النص القرآني عند محمد شحرور
10
ياسين سليماني
المبحث الثاني: نقد آراء شحرور في التأويل:
1. حول النبي (ص) والتأويل:
رأى شحرور في المعرفة الكاملة لتأويل التنزيل الحكيم، أن الله وحده العالم بتأويله من بدايته إلى نهايته، وأن النبي (ص) لا يعلم تأويله كاملا لأنه سيكون مشاركا لله في علمه.
والحقيقة أن الرسول ما هو إلا مبلغ للوحي، حيث قال تعالى:" إنما أنذركم بوحي"(1) وقال أيضا
" وما ينطق عن الهوى"(2)
وأراد شحرور - حسب أحد الدارسين- أن يلغي دور الرسول الأكرم ودور رسالته في حياتنا المعاصرة، وهذا ما يظهر جليا حيث يقول بأن المطالبة بتطبيق الشريعة والسير بموجب القرآن الكريم من الأخطاء الشائعة عند فقهاء المسلمين(3)، فقال:" إني أنوه بالخطأين الشائعين جدا من قبل المسلمين وهما:
أ/ المناداة بأن دستور الدولة هو القرآن.
ب/ خطأ المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
بل بلغ بهذا الدارس أن يسمي كلام شحرور بالكفر الصريح استنادا لقوله عز وجل:" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" (4)
وأن هذه الأفكار وليدة النظرية الماركسية التي عششت في ذهن الكاتب وسيطرت على دماغه.(5)
ويضيف هذا الدارس قائلا:" ادعى (أي شحرور) أن الرسول لم يكن عالما به (بالتأويل) وزعم مفتريا أن تأويله هو من اختصاص الفلاسفة وعلماء الطبيعة وفلاسفة التاريخ، الذين يريدهم شحرور أن يكونوا ورثة النبوة.(6)
كذلك فإن فكرة شحرور حول عدم معرفة النبي (ص) لتأويل القرآن كاملا تتنافى مع دعائه(ص) للإمام علي وابن عباس أن يعلمهما الله التأويل، فإذا دعا لهما بذلك فلأن معرفته ممكنة، وإذا كان من الممكن لعلي وابن عباس معرفة التأويل ( بالألف واللام) فالأجدر أن التأويل يعلمه النبي (ص) لأنه صاحب الرسالة وليسا هما(7)
2. حـول قواعـد التأويـل:
من الأخطاء التي وقع فيها شحرور، قوله بعدم وجود الترادف في التنزيل الحكيم، وعدم تفريقه بين الأصل في القاعدة وبين استخدامها في التعبير.
يقول "الشدياق" في كتابه "الساق على الساق":
" الترادف ليس أصلا في اللغة، ولكنها ألفاظ كانت متقاربة الدلالة ذهب تداولها على مرّ العصور بالفوارق الدقيقة بينها، فبدت لنا نحن المتأخرين مترادفة، على أني لا أذهب إلى أن الألفاظ المترادفة هي بمعنى واحد وإلا لسموها متساوية، وإنما هي مترادفة بمعنى أن بعضها قد يقوم مقام بعض"(8)
وهذا الكلام نطمئن إليه، ولا ننسى أن التنزيل الحكيم جاء معجزا بألفاظه ومعانيه للعرب الذين كانوا يملكون ناصية اللغة، واستعمال الترادف كثير في الشعر " فكم من موضع في القصيدة يتطلب السياق فيه لفظا معينا إلا أن ضرورة الوزن أو القافية تملي على الشاعر استخدام صفة اللفظ المطلوب أو لفظا أخر قريبا منه في دلالته، ليقوم مقام ذلك اللفظ، ثم يغدو أخيرا في الاستعمال مرادفا له" (9)
وإذا كان الشعر الجاهلي قد استعمل الترادف، فقد جاء القرآن بعده واستخدمه أيضا على عادة اللسان العربي، فذكر الكتاب والذكر والفرقان وعنى بها القرآن، وهذا ما اتفق عليه المسلمون منذ قرون.(10)
· نلاحظ أن الأساسين الثاني والثالث من القاعدة الأولى التي طرحها شحرور للتأويل متماثلان ولا حاجة للتفريق بينهما، وكان جمعهما في نقطة واحدة أفضل، ومفادها أن المعاني هي أساس الحديث لا الألفاظ، وهذا ليس بجديد، وذكرها كأساس للتأويل لا يفيد في شيء.
· يرى شحرور أن النص اللغوي لا يفهم إلا على نحو يقتضيه العقل والمطابقة الموضوعية أو العقل فقط "الاستقراء" فيما يتعلق بالغيبيات، وهذا ما لا يمكن على الإطلاق/ في ما يخص الأخيرة – الغيبيات- إذ كيف نستخدم "العقل والاستقراء" في معرفة شكل الجنة والنار مثلا، أو الملائكة؟ أليست هذه من الغيبيات فكيف نستخدم الاستقراء؟ وهذا الأخير هو التدرج من الجزء إلى الكلّ.
· أمّا فيما يخص مطالبة شحرور بضرورة معرفة فقه اللغة خاصة في أفعال الأضداد والتي يعطي عنها أمثلة " كتب- بتك"، " علق- قلع"، فلم يوضح فائدتها، ولم يستخدمها في كامل كتابه، وهذا ما ينقص من أهمية فكرته هذه.
· والحقيقة أن التكرار لا يقف عند القاعدة الأولى ولكن يمتد إلى القاعدة الثالثة والرابعة، فهو حين يطالب بالترتيل بمعنى تجميع الآيات المتفرقة في موضوع واحد وقراءتها متتالية، ثم يطالب في القاعدة الرابعة بعدم الوقوع في التعضية، أي فصل آيات الموضوع الواحد بعضها عن بعض، ففي النهاية هو أمر واحد، أي أن الترتيل بهذا المعنى هو نفسه عدم الوقوع في التعضية والأمر ينسحب أيضا على القاعدة السادسة والأخيرة، التي يسميها "قاعدة تقاطع المعلومات" فهي لا تبتعد عن فكرة تجميع آيات الموضوع الواحد لفهمها بشكل كلّي.
· إن مطالبة شحرور بترتيل القرآن بالمعنى الذي أراده مخالفة صريحة لكل أراء العلماء وما كان يحدث في وقت النبي (ص) نفسه تفند ما ذهب إليه شحرور في فهمه لكلمة " ترتيل" وأكثر من ذلك هو طعن في التنزيل الحكيم نفسه، فترتيب الآيات والسور جاء عن طريق الوحي ولا علاقة للاجتهاد به، بمعنى أنه أمر وقفي، وتدخل شحرور في هذه الفكرة بالتحديد تدخل في المسلمات ومحاولة زعزعة أركان مستقرة منذ قرون.
· يقول شحرور " فالتعضية هي قطع السيف إلى قطعتين والحصان والسيارة، وبذلك تفقد هذه الأشياء قيمتها"(11). وهو في هذا المقام يشبه تعريف الآيات في الموضوع الواحد على ما هو عليه في التنزيل الحكيم هو مثل تقسيم الحصان والسيف والسيارة كل إلى نصفين، بمعنى أن الآيات بهذا الشكل المعروف هي من باب فقدان الأشياء قيمتها، وهذا ابتعاد كلي عن المنهج العلمي، وعدم فهم للحكمة الإلهية في إنزال موضوع آدم وغيرة في سور متفرقة.
وشحرور لا يطالب بتجميع آيات الموضوع الواحد في حالة معينة من الدراسة أو التعلم، فهذا موجود عند كل العلماء، وقصص الأنبياء مثلا استمدت من خلال قراءة كل الآيات الواردة في الموضوع الواحد، ولكن شحرور يريد إعادة ترتيب سور وآيات التنزيل الحكيم من جديد، لذلك فهو يقول:" أهم نتيجة نستنتجها من قاعدة الترتيل هي ترجمة الكتاب إلى لغات غير عربية حيث أن الترجمة الحرفية للآيات بالتتالي الموجودة في الكتاب تعتبر ضربا من ضروب مضيعة الوقت حيث تشوه المعنى. .
ولكن يمكن ترجمة الكتاب مرتلا حسب المواضيع الواردة فيه مع شرح هذه المواضيع من قبل أخصائيين وكل موضوع على حده"(1)
إن أي تبويب جديد وتقديم وتأخير في أثر من آثار كاتب ما يعتبر مساسا بالكتاب والكاتب على السواء، لأنه ليس من حق أحد غير المؤلف أن يقوم بذلك، فكيف الحال – ولله المثل الأعلى- مع التنزيل الحكيم الذي جاء من عند الله، إن ذلك أولى.
· تأويل شحرور لآية " فلا أقسم بمواقع النجوم"(2) وفهمه للنجوم بأنها التواصل بين الآيات لا النجوم في السماء لا يستند إلى أي مبرّر، حيث زعم أن لهذه الفواصل أسرارا خاصة أقسم الله بها في الآية المذكورة دون إثبات أو دليل(3)
1- سورة الأنبياء، الاية45.
2- سورة النجم، الآية 43.
3- منير محمد طاهر الشواف، تهافت القراءة المعاصرة، الشواف للنشر والدراسات، ط1، 1993، ص03.
4- محمد فاروق ألخالدي، التيارات الفكرية والعقدية في النصف الثاني من القرن العشرين، ص 286.
5- المرجع نفسه، ص 288.
6- المرجع نفسه، ص 289.
7- عبد الرحمن الميداني، التحريف المعاصر في الدين، دار العلم، دمشق، سوريا، ط1، 1997، ص15.
8- الشدياق، الساق على الساق، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، دط، دت، ص80.
9- سليمان جبران، الترادف غنى أم ثرثرة، مقال بعث به إلينا بتاريخ 17 أفريل 2009.
10- يفرق شحرور بين هذه الألفاظ وسنتناولها بالتفصيل في الفصل الثالث.
11- شحرور، الكتاب والقرآن، ص198