القتال في اليهودية والنصرانية

أبو اليسر رشيد كهوس

د.أبو اليسر رشيد كهوس/المغرب

جاء في الطبعة الأمريكية من الكتاب المقدس (عند اليهود)الصادرة بالعربية:"فهتف الشعب في القرون عندما نفخوا في القرون. وكان حين سمع الشعب صوت القرن وأطلق الشعب صيحة حرب عظيمة، أن السور سقط في مكانه. ثم صعد الشعب إلى المدينة، وساروا قدما كل في جهة، واستولوا على المدينة. وحرموا([1]) بحد السيف كل ما في المدينة، من رجل وامرأة، من شاب وشيخ، وثور وخروف وحمار"([2]).

وجاء في الكتاب المذكور كذلك:"وأحرقوا المدينة وكل ما فيها بالنار. أما الفضة والذهب وكل متاع من نحاس وحديد أعطوها لخزينة بيت يهوه"([3]). وجاء فيه كذلك:"فجمع داود كل الشعب وذهب إلى ربة وحاربها واستولى عليها. وأخذ تاج ملكهم عن رأسه. وكان وزنه وزنة من الذهب، مع حجارة كريمة؛ فصار على رأس داود وكانت الغنيمة التي أخرجها من المدينة كثيرة جدا، وأخرج الشعب الذي فيها وجعلهم على نشر الحجارة وقواطع الحديد وفؤوس الحديد، وأجبرهم على العمل بصنع اللِّبن. وهكذا فعل بجميع مدن بني عمون. وأخيرا رجع داود وكل الشعب إلى أورشليم"([4]).

وجاء في سفر حَزْقِيال من الكتاب المقدس عند اليهود ما يلي:" لا تشفق عيونكم ولا تترأفوا. اقتلوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء حتى الهلاك. ولكن كل إنسان عليه السمة لا تقتربوا منه. وابتدئوا من مقدسي فابتدئوا من الشيوخ الذين أمام البيت. وقال لهم: دنسوا البيت واملاؤا الديار من القتلى"([5]).

وتكمن الوحشية القتالية عند اليهود في هذا النص من كتابهم المقدس:"ملعون من يمنع سيفه عن الدم"([6]).

أما الحرب عند النصارى فرغم أنهم يعتبرون أنفسهم أهل تسامح وسلام؛ فإن ما جاء في كتابهم يبين حقيقتهم البلجاء، ومما جاء فيه مما افتروه على لسان السيد المسيح ليؤصلوا لحروبهم وجرائمهم:"جئت لألقي على الأرض نارا ، وكم أتمنى أن تكون اشتعلت! وعلي أن أقبل معمودية الآلام([7])، وما أضيق صدري حتى تتم. أتظنون أني جئت لألقي السلام على الأرض؟ أقول لكم:  لا، بل الخلاف. فمن اليوم يكون في البيت خمسة، فيخالف ثلاثة منهم اثنين، واثنان ثلاثة. يخالف الأب  ابنه والابن أباه، والأم بنتها والبنت أمها، والحماة([8])  كَنَّتها والكَنَّة([9]) على حَماتها"([10]). وجاء فيه كذلك:"ومن لا سيف عنده، فليبع ثوبه ويشتر سيفا"([11]).

وفي كتبهم الطوام وكثير من الإجرام، ولولا مخافة التطويل لاستخرجت كل الفقرات التي تتحدث عن البشاعة والوحشية في القتال عند اليهود والنصارى، ولأثبتت من خلال الآيات القرآنية التي تحدثت عن القتال -وهي قليلة جدا-، والأحاديث النبوية الشريفة لخرجنا بنتيجة -والتاريخ شاهد عليها- أن الحروب عبر التاريخ لم تعرف الفضيلة ولا الرحمة ولا العدل مثل حروب الإسلام التي انضبطت بضوابط قرآنية، ولم يقتل فيها إلا عدد قليل من الطرفين، بالمقارنة مع حروب اليهود والنصارى التي قتل فيها ملايين الشعوب، وأبيدت فيها وأجريت فيها الأنهار من الدماء، كل هذا تحت مظلة الدين كما سطروا ذلك في كتبهم المقدسة، وبهذا نرد بضاعة أهل الزيغ والضلال إليهم، ونفسد عليهم رأيهم، ونثبت في النهاية بتأصيل علمي وعقلي وواقعي أن دين العدل والرحمة والفضيلة والسلام هو دين الإسلام.

فلماذا لا ينتقد المستشرقون من اليهود والنصارى هذه النصوص وغيرها وهي كثيرة في الكتب المقدسة عندهم!!!

ولا نذهب بعيدا كذلك ففي تاريخ النصارى أدلة صريحة، وحقائق بلجاء، على التاريخ الدموي النصراني، ويكفي أن نستعرض كتب تاريخ العصور الوسطى،  بل ما قبلها وما بعدها،  مروراً بالحروب الصليبية الدموية، وصكوك الغفران، ومحاكم التفتيش، ومواكبتها للاستدمار والاستخراب، والتنصير القهري... أضف إلى هذا ما مارسته الكنيسة من الطغيان الديني والإرهاب في أبشع صوره،وصنوف التعذيب وألوان النكال و المجازر على مخالفيها من الموحدين عند قيام التعصب الكنسي بفرض عقيدة ألوهية المسيح –تعالى الله عن كفرهم-  في مجمع نيقية الأول عام325م  الذي حضره ألفان وثمانية وأربعون أسقفا (2048) من جميع بلدان العالم بقيادة الإمبراطور قسطنطين باني القسطنطينية، واتفق من أولئك الأساقفة (318) على أن المسيح ابن الله -تعالى  عما يقول الكافرون علوا كبيرا- وأنه مساو له في الجوهر،ثم تكرر التعذيب والنكال عند فرض عقيدة الثالوث (الأب والإبن وروح القدس) ثلاثة أقانيم في مجمع القسطنطينية عام 381م، وما تلا كل هذا من مذابح على مر التاريخ...

ولكن .. يبدو أن الغرب الصليبي المتعصب يتناسى تلك الأنهار من الدماء، وما تلاها  من الدمار، ويتناسى حروبه الصليبية الاستخرابية وخططه الماكرة لاستئصال الإسلام منذ بداية انتشاره حتى يومنا هذا، كما يتناسى تجارته بالعبيد، والتي ظلت حتى القرن العشرين، خاصة ألاعيبه التي تلتها غرس البذرة الخبيثة والغرس المسموم الكيان الصهيوني في جسم الأمة المسلمة في فلسطين، أضف إلى هذا وذاك أنه اتخذ "قارعة" الحادي عشر من أيلول 2001م، وسيلة خبيثة لهدم الإسلام، واستئصال المسلمين...

وهنا أمر من الأهمية بمكان التأكيد عليه هو أن غزوات رسول الله r وسراياه-والتي ابتدأت من السنة الثانية للهجرة، ودامت إلى السنة التاسعة للهجرة- خير شاهد على رحمة الإسلام وفضيلته ودعوته إلى المحبة والسلام؛ فقد أريق في تلك الغزوات والسرايا والبعوث أقل دم عرف في تاريخ الحروب والغزوات، فلم تتجاوز قتلى كلها 1018 ([12]) قتيلا من الفريقين([13])، وكانت حاقنة لدماء لا يعلم عددها إلا الله تعالى، عاصمة للنفوس وأغراض لا يحصيها إحصاء،  باسطة الأمن والسلام والسكينة والطمأنينة في أرجاء الجزيرة العربية كلها، فاتحة عهد السعادة والسلام في المعمورة كلها.

قارن هذا بنتائج الحربين العالميتين: الأولى (1914-1918م)والثانية الكبرى (1939-1945م)؛ ففي الأولى بلغ "«[عدد المصابين 21.000.000] ([14]) عدد  المقتولين 6.400.000 نفس([15])، وفي  الثانية بين 35.000.000 و 60.000.000  نفس »([16]).

أما عن الحملات الصليبية ضد المسلمين فحدث ولا حرج.. وغيرها من المذابح والفضائح التي لا تخطر ببال، وتفوق كل خيال.

فلماذا يتعامى هؤلاء عن كل هذه الجرائم ليلصقوا تهمة سفك الدماء بالإسلام! مع أن التاريخ لم يعرف حربا منضبطة ورحيمة كحروب المسلمين.

               

([1]) أي قتلوا وقطعوا دابر أهل المدينة.

([2]) سفر يشوع، الإصحاح:6، الفقرة: 20و21.

([3]) سفر يشوع، الإصحاح:6، الفقرة: 24.

([4]) سفر صَمُوئِيل الثاني، الإصحاح:12، الفقرات: 29-31.

([5]) الإصحاح:9، الفقرات: 5-7.

([6]) سفر إِرْمِيا، الإصحاح:48، الفقرة: 10.

([7]) جاء في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، في شرحه لهذا القول: (معمودية الآلام): إن المعمودية المؤلمة التي أشار إليها يسوع هي عملية الصلب التي تنتظره. ص2119.

([8]) الحماة: أم الزوج.

([9]) الكنة: امرأة الابن.

([10]) العهد الجديد، (لوقا)، الإصحاح:12، الفقرات: 49-53.

([11]) العهد الجديد، (لوقا)، الإصحاح:22، الفقرة: 36.

([12]) ويدخل في هذه الإحصائية حتى يهود بني قريظة (الذين كانوا بين الستمائة والثمانمائة)، فإذا استثنيناهم من هذه النسبة فيكون العدد أقل بكثير؛ لأن قطع رؤوس بني قريظة –حسب رأيي- لا يعد قتالا، بل هو حكم بالإعدام عليهم بما اقتضاه دستور المدينة -الذي وافقوا على بنوده- في الخيانات والمكائد. وحكم سنة الله في الجزاء من جنس العمل.

([13]) من المسلمين 259 ومن الكفار 759.

([14]) هذه الزيادة من كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص291.

([15]) السيرة النبوية، أبو الحسن علي الحسن الندوي، نقلا عن دائرة المعارف البريطانية، ط/1974م، 19/966.

([16])السيرة النبوية، أبو الحسن علي الحسن الندوي، نقلا عن دائرة المعارف البريطانية، 19/1013.