البرجوازية

د. خالد احمد الشنتوت

مصطلحات سياسية

د. خالد احمد الشنتوت

كلمة من أصل فرنسي (وإن كان البعض يردها إلى كلمة "البرج" العربية وساكن البرج) معناها اللغوي "ساكن المدينة" ومن ثم تنسحب الكلمة من الجزء إلى الكل لتعني "طبقة ساكني المدينة" .

وفي بعض المراجع البرجوازية هم سكان ضواحي المدن ، أو سكان المدن الصغيرة ، كما هو الحال في أوربا ، حيث ضواحي المدن أكثر حضارة ورفاهية من المـدن التي يكتظ فيها السكان، وكثير من سكان المدن من الطبقة العاملة ...

كما أن المصانع التي يمتلكها البرجوازيون تقع في ضواحي المـدن وخارجها ..

 وهناك استخدامان شائعان للمصطلح ، أحدهما هو الاستخدام الماركسي الذي ينبع أساساً من النظرة الماركسية للطبقة بوصفها تتحدد بمركزها في علاقات الإنتاج ، ثم هناك الاستخدام الذي يرى أن محددات الطبقة ليست هي علاقات الإنتاج بقدر ما هي نمط الحياة والأخلاقيات والعلاقات المتبادلة بين أفرادها .

 البرجوازية في الاستخدام الماركسي

 أراد بها ماركس وانغلز بصفة عامة طبقة ملاك وسائل الإنتاج في النظم الرأسمالية ، أما تاريخياً ، فهي وفقاً لما جاء في المانفستو الشيوعي ، طبقة صغار الملاك التي ظهرت خلال العصور الوسطى لتسلب الطبقة الأرستقراطية مكانتها البارزة ومراكزها المسيطرة في المجتمع ولتحتل مكاناً مؤثراً في العملية الإنتاجية أهَّلها أن تمارس تأثيراً سياسياً لا يستهان به في الدولة الحديثة إلى الحد الذي يمكن معه القول إن السلطة التنفيذية في الدولة الحديثة ما هي إلا هيئة تدير أعمال الطبقة البرجوازية.

 الطبقـة الوســطى

أما الاستخدام الثاني للمصطلح فينظر إلى البرجوازية على أنها الطبقة الوسطى التي صعدت في العصور الوسطى وقطنت المدينة حيث اعتمدت بالأساس على التجارة وأرباحها لا على الأرض الزراعية ، ومن ثم ، ارتبطت حياتها ارتباطاً وثيقاً بأخلاقيات وأسلوب الحياة في المدينة وأصبح هذا هو أهم ما يميزها من الطبقة القديمة طبقة الأرستقراطيين حيث ثروتهم ، وبالتالي مصدر قوتهم وسلطتهم ، هي الأرض الزراعية، فكانت حياتهم مرتبطة بأخلاقيات وأسلوب الحياة في الريف وليس الحضر .

ولقد أضحت طبقة البرجوازيين "الجديدة" مادة للسخرية بين المفكرين في فرنسا ابتداء من القرن السابع عشر ، حيث رماها معظمهم بأنها ينقصها ذلك الطابع المميز وتلك الشخصية المستقلة ، مركزين على أنها تحاول جاهدة التشبه بطبقة الأرستقراطيين رغم عدم توافر عناصر الانتماء إلى هذه الطبقة لديها ، تظهر وجهة النظر هذه واضحة في كتابات موليير ، فقد استمر العزف على وتر السخرية من الطبقة البرجوازية حتى الآن ، ولنتذكر كتابات سارتر على سبيل المثال ، إلا أنها ابتداء من القرن التاسع عشر ظهرت مجموعة من المفكرين الذين رأوا أن الطبقة البرجوازية ، على العكس تماماً ، فقد وقع عليها ظلم كبير لأنها لم تدرس الدراسة الدقيقة والمحايدة والمستقلة بوصفها طبقة جديدة ، كان في الحديث عنها مجموعة من الانطباعات النابعة من معايير تقليدية للحكم ، وبدأت من ثم الدعوة إلى ضرورة النظر إلى البرجوازي على أنه إنسان من نوع خاص وجديد لابد من إخضاع أفكاره ومشاعره وعلاقاته لدراسة جادة ومعايير جديدة .

وتأتي في الطليعة هنا كتابات ماكس فيبر الذي أكد أن البرجوازية ، بوصفها الطبقة الوسطى الصاعدة ، في كل أنحاء العالم فإنها هي التي ستشكل معاييرها المعتقدات والقيم السائدة في المجتمعات السياسية .

هذه الأسماء والمسميات ، تطلق في كل أمة لا تلتزم بمنهاج المساواة الحقة ، ولابد من يفرض تلك المساواة ، ويحفظ حقوق الإنسان .

فتظل تظهر طبقات وأسماء تدور في صراعات وفي تنافسات شرعية وغير شرعية ، دستورية وغير دستورية ، حتى تنتهي وما تكاد حتى يظهر أخرى ، حتى تأتي رحمة الله بالإسلام إن شاء الله تعالى ، ولا شك أن تداول الأموال وتداول المناصب والمكانات في الأمة شيء طبيعي : (وتلك الأيام نداولها بين الناس) ، فينبغي أن تكون هناك تعاليم تسع هذا بسلاسة ووضوح.

 الخلاصـة :

البرجوازيـة طبقـة اجتماعيـة ، غير الطبقة الارستقراطية [ ملاك الأراضي سابقاً ] ، وغير الفلاحين ، وغير العمال ، ونستطيع القول أنها الطبقة المتوسـطة المكونـة من صغار التجار ، وكبار الحرفيين من أطبـاء ومهندسين مقاولين ، وكبار الموظفين ، وأساتذة الجامعات  ...

وغالـباً يكثر فيها الطامحون والناشطون الذين يكدون ويناضلون من أجل رفـع مستواهم الاقتصادي ثم الاجتماعي ، ومنهم غالباً يأتي المفكرون والأدباء والفنانون وبعض القــادة  ....

 ومما يؤسـف لـه أن هذه الطبقـة تكاد تنعدم في العالم العربي ، فالقليل جداً منها صعد إلى الطبقة الارستقراطية ، [ مثل أبناء الحكام ] ، ومعظمها هبط إلى الطبقـة الكادحـة التي تكدح من أجل لقمـة العيش ... وهذا نتيجـة السـلب والنهب والرشـوة التي تنتشـر في كثير من دول العالم العربي ....

واتساع الطبة البرجوازية دليل على الاستقرار والتقدم المدني والحضري ، لأن النشطاء من الطبقة العاملة والكادحة يمكنهم الوصول إلى هذه الطبقة ، وكلما ساد الاستقرار والأمن الاقتصاديين توســعت الطبقة البرجوازية ، والعكس صحيح ، ففي الفوضى والنهب والسلب تنحسر الطبقة البرجوازية وتهبط لتندمج في الطبقة الكادحـة كما هو في معظم العالم الثالث ...