سلسلة المعرفة-23

سلسلة المعرفة

الحلقة الثالثة والعشرون

الإيمان بالغيبيات

محمد سعيد التركي

[email protected]

ليس الإيمان بالله وبرسوله محمد r ، وبالكتاب (القرآن) هو من الإيمان بالغيبيات، وإنما هو كما ذكرنا تصديق جازم قطعي متحقق بالدليل العقلي، أي بدليل مستند على السمع والبصر والشم واللمس والذوق، مما يستحيل فيه الظن أو الشك، أو إلتباس أمر بأمر آخر، وهذا هو سبيلنا للإيمان بأكبر قضية متعلقة بحاضر الإنسان ومستقبله.

إلا أن هناك مسائل من صلب العقيدة لا يمكن أن تستخدم فيها الحواس الخمس أو يستخدم فيها الدليل أو الإستدلال العقلي لإثبات وجودها، وتأكيد قطعيتها، فإثبات ذات الله أي صفة هيأته، وحجمه وشكله جل وعلا، فهي لا يمكن أن يستخدم الإنسان فيها الحواس على الإطلاق وذلك لمحدودية الإنسان في إطار حواسه الخمس، المحدودة المقاييس والمحددة القدرة، وبالتالي محدودية إدراك الإنسان العقلية، التي لا يمكن أن تتيح له أن يدرك إلا ما تصل إليه حواسه بإدراكه، فذات الله من المسائل التي لا يمكن أن يصل إليها الإنسان بعقله وتستحيل عليه، ولذلك فإنه من العبث البحث في هذا الأمر والإشتغال به، فضلاً عن أنه يفضي إلى طريق مسدود، وغير مأمون العواقب .

ومن المهم معرفة أن إدراك ذات الله هو أمر من الأمور التي ليس لها علاقة بحل عقدة الإنسان الكبرى، كمسألة إثبات وجود الله وخلق الكون والإنسان والحياة، وليس لها تأثير في تمام إيمانه وصلاح عمله واستقامة نهضته، أو عدمها .

كذا الحال بالنسبة لمسائل أخرى مما لا يمكن أن يُستخدم فيها العقل لإثبات وجودها، ويجب الإيمان بها كما أخبر عنها الله ورسوله محمد r، فوجود مخلوقات أخرى كالجن والشياطين والملائكة، ومسألة البعث والنشور، ومسألة الجنة والنار والحساب والعقاب، وأخبار الأنبياء والرسل والصالحين قبل سيدنا محمد r، هذه المسائل أو الأشياء لا يمكن أن يُستخدم في إثبات وجودها الحواس الخمس، ولا يمكن إدراكها بالعقل إدراكاً مباشراً.

إذن كيف للإنسان أن يؤمن ويقطع بمسائل لا يستطيع أن يستند في إثباتها وإثبات وجودها إلى حواسه الخمس، وبالتالي إلى الدليل العقلي أو الإستدلال العقلي؟ وكيف يُقال أن الإسلام يستند في الإيمان إلى العقل، وعقيدته ليست ظنية، إنما عقيدته قطعية، وتتحدى أي عقيدة تخالفها، بل وتدمغها، فكيف يكون ذلك ؟

 فالجماعة مثلاً يستحيل عليهم ومن خلال طبيعة خلق الإنسان الإتفاق والإجماع على كذبة معينة، وعلى وجه الخصوص عندما يكونوا متفرقين لا يعرف بعضهم بعضاً. وكذا عندما يأتينا أحدهم بخبر، ولديه شيء يثبت صدق خبره وقطعيته. وكذا عندما نؤمن بحتمية صدق ناقل الخبر، فإننا سنؤمن كذلك بكل ما جاء به من أخبار، كإيماننا بوجود الله وبرسالة سيدنا محمد r، وبأن القرآن من عند الله، فنؤمن بالتالي بكل ما جاء ما آمنا به عقلاً وهو القرآن، فنؤمن بما نقله إلينا القرآن عن وجود الملائكة والجن والشياطين وأفعالهم، وأخبار الأنبياء والرسل والصالحين، والجنة والنار، والبعث والنشور، ونؤمن كذلك بكل ما ذكره لنا رسول الله r بطريق النقل المتواتر (الجماعي الغير منقطع)، فتكون سلسلة الإدراك العقلي بهذه الكيفية لم تنقطع، وكان كل ما ذُُكر في القرآن والسنة المتواترة أصله مستند إلى العقل، فهذا هو الدليل النقلي، الذي أصله العقل والإدراك الحسي . فإن تواترت الأخبار مثلاً بوجود بلاد البرازيل، فإن السامع لا يسعه على الإطلاق إلا الإيمان والقطع بوجودها، حتى ولو لم يرها، لأن الجماعة يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب .

إذن فإن الإيمان بالغيبيات هو التصديق الجازم بمسائل لا يمكن حسها أو الإستدلال بوجودها بالدليل العقلي، كما هو في الإيمان بوجود الله والقرآن ورسالة سيدنا محمد r، وإنما هي مسائل نؤمن بوجودها بالدليل النقلي المستند على إيماننا العقليي بوجود الله وبالقرآن المنزل على رسوله محمد r .

rr .

 قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة 1 – 5

الم ، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ،،  وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ،  أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

وقال في سورة البقرة 258

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ