التدريس من منظور التفكير فوق المعرفي

رؤية جديدة في التعلم

نادية سعد معوض

التفكير فوق المعرفي .. ظهر هذا النوع من أنواع التفكير في بداية السبعينات ليضيف بعدا جديدا في مجال علم النفس المعرفي ، وفتح آفاق واسعة للدراسات التجريبية ، والمناقشات النظرية في موضوعات الذكاء والتفكير والذاكرة والاستيعاب ومهارات التعلم . واختلف المتخصصون في دراسة تعليم التفكير في وضع مفهوم محدد للتفكير فوق المعرفي ، ورغم اختلاف هذه التعريفات إلا أننا نجد تقاربا واضحا في المضمون ، ومن أهم التعريفات ، وأكثرها شيوعا .. التفكير فوق المعرفي .. عبارة عن عمليات تحكم عليا ، وظيفتها التخطيط والمراقبة والتقييم لأداء الفرد في حل المشكلة ، أو الموضوع . وهو قدرة على التفكير في مجريات التفكير ، أو حوله . .وأيضا هو أعلى مستويات النشاط العقلي الذي يبقي على وعي الفرد لذاته

ولقد صدر حديثا  في عمان بالأردن  كتاب بعنوان رؤية جديدة في التعلم (التدريس من منظور التفكير فوق المعرفي) للدكتورة إيمان محمد أحمد الرويثي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض . وتعد نظرية التفكير فوق المعرفي واحدة من أهم النظريات التي يمكن من خلالها التحكم في التفكير كما نتحكم في أفعالنا، ومن هنا كانت أهمية هذا الكتاب الذي يحل عددا من المشكلات في العملية التعليمية التقليدية، تلك المشكلات التي ظلت تؤرق المؤلفة أثناء ممارستها للتدريس.

وجاء الكتاب في أربعة فصول تناول  الفصل الأول تقديم المفاهيم الأساس المرتبطة بالتفكير فوق المعرفي، حيث قامت المؤلفة بتوضيح العلاقة بين المعرفة وفوق المعرفة، مؤكدة أنهما عمليتان تربطهما علاقة وثيقة، فأي نشاط للتفكير يقوم به العقل لإنجاز مهمة معينة ما هو إلا دمج نوعين من الأنشطة وهما: أنشطة معرفية: تستخدم لاكتساب المعلومات والمعارف بكافة أشكالها أو تطويرها، وهي تتضمن مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلة والتفكير الناقد والإبداعي، وأنشطة فوق معرفية: توجه جهود الفرد  وتنظمها وتضبطها وتقومها بهدف اكتساب هذه المعارف وتشكيلها وتطبيقها، وتتكون من مهارات رئيسة هي التخطيط والمراقبة والتقييم.

وقد أكدت المؤلفة أن مهارات التفكير فوق المعرفي ذات أهمية كبيرة في عملية التدريس فهي عمليات ضبط عليا تستخدم لتنظيم أداء الفرد ونشاطاته العقلية والسيطرة عليها أثناء قيامه بمهمة معينة، وهي تشتمل على ثلاث مهارات رئيسة هي: التخطيط والمراقبة والتقييم. وتضم كل مهارة رئيسة عددًا من المهارات الفرعية.

أما في الفصل الثاني من الكتاب تطرقت المؤلفة إلى موضوع الممارسات التدريسية للتفكير فوق المعرفي؛ وهي الإجراءات والسلوكيات التي يقوم بها المتعلم قبل التعلم، وفي أثنائه، وبعده؛ للتحكم في أنشطته المعرفية، وأساليب تعلمه، وزيادة قدرته على التنظيم الذاتي لما يقوم به من مهمات تعليمية بهدف مساعدته على استيعاب المعرفة بصورة جيدة، وتنمية مهارات التخطيط والمراقبة والتقييم وهي مهارات التفكير فوق المعرفي لديه، مما يمكنه من التحكم في تفكيره وتوجيهه بصورة تساعده على مواجهة التحديات المستقبلية والقدرة من التعامل مع متغيرات العصر.

وهناك عدد من الممارسات التدريسية للتفكير فوق المعرفي –مثلت لها المؤلفة- من أهمها: التفكير وفق خطة التساؤلات الذاتية، واستخدام محكات متعددة للتقييم، والتعامل مع عبارة (لا أستطيع)على أنها عبارة غير مقبولة، وإعادة صياغة  الأفكار، وتسمية سلوكيات الطلاب بمصطلحات علمية، وتوضيح المصطلحات التي يستخدمها الطلاب، وخرائط المفاهيم، والخرائط الذهنية، والمعلم النموذج، وسجلات التعلم، والاختيار القصدي الواعي، ولعب الأدوار..

تقول الدكتورة إيمان الرويثي: من أهم المبادئ التي يجب مراعاتها عند استخدام ممارسات التفكير فوق المعرفي أن تتحول مسؤولية التعلم تدريجيا إلى المتعلمين، وأن يكون تعلم المادة الدراسية الجديدة بشكل مرتبط بالمعرفة السابقة المتعلمة وبمفاهيمها القبلية.

وفي الفصل الثالث كان موضوع أدوات التقييم المحور الذي دار حوله هذا الفصل فقد ذهبت المؤلفة إلى أن طرائق التدريس في العصر الحديث دائمًا في توسع حيث تشتمل على الكثير من أساليب البحث والاستقصاء، لذلك أصبح هناك إدراك آخر مشابه في الأهمية، وهو وجوب تعديل أساليب التقييم لتتواءم مع طرق التدريس الجديدة، فلم يعد بإمكان المعلمين الاعتماد على اختبارات الورقة والقلم التقليدية على أنها الوسيلة الوحيدة لتحديد تقدم الطلاب العلمي وتحصيلهم المعرفي، فلكل أسلوب من أساليب التقييم المعدة شكل يتناسب مع نوع محدد من الأنشطة أو التدريس الذي يشترك فيه الطلاب.

وعلى هذا فإن أساليب التقييم المستخدمة في التفكير فوق المعرفي تتعدد وتتنوع مما يساعد على مراجعة الفهم، والتأكد من تحقق النتائج المرغوب فيها. ومن أهم أساليب التقييم المستخدمة في التفكير فوق المعرفي: بطاقة الملاحظة، مقاييس التقييم الذاتي، المقابلات الشخصية، الاختبارات الكتابية، سجل التعلم، الحوارات وبطاقات المعرفة، بطاقات ممارسة مهارات التفكير فوق المعرفي... وهي الأساليب التي قدمتها المؤلفة

بالتفصيل في ثنايا هذا الفصل .

بينما تناول الفصل الرابع من الكتاب نموذج تدريسي مطور للتفكير فوق المعرفي وكانت المؤلفة وهي تضع نموذجها التدريسي المطور للتفكير فوق المعرفي على وعي تام بأن الوضع الراهن للتدريس على مستوى الوطن العربي قائم على الاهتمام بتحفيظ المتعلمين أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تفيدهم في الحصول على أعلى الدرجات، ومعظم المقررات الدراسية يتم تنظيمها على أساس محتوى يغطي ويدرس، وهو الأمر الذي يؤدي إلى فهم غير عميق لما يتعلمه الطلاب، وتزداد المشكلة خطورة في ظل أساليب التقييم السطحية والاختبارات التقليدية المتبعة حاليًا.

ومن هذا المنطلق اقترحت الكاتبة في هذا الفصل نموذجًا تدريسيا مطورا عن دورة التعلم فوق المعرفية التي طورتها (ليز بلانك سنة 2000م) من دورة التعلم التقليدية، حيث قدمت نموذجًا لدورة تعلم فوق معرفية تقوم على خمس مراحل، هي: تقييم المفاهيم والمعارف قبل التعلم (تقييم قبلي)، ثم اكتشاف المفاهيم المراد تدريسها وفق خطة معينة، وبواسطة التساؤلات الذاتية (اكتشاف المفهوم)، وبعد ذلك تقدم المفاهيم المكتسبة بالحوارات والمناقشات (تقديم المفهوم)، ثم تطبق هذه المفاهيم في مجالات جديدة (تطبيق المفهوم)، ومن ثم تقييم المفاهيم المكتسبة بعد التعلم (تقييم بعدي)، وذلك بإعادة التأمل والتفكر في المفهوم الذي تم تدريسه والطريقة التي تم التعلم بها. ووضعت المؤلفة في نهاية الكتاب  ملحق لنماذج تطبيقة في التدريس باستخدام الممارسات التدريسية للتفكير فوق المعرفي.

ولقد وجدت المؤلفة في التفكير فوق المعرفي ممارسات تدريسية مميزة، يمكن أن تتوافق مع جميع أساليب التدريس واستراتيجياته، حيث صممت هذه الممارسات لتساعد المعلمين على التحكم الواعي المقصود لتفكيرهم ومن ثم أفعالهم، فيمكنهم من خلال ذلك أن ينظموا عملية تعلمهم، ويخططوا للمهمات التعليمية التي يقومون بها، فهي تدربهم على كيفية صياغة أفكارهم، كما تنمي لديهم الاتجاه نحو السعي والمثابرة للحصول على ما يحتاجونه من معلومات، فهو – على حد تعبير المؤلفة- كالإدارة الداخلية التي يمكن للطالب أن يستخدمها لتتولى تفكيره وتوجهه بشكل لا يتحكم فيه الاندفاع وتداعي الأفكار.

وقد كانت منطلقات المؤلفة في هذا الاتجاه ذات نزعة قرآنية، حيث خرجت من قوله تعالى:إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. إلى أن القرآن دعانا إلى التفكر والتأمل وعدم الاكتفاء بمظاهر الأحداث أو الفهم السطحي للأشياء، بل إنه يتجاوزه إلى الفهم العميق لهذه الأشياء وتوظيف الفهم والخبرة للتأمل في الظواهر والسلوك بهدف اكتشاف الحكمة من وجودها والاتساق بينها.

وهناك العديد من الدراسات التربوية التي أشار إليها الكتاب التي أكدت نتائجها أهمية الممارسات التدريسية للتفكير فوق المعرفي وفاعليتها في العملية التعليمية.

الكتاب: رؤية جديدة في التعلم (التدريس من منظور التفكير فوق المعرفي)

المؤلف: الدكتورة إيمان محمد أحمد الرويثي

الطبعة : الأولى -2009م

عدد الصفحات: 204صفحة من القطع المتوسط

الناشر: دار الفكر للنشر والتوزيع – عمان  – الأردن