لا تنسوا غزة

د. كمال رشيد رحمه الله

ينصرف الاهتمام والإعلام هذه الأيام لما يجري في لبنان , حيث جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي لم تعرفها الحروب من قبل , فالذي يمارس في لبنان وبخاصة جنوب لبنان هي جرائم حرب , فالقتلى معظمهم من المدنيين المقيمين في بيوتهم , أو المحمولين بحافلات تنقلهم إلى أماكن أكثر أمنا بعد التهديد الإسرائيلي لأهل تلك القرى , بل إن معظم الشهداء من الأطفال والنساء , إذ الحركة حركة عائلات . و لربما ذهبت أسرة بكامل أفرادها .

والجيش الإسرائيلي ليس أمامه جيش مجهز , بل أمامه مقاتلون يكادون لا يظهرون , بأسهم شديد وكلامهم قليل .

والجيش الإسرائيلي يستهدف البنية التحتية والمنشآت لتقطيع أوصال لبنان , وإفراغ لبنان , ويجعل الحكومة اللبنانية في حالة استجداء لوقف هذا التدمير , والإبقاء على الحركة والحياة.

والدول العظمى , والدول الغربية , والدول العربية أخذت ترحل رعاياها ولا شأن لها بالبقية , لاشأن لها باللبنانيين .

الحرب الإسرائيلية التدميرية في لبنان سرقت الإعلام والاهتمام من عزة إلى لبنان , وقد يكون هذا من طبيعة الإعلام حيث الحدث الأسخن والأحدث والمفاجئ , ولقد أخذت الحرب اللبنانية صفة المفاجأة .

وحقيقة الأمر أن ما يجري في فلسطين , وفي مدن قطاع غزة ومخيماته يكاد يكون هو الذي في لبنان , إذ العقلية الإسرائيلية هي هي , وآلة الحرب هي هي , وقادة الحرب هم هم , وسبب الحرب وهم الأسرى الإسرائيليون هو هو .

والذين يستنكرون على حزب الله فعله وحربه وردودهم أنفسهم الذين يستنكرون على حماس والمقاومة الفلسطينية موقفها وتمسكها بالأسير الإسرائيلي , وكأن الحرب الشاملة في فلسطين لم تبدأ إلى من بعد الأسير الإسرائيلي .

    الفلسطيني يكاد يشابه المشهد اللبناني , بل إن الدبابات الإسرائيلية لديها قدرة على التحرك والاجتياح والانتشار في غزة أكثر من جنوب لبنان . والتحرك السياسي في لبنان أفضل من التحرك السياسي في فلسطين , والمقاومة اللبنانية لها عمق ولها صواريخ بعيدة المدى ومصنوعة في مصانع حربية , وهذا غيره في فلسطين .

وكما يقصف الإسرائيليون جنوب لبنان , ويقتلون المدنيين فإنهم يفعلون الشيء نفسه في غزة , وحال المستشفيات في بيروت أفضل منها في غزة .

ولئن مر على الحرب الإسرائيلية في جنوب لبنان أسبوع وقد تمتد أسابيع , فإن تلك الحرب قائمة ومستمرة في فلسطين عامة وغزة خاصة من سنوات .

ليست هذه مقارنة بين حربين أو مقاومتين , وكيف نقارن , وما جاءت انطلاقة المقاومة اللبنانية هذه إلا انتصاراً للمقاومة الفلسطينية وتخذيلاً وتخفيفاً عنها , وقد تحقق ذلك , فهي الطرف الوحيد الذي انتصر لأهل فلسطين ومعاناتهم , والمقاومتان توأمان لعدو واحد .

ولكننا نخشى أن تنسى مجريات الأحداث في فلسطين وغزة , وما يلقاه الشعب الفلسطيني من ضيق وصبر وما يقدمه من شهداء وتضحيات , بسبب ما يجري في جنوب لبنان .

العدو واحد والهدف واحد , والمستهدف واحد في فلسطين وفي لبنان , وكل نصر للمقاومة اللبنانية هو نصر للمقاومة الفلسطينية ولم يثلج صدور الفلسطينيين شيء , ولم يزد ثقتهم بأنفسهم شيء مثلما فعلت صواريخ حزب الله في حيفا ونهاريا وعكا , فجاءت عوناً ودعماً ورديفاً لصواريخ القسام .

ولكن وأمام زخم الأحداث وتصاعدها لا تنسوا غزة , وعفواً عما تسمعون من دعوات الإحباط والتشكيك .