مع الله ، وحبهم لهذا الدين العظيم ، استطاعوا أن يضعوا أيديهم على مواضع الغفلة والضعف في نفوس أبنائهم ، وأن يلمسوها بحب وحنان وشفقة ، وأن يبذروا فيها بذرة الخير ، ويرعوها حق رعايتها ، فتنبت قوية ، متينة صلبة .

لقد كانوا المثل الأعلى والقدوة العملية والقرآن المتحرك أمام أبنائهم ، وأروا من أنفسهم مثلاً للسعادة الحقيقية من وراء التمسك بالدين والعمل بالإسلام وللإسلام .. فتواصلت القلوب بالقلوب ، وتلاقحت العقول وأثمرت ثماراً يانعة ..

وبذلك يحدث التغيير .. وبالقدوة يكون الثبات ..

ونحن إلى ذلك الأفق المضيء بحاجة ، وإلى تلك الهمم والنفوس أحوج ..

وهذا يدفعنا للسير في الطريق الوعر (بحماس) و(همة) و(تضحية) .. ولهفة للوصول ..

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يعيننا على تربية أبنائنا على الوجه الصحيح ، وأن يوفق شبابنا وبناتنا لما فيه خير دينهم وصلاح آخرتهم ..

وأن يلهم الدعاة إلى الله كل طريق نافذ وبصيرة نيرة في الأخذ بالأيادي نحو الطريق المستقيم ..

إنه نعم المولى ونعم النصير .. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين