خُبثُ المنافقين

خُبثُ المنافقين

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected] 

روى الحِب ابن الحِبّ أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه كان ولداً لم يبلغ الحلم حين ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حماره، وأردف أسامة وراءه قاصداً سعد بن عبادة رضي الله عنه سيّد الخزرج وذلك قبل غزوة بدر الكبرى بفترة وجيزة - يعوده من مرض ألمّ به- ، ومرّا بمجلس فيه عبدالله بن أبيّ بن سلول وذلك قبل أن يظهر الإسلام .. فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين واليهود والمشركين عبدة الأوثان، وفي المسلمين عبدالله بن رواحة رضي الله عنه الشاعر الذي نافح عن الإسلام والمسلمين بشعره ، وكان بعد ذلك من قادة مؤتة الذين استشهدوا قبل أن يستلم الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه.

فلما مرّت بهم الدابّة غشيت مجلسَهم عجاجَتها ( أي الغبار الذي تثيره الدابة وهي منطلقة).. فخمّر ابن أبيّ أنفه بردائه، وقال: لا تُغبّروا علينا، فاغتنمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وسلّمَ عليهم ، ووقف عندهم ، فدعاهم إلى الله تعالى، وقرأ عليهم القرآن الكريم .

فقال عبدالله بن أبيّ : أيها الرجل؛ لا أحسَنُ مما تقول، إن كان كلامُك حقاً !!.. ولا نرغبُ أن تأتي فتكلمنا في مجالسنا به، ولك الحريّة الكاملة أن تحدّث من يأتيك ، ونحن الآن لا نرغب بهذا ... أسلوب خبيث نسميه بلغة العصر (ديبلوماسي).

 قال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه: بلى يا رسول الله فاغشنا في مجالسنا، وادعنا إلى الله ، وعظنا ، فإنا نحب ذلك. فاستبّ المشركون واليهود من جهة والمسلمون من جهة أخرى ، وعلت أصواتهم، وكادوا يثورون متحاربين لولا أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- اجتهد في تهدئتهم وإصلاح ما بينهم حتى سكنوا، ثم ركب - صلى الله عليه وسلم - دابته، وسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : أيْ سعد ألم تسمع ما قاله أبو حباب ؟ يريد ابن أبيّ، فإنّه قال كذا و كذا .....

فقال سعد: أيْ رسول الله ، بأبي أنت، اعفُ عنه، واصفح، فوالله الذي أنزل عليك الكتاب، لقد جئتَ إلينا، وأهل المدينة من الأوس والخزرج قد اتفقوا على تتويجه ملكاً عليهم، وكاد الأمر يكون، فردّ الله ذلك بالحق الذي أعطاكه من النبوّة والرسالة، فغصّت نفسه، وعدّك سلبته ملكه، فكان منه ما كان. فعفا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .

وكان الرسول الكريم، وأصحابه يعفون - أول أمرهم- عن المشركين وأهل الكتاب، ويصبرون على الأذى امتثالاً لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية 186 :

( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) .

 وقال تعالى في سورة البقرة الآية 109 :

(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

حتى أذن الله تعالى لرسوله في القتال في سورة الحج الآية 39 :

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) .

فلما نصر الله سبحانه رسوله والمؤمنين في غزوة بدر نصراً مؤزّراً، فقال تعالى في سورة آل عمران الآية 123:

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وقتل الله بها من قتل من صناديد الكفار، وسادة قريش، وقفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه غانمين، أعزّاء، معهم أسارى الكفار أذلاء مقهورين. قال ابن أبيّ بن سلول ومن معه من المشركين عبدة الأوثان :

لقد صعد نجم محمد وأصحابه، وليس لنا من حيلة، فهلموا فأظهروا الإسلام وبايعوا ..... فكانت وجوهُهم وجوه َ المسلمين وقلوبُهم قلوبَ الكفار.

فـي الـدرك الأسفل، في النارِ
مَـن  كـان يـحوك لنا iiسوءاً
ويـخـون  الـدين إذا iiاستترا
فـإذا يـلـقـاك بـدا iiحـذراً
ويـريـك  لـسـانـاً معسولاً
ويـداري مـا أمـكـن iiعـنا
فـتـحـرّكـه iiوتـصـرّفـه
وسـيـبـقـى  مـحتقراً iiأبداً
وسـيـصـلـى  نـاراً موقدةً









مَـن كـان جـلـيـس iiالكفارِ
ويـصـاحـب كـلّ iiالـفجار
ويـريـد لـنـا كـلّ iiعـثار
ويـجـيء  بـسـمت الأبرار
وحـقـيـقـتـه  سـمّ هـارٍ
هـيـهـات  فـمـخبرُه iiعارٍ
يـفـضـحُ مـا خلف iiالأستار
ويـعـيـش بـذلّ iiوشـنـار
في الأخرى، يا سوء الدار! [1]

(1) الأبيات للمؤلف .