عجلون وباعون

محاضرة في القاعة الهاشمية في محافظة عجلون

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

قلعة عجلون  منذ 1184م

لمناسبة احتفالات الأردن باستقلاله "

يوم الأحد 22/6/2008م

باسم الله وكفى ، الذي   إذا رفعت الحرف الأول منه لا  نقول  أسقطته  بقي لله وان رفعت الثاني بقي له وان رفعت الثالث بقي هو الله وان أبقيت "ال" منه بقي ايل في اللغة  السريانيه بمعنى الله كما في أسماء عباد الله الملائكة والأنبياء إصرافيل وميكائيل،  وإسرائيل، "فيا الله اجعل جمعنا مرحوما ،والشيطان عندنا مرجوما ،وعلمَ الاردن خفاقا في الورى معلوما، وطهر أرضنا من الأرجاس من جنة وناس ، وارفع رايات المسلمين عالية منتصرة ، يا الله يا ارحم الراحمين ،وصلِّ على أصل الشجرة النورانية النور الذاتي والسر الساري في الأسماء والصفات ، الذي أنزلت عليه أمرك الأول "اقرأ "فتكونت أمرية القراءة بفهم ،كما تكوَّن الإنسان من علق ، وعلى اله وعترته الأطهار وصحبه الأخيار عدد ما مضى من ثواني  و ثوالث  الليل والنهار ،أو سيمضي منهما في أزمان الأفلاك ودوران الكواكب فيها عبر الأ دهار  أيها السميع الشاهد الجبار.           .

  عطوفة مدير ثقافة عجلون ،والأجهزة الأمنية ، أصحاب العطوفة ممن فاتني ذكرهم ، السادة الحضور والسيدات ، الحفل المبارك ، سلام الله عليكم ورحمة الله في هذا اليوم المبارك ، إذ نحتفل فيه بمجموعة أعياد وطنية ، مضمونها عز واستقلال  ، عزيزة كلها علينا ، ذكرى الثورة العربية الكبرى التي تمردت على أتاتورك وجمال السفاح ، وطاب  الموت يومها للعرب ،فهبوا من أصقاع الأرض يطالبون بتحريرهم،فتشكلت للعرب نواة التوحد تحت راية واحدة ، وقيادة واحدة ، آخذة بالمثل العربي القديم الحديث "في اجتماعكم قوة لكم " وحكمة الوالد لأولاده:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا          وإذا افترقن  تكسرت آحادا

 ونحتفل كذلك بيوم الجيش واستقلاله من ربقة الانتداب البريطاني، ليس لان  الحسين رحمه الله  رفض تجديد الانتداب فحسب،بل لأنه اتخذ  قرارا جريئا حكيما وان شئت قلت مغامرا  بطرد الجنرال  كلوب ، اتخذ قرارا من ملك شاب حديث العهد آنذاك  بالحكم ،واتكل في قراره على الله الواحد الصمداني ، و على وفاء شعبه ، فسلم الراية لقادة الأردن ،فحملوها قادة اكفياء مخلصين، وأدوا حقها في الدفاع ليس عن الأردن فحسب بل دافعوا عن ثرى فلسطين والجولان ولسان حالهم قول الشاعر:

غلام  وغى  تقحمها  فأبلى          فخان بلاءه الزمن الخؤون

فكان على الفتى الإقدام فيها         وليس عليه ما جنتِ المنون

ونحتفل بذكرى تسلم الراية من مؤسس لبان لموطد ، بعزم متخذا من الأردن أولا شعارا ،علنا وإسرارا ،يرفع علم بلاده ،في محافل العالم ليلا ونهارا ، ليبقى الأردن  كما في معاجم البلدان بمعنى  الغلبة  والشدة ،لا بمعنى النعاس ، في زمن تتغلب فيه قوى الظلم والهيمنة الكبرى، فتستقوي على الأمم الصغيرة ، بقوة السلاح ،متناسية أن للروح صولتًها ،في قهر المادة، وان طغت الأولى ونجبَّرت ، واستعلت حينا وتكبرت  ، فان لعالم الحق المشوب بالصبر والوعي عن عقيدة صادقة ألف دور ، يتزلزل فيها عتاولة التجبر والقهر والطغيان العالمي،  والأمثلة كثيرة لا تحصى ، فمحبة الثرى الوطني من عقربا إلى العقبة ومن شرق الأردن لغربه واجبٌ مقدَّس ، يذادُ عن كلِّ ذرة تراب فيه بالغالي النفيس ، لانَّ محبة الوطن جزءٌ من الإيمان، وقولُ الرسول الكريم شاهدُ حقٍّ في مكة المكرمة " والله انكِ لأحبُّ  بلاد الله  إليَّ ، ولولا أنَّ اهلك أخرجوني منك ما خرجت "والإنسان يحبُّ  رحمَهُ الأول الذي تخلق فيه فيحبُّ لأجله أمه وأباه ، ويُحترَمُ لاحترامه أبويه ،ثم يُحبُّ بيتَهُ الذي سقط فيه رأسه ، ثم يبدأ عادة يتوسع في دوائر محبة البيئة التي نما فيها ومنها اعتاش وترك بصماتهِ عليها ، ومحبة الوطن الصغير ، أولا ، يعني في حساب الأرقام  أنَّ الأردني يحب بلاده العربية قطرا قطرا ثانيا وثالثا ، ورابعا وعاشرا ، واثنين وعشرين  قطرا عربيا ،وخمسة وخمسين قطرا إسلاميا  ،ولا يُعابُ عليه إن أحب بلدَهُ الأردن أولا  ، تماما كما يحبُّ  كلٌّ  من  المصري والعراقي والفلسطيني وطنه أولا، ولا  يُعابُ على أي منهم  محبته لوطنه الأول، بل من الأولى أن بُعاب على كلِّ أردني أن يكون قد أحبَّ الأردنَّ ثانيا لا أولا ، لا سيما قد نمت من هوائه رئته ،و اشتد عظمه على ثراه  ،ونما لحمُه من خيراته ،كما يمكن آن يعابَ على كل إنسان لا يقضي لوطنه الأول حبَّه الأول،على أنَّ ملحظة مهمة هي ألا يزدري الإنسان غيره من بلاد الأقارب والأجانب،  فها نحن  الارادنة  نحبُّ وطننا الاردن أولا  ودينَنا قبله فيه والأخلاق النبيلة التي يتحلى بها أي إنسان في العالم ، ونحبُّ البيئية النظيفة الخالية من ارجاس الظلم، والعفونة من أدران الناس ، ونحبُّ فضائل البشرية جمعاء ، غير أن الخطورة التي نحذر منها ،  هي أن نحبَّ أنفسَنا فحسبُ ،،فقول الرسول الكريم ماثل فينا " والله لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه "أفلا ينبغي أن  ننظر لغيرنا نظرة دونية، فنتخذَ من إبليس مثلا  سيئا "أنا خير منه "نحبُّ الاردن الذي ضحى لأجله الارادنة ودفعوا مهور الدم من أبنائهم للذود عنه ،ولرفع رايته، بل لتظلَّ راية الله هي العليا ،ومئات الشهداء وآلافُ الجرحى ما زالت جراحهم تنزُّ دما ، ريحها مِسكي ، وجثامينهم التي نقلت من جانب الأقصى، ودفنت في يبلى العبيدات، لم تصب بالبلى من أربعين عاما ، لأنهم شهداء حقا ، بل هي  صورة مكررة لجثمان لم يبل في شجرة الرمثا للملازم الأول الشهيد محمد عقلة الربابعة رحمهما الله وجميع شهداء المسلمين ، الذي استشهد في 18 نيسان عام 1948م، تكفل الله بحفظ أجسادهم من البلى، كما ضمن حفظ جسد نبيه سليمان عليه السلام بدليل قوله  " ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خرَّ تبينَّت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين" (سورة سبأ34/14)

بلاد   مات    فتيتها   لتحيا        وزالوا دون قومهم ليبقوا

وحرِّرت الشعوبُ على قناها         فكيف على قناها تسترق ؟ا

(الشوقيات :احمد شوقي،دار الكتاب العربي ، بيروت ط1، ج2ص76)

عطوفة مدير مديرية ثقافة عجلون ،أيها الحضور الكرام، أن لمحافظة عجلون سماتٍ تنماز بها عن كثير من بقاع الأرض، و عن الاردن العزيز منها ، إنها مثوى الأنبياء ،ومنها  أنَّها أم لحصن حربي ، ومنها  أنها أم لمسجد الظاهر بيبرس الشركسي ، ومنها أنها  أم الجمال الطبيعي الستدسي ، ومنها  أنها أم العلماء خاصة علماء البواعنة الذين جذروا  للأردن علما وثقافة  ،ومنها حديثا أنها أم لأقدم معهد معلمات  للإناث الذي تخرج فيه ألوف المعلمات الفواضل عبر خمسين عاما مضت، فعلمن مأجورات الآلاف المؤلفة من بنات جنسهن ، فأحسنَّ، فجزاهنَّ الله عنا خيرا، وجزى خيرا من أمر بإنشائه ،وقصَّ شريط افتتاحه ،فعسى الله تعالى  أن يسجله له في ميزان حسناته ، وان يرجح  به كفة ميزانه ،إذا خفت يوم الحساب ،والمعهد  اليوم ترقل في مقره كلية عجلون الجامعية من جامعة البلقاء التطبيقية ، وعن قريب ستنطلق جامعة عجلون الأهلية ،لترفع شعلة العلم على هام بواباتها بإذن الله ، ولعجلون مزايا تزخر بها هذه المحافظة ذات العباءة السندسية ، في ظلال راية هاشمية حرصت على نهضة الإنسان عبر سبعين سنة خلت.

أمّا  عجلون مأوى   الأنبياء فانَّ مار الياس الذي بين اشتفينا والهاشمية،شاهد ماثل ، تعبَّد فيه النبي الياس عليه السلام منذ آلاف السنين فطهرت بتوحيده بقاع عجلون من الشرك والوثنيه ، وآثاره شاهدة للعيان يمكن لأهل الديانات الثلاث ،أن يزوروا معبده في ديره المذكور، من جانبيه الديني والسياحي ، مما يعني أن الاردن عامة احتضن تبتلات عيسى المسيح غليه السلام ، شرقي نهر الاردن ،فعبد المسيح صلى الله عليه وسلم  ربه في المغطس فكان  ثاني اثنين  يعبد الله على ثرى الاردن الطهور،وكان قبله موسى عليه السلام مرَّ قادما من مصر على شيحان الكرك، وصياغة مادبا"نيبو"  متجها إلى الأرض المقدسة ، وختم الطهارةَ خاتمُ الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، ليلة إسرائه ومعراجه ، فمرَّ على قبر موسى، وهو قائم بين يدي الله يصلي، فهل  يدلُّ هذا على أنَّ المؤمن ينشط  في قبره ويمارس  عمله، كما كان في دنياه إن خيرا فخير وان شرا فشر، أو أنَّ هذا النشاط مقصور على الأنبياء فحسب ؟  اللهم حسِّن أعمالنا على الحالين ومتعنا بها في دنيانا ويوم نصير في القبور تحت اللحود أيها الرب المعبود.

أمَّا قلعة عجلون الرابضة غربيَّ المدينة على مربأ  مشرف على الغور على ثلاثة كيلو مترات ، فبناها عزُّ الدين أسامة بأمر صلاح الدين الأيوبي عام (1184م)قبيل معركة حطين بثلاثة أعوام ،وقد بُنيت قلعة السَّلط بعدها بثلاثة أعوام ، وقد اختير موقعها مشرفا على الغور،  بزوايا تناظرية ،لرصد الأعداء وتمرير إشارات الخطر عن الصليبيين ليلا بنار ودخانا بنهار ، وكانت القلعة مستودع أسلحة "زردناخاه " وما زالت الدراوي تحيط بالقلعة دفاعا قنفذيا، واسعة من داخلها للرمي ، دقيقة من خارجها لتقليل الخسائر، يحيط بالقلعة خندق عريض عميق ، عليه جسر خشبي يرفع ليلا، فتصير القلعة جزيرة محمية بسهام ، وبخندق عميق وعريض بآن ، يصعب أن تقفز من فوقه الخيول  الجياد إرضاء لخواطر فرسانها ، مما يثبت مقدرةَ المسلمين على  استيعاب نظرية الحصون في عصرهم  دفاعا واستطلاعا واقتصادا في الجهد واكتفاء ذاتيا في تكديس الأسلحة من جهة ،والحبوب فيها  ،من جهة أخرى، إذ كانت قلعة عجلون مستودع حبوب مما تجود به  سلة سهول حوران  من بلاد الشام ، وقد عاش في عجلون شعراء كفانا مئونة البحث عنهم ،وان كان الباحثان  قصدا  من الدراسة جمع الشعر وتحقيقه من مظانه أكثر من تحليله ودرسه أدبيا ضمن طاقات اللغة  على تقديرنا لجهود أستاذنا قاسم المومني ، وزميله " شعراء عاشوا في عجلون "آجرهما الله واخذ بأيديهم إلى الفلاح ، إذ فتحا للباحثين أبوابا كانت موصدة ، وتركاها مرحبة بالولوج إليها.

أمّا أقدم مساجد عجلون فمسجد الظاهر بيبرس الشركسي الذي بناه في وسط المدينة ،وأقام تكيَّة يتعلم الطلبة فيها العلوم الشرعية مجانا، وما يزال المسجد وآثار التكية  من ثمانية قرون شاهدين ، ينضاف إلى جهوده في إعماره قبور الصحابة كابي عبيدة ومقامات الشهداء في مؤتة ،إلى أن هدى الله  الحسين طيب الله ثراه فأمر بإعادة الأعمار لأضرحة الصحابة كما تثبتها الشواهد المرقومة عليها ،ولنجله الشاب الملك عبد الله الثاني دور مكمل فجزاه الله  كذلك خيرا ،وزاد من حسناته ،على أنَّ المآذن المخروطية مأثرة من عهد مملوكي شركسي ، عهدناها معماريا ، وما تزال شجرة عتيقة تقابل مسجد عجلون البيبرسي ، لعلها  ما تزال  تتحنَّنُ إلى ذكر الله ،فظلت تطاول حنجرة الفضاء ، ويكاد يبلغ طولها سماعات المئذنة ، وقد كانت عجلون في عصر بيبرس زاهرة ، وقد التجأ  الظاهر بيبرس إلى قلعة عجلون فترة أعاد فيها تنظيمه، بعد أن خرج من مصر خائفا يترقب ، وبعجلون  نجا  من مطاردة خصومه له ، ثم عاد لمصر، و قاتل التتار مع السلطان قطز اشد قتال ،  في  المعركة  الفاصلة "عين جالوت"، وقهرهم قرب بيسان عام (658م) وردَّهم  شذر مذر مرعوبين ،على خراذيلهم مهزومين ،ومن التتار من هداه  عقله  إلى الحق  فاسلم ، بعد أن كانوا عاثوا في بغداد فسادا، سنتين كاملتين ،اهلكوا الحرث والنسل ودور العلم،لأنهم أعداء الإنسانية  والحضارة ،وإلا فكيف يبغون على ارث البشرية نهبا وسلبا كأيامنا هذه ؟ فهل التاريخ يعيد نفسه ؟ فسلام على بيبرس في الخالدين، وسلام على صلاح الدين من قبله، الذي بنى القلعة ومنها كانت تنطلق الجحافل إلى حطين الفاصلة عام(1187م) ثم انطلقت في ما بعد إلى عين جالوت ، بل من غور الاردن الشمالي أسقى صلاح الدين بعض ملوك الفرنجة والاسارى عصيرا مثلجا لعله من جبل الشيخ  باردا، ومحلى في ما يقال  بسكر الغور الشمالي ، وما يزال في الغور تل السكر شاهدا على ذلك ،  في وقاص ، جنوب تل الأربعين ، قرب مثلث الزمالية ، ولعله اسم على مسمى ،فهل يزرع السكر اليوم بدلا من بعض مزارع البندورة التي لا يقطفها  أصحابها أحيانا لرخصها ، بغية تقليل سعر كيلو السكر الذي يتعناه الأردني بخمسة وأربعين قرشا أردنيا  هذه الأيام (2008م)؟

أمَّا جمال عجلون فسندسي ، ذو عباءة خضراء بلون البلوط والصنوبر والزيتون ، دائم الخضرة ، يصدح الطير على افنانها ويقيلُ في ظلالها صباحا، ويغطُّ في نوماته بين غصونها مساء  ،يغدو خماصا ويعود بطانا ، يسبِّح الخالقَ الذ ي يرزقه ولا قوت يكنزه تهبُّ عليه أنسام اشتفينا وأرواح الدلب في وادي الريان واعباق وادي كفرنجة وعنجرا ، فبشفى العليل بهباتها ، و ويرتشف الماء النمير من عين التنور وعين جنا وعين التيس وعيون تضج بالحيوية والنماء ، ولعل ذوائب النعناع  ما تزال تمد ذوائبها في كل اتجاه تحيي الناظرين اليها من كل مكان ،تنشر عليهم من فوحها عطرا . وكروم العنب قي عبين وعبلين وصخرا تتأخر عن الموسم ، فيقطف جنيها في تشرين ثان  وكانون ، آما فواكه الوديان فغالبا تموزية آبية "في تموز يستوي العنب والكوز " أما في آب فاقطف القطف لا تهاب "ولعل اسم عين جنا مأخوذ من عين جنة و عيون الوادي فيها قد تنبجس  بعدة ضربات من فأس حادة ،أما إذا جاد الغيث وعم فتنفجر عيون لا تكاد نحصى ،في راسون وعرجان وباعون وغيرها

أمَّا عجلون علميا فنسب إليها عدد من العلماء يمكن دراستهم في الضوء اللامع للسخاوي والشوكاني في" البدر الطالع من بعد القرن السابع "بل عند ابن حجر العسقلاني في "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة "و السيوطي في كتابه "نظم العقيان في أعيان الأعيان" والغزي في "الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة" وعبد الغني  النابلسي في كتابه "نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبي المخنار" الذي عدَّ عائشة الباعونية من أشعر الشواعر، وهي عنده ابلغ من ابن حجة الحموي في كنابه "خزانة الأدب وغاية الأرب "وابن الحنبلي في كتابه "در الحبب في تاريخ اعيان حلب ،والحنبلي في كتابه "شذرات الذهب في أخبار من ذهب "وعند عمر رضا كحالة في كتابيه "معجم المؤلفين وأعلام النساء "ويمكن  أن تحد لعلماء  عجلون ذكرا  تحت لقب عجلوني قي أعلام الزركلي، وغير ذلك كثير، ولعلَّ من أهم ما بذكر عن علماء عجلون أن كوكبة من البواعنة من ذرية ناصر الباعوني التي ولد فبها نحو سنة (750ه)قد أنجب  من ذريته عشرة أعلام خلال مائة وخمس وسبعين سنة في العصر المملوكي ، تركوا من آثارهم (53) ثلاثة وخمسين أثرا في مجالات العلوم المختلفة من شعر وفقه وإفتاء وسير وتصوف ،كان منهم إبراهيم عم الشاعرة عائشة الباعونية يسمى " شيخ الديار الشامية "أمَّا عائشة الباعونية فبلغت مؤلفاتها (25) حمسة وعشرين مؤلفا ،بين مخطوط ومفقود ومطبوع ، قمنا بالاشتراك مع الدكنور احمد حسن ربابعة بإصدار كتابنا المشترك الموسوم ب"أسرة ناصر الباعوني العلمية في العصر المملوكي ، ذكرنا عنوانات مؤلفاتهم وأماكن كل مخطوط في ما وسعه جهدنا ، وطلبنا من وزارة الثقافة نشر يعض ما لدينا من مخطوطات لأنها تجذِّر للثقافة الأردنية من نحو ثمانية قرون سلفت ، ومشروعنا ما يزال من عدة أشهر   للدرس ولا ندري متى ينجز الوعد ، علي أن من واجبنا أن نرد الفضل لأهله، ذلك أن وزارة الثقافة أصدرت كتابي "عائشة الباعونية فبل عشر سنين ، وهمَّت بإصداره ثانية لأهمية هذه الشاعرة التي احتفت بها منظمة اليونسكو لمرور (500) خمسمائة عام على وفاتها ، بتنسيب من وزارتي التربية والثقافة ، وأما وزارة الثقافة فعاكفة  على نشر كتاب لي وسمه "تخميس بردة البوصيري لعائشة الباعونية " منذ سنتين جرارتين ،وربما تجران سنتين أخريين على قنوات طويلة ومريرة ،تمر بها إجراءات النشر الطويلة ، حتى يكاد المؤلف مثلي ييأس من نشره ، في ضوء غياب تنسيق وطني حازم لحمع التراث الوطني والبدء بتحقيقه ودرسه ومكافأة مجزية للباحثين، وإجراءات أخرى قدمناها لوزارة الثقافة ؛إذا أرادت للتراث الوطني أن ينهض على قواعده الصحيحة 

أمَّا عجلون فلها محبة خاصة مني لأني تخرجت في ثانويتها عام (1969م)

عجلون مدرستي انعم بمدرسة       منها تخرَّجتُ لا يخفى على احد

ولا شباخي الذين تعلمت عليهم كل تقدير ، ولأستاذنا المرحوم  ادوارد توما عويس الذي علمنا الإخلاص في العمل، وإعراب الجمل بدقة وحذق في مدرسة اجديتا الابتدائية كل أدعية الخير ، في منتصف ستينيات القرن العشرين، ووفاء لعجلون فقد أحبها أحد اجدادي الأولياء الشيخ عبده محمد سلمان الربابعة قبل نحو ثلاثة  قرون فذكر جبل عجلون في رثائته لابن عمه الولي الشيخ محمد عبد الله أبي ذابلة صاحب الحمة المشهورة فرب فحل مطلعها:

الله   الله   الله  الله  يـا  iiولـي
يـا بـحر فايض بشهور iiالربيع
فوق راسك صاح شاويش الملوك
ورَّد الـسـلاك من خص iiالدنان
مـن نـسل رباع يا نعم iiالجدود
لانـده  الأبطال عندي iiيحضروا
لا يـبـقـوا من توابعهم iiحشود
يـا  جبل عجلون كم فيك iiابطال
نـاظـم  الأبيات من عين iiوباء
يـا الـهـي تـب له واغفر iiله









يـا أبـا ذبـلـة يا بحر iiممتلي
عـجـزيـرة  بها فواكه iiتحملي
مـن  يـكن ظميان يرد iiالمنهلي
هـوسـبع في وسط غابة معتلي
يـا سـراج الاولـيـا iiكالمشعل
لا يـبـقـوا مـن توابعهم iiولي
مـن مـصر للشام للربع iiالخلي
لـهـم أيـادي طـايلة iiبالمبتلي
ثـم دال وهـا ودخل الله iiوعلي
فـي جـنـان الخلد بعلى iiمنزل

ولعجلون محافظة عزيزة عليَّ إنسانا  وثرى مقدسا ،فاهديهم هذه القصيدة ، فلعلي أردُّ  عليها وفاء بوفاء ، وان كان السابق بفضله لا يلحق

المسجد الكبير في عجلون وشجرة كينا قديمة أمامه من الشرق

أعجلونُ أنت ، حُلى iiالسٌَندس
فـانْ  شـئتِ هُزِّي iiببلوطة
وانْ  تسألي الياسَ ما ماره ii؟
بـلادُ الـنـبِّيين من أعصر
وان  تسألي العزَّ ما iiحصنُه؟
يـراقـبُ  من كثبٍ iiخصمَه
وحـول  الـقليعةِ ذا خندق iiٌ
ومـنـهـا تجهَّزَ في فتحِه iiِ
بـنـى  جـامعا شاهدا iiفعلًهُ
يـطـاولُـهـا  شجرٌ iiقربها
ومـاءٌ زلالٌ iiيـنـابـيـعُهُ
و"عـين لتيس" ،فذقْ iiشهدَها
وشمَّل ل "تنُّورَ" ، تسمعْ رُغا
تـمـتَّـع ب"شلال باعونة iiٍ
ويـروي الـفواكهَ َمن iiحوله
ووادٍ  ب"كـفرنجةٍ "ذو iiعطا
و"عـبِّـينَ  " أعنابها iiكنزُها
مرايا  إذا جئتها في iiالضُّحى
وباعونُ  ذي، أنجبت iiناصرا
فـمـنـهم  فقيهٌ ومنهم iiوليٌّ
عـويـشـة ُذي تاجهم iiكلُّهم




















فـرفّـي ظـليلاً ولا iiتبُلسي
وأخـرى بـزيتونكِ iiالأقدس
يُـجبكِ المسيحُ من iiالمغطس
طـهـورٌ  ثراها ولم iiينجُس
مـنـيـعٌ دراويه iiكالمُترس
ونـارٌ  تَـوقّدُ  في iiالعسعس
يّـكِـعُّ بـعـيدا من iiالفرَّس
صلاحٌ  ،وبيبرسُ iiالشركسي
ومـئذنة ً كالضحى iiالمُشمس
يـلـذُّ  بـذكـرٍٍ، ولم iiييبس
تـفـجَّرَ عينا  من iiالأفؤس
فـلا  ترتوي شَربةُ iiالأكؤس
فـمـن عين ما، بارد أسلس
يـصـبُّ انصبابا ولم iiييأس
أِحِـنُّ ل"نـعناعه" iiالمُعطس
إذا حُـجـز المدُّّ في iiمحبس
تـرقُّ  شـتاء على iiالملمس
ثـريَّـا تشعشعُ في iiالحِنْدس
فـشـع  َّذراريه في المقدس
ومـنـهم ملوك على الأنفس
حـفـيـظة "قرآننا" iiالأقدس

، وبهذه المناسبة أهنئ بلدة باعون التي تمخض فيها ولادة منتدى عائشة الباعونية حديثا ، فنشكر أهل الفضل ممن كان صاحب الفكرة ونشكر من أعان عليه وعززه ودعمه ، ونأمل أن  ينهض بحثةٌ جادون ، ليحمعوا تراث البواعنة خاصة ، وتراث العجلونيين عامة ،لنقدم لأنفسنا دليلا على جذورنا الثقافية  الأردنية منذ ثمانية قرون خلت ، ليقرانا المتلقون ، من جهة ، ولتنشر كلمة الحق ،من جهة أخرى ، فتحيا من بين أرماس المخطوطات ،لترى النور في عالم يؤمن بالنور بعد طويل ظلام ، وأخيرا، فاسأل الله أن ينسأ  لكم أعمارا طويلة في خدمة حرف كتابه المقدس ودينه الحق، و أن يعيد علينا هذه المناسبات وقد تحررت أوطاننا وانتشر النور في الأقصى الشريف، وفكت قيوده، وتحررت أقطارنا العربية جميعها من ربقة الغاصبين ،واتحدت أقطارنا العربية الإسلامية ، لأنها بالاتحاد وحده تحيا ،وبالتفرق تذبل وتموت ، فالله الله نسال أن يجمعنا على الهدى والحق ،انه سميع الدعاء، وهو الله وحده بالإجابة قدير جدير، والحمد لله أهل الفضل كله رب العالمين ،وهو السميع البصير ،

والسلام عليكم أيها  الأحبة الفضلاء ورحمة الله وبركاته.