ميراث المرأة في الإسلام

طارق فاروق

يدرك أعداء الإسلام الدور العظيم الذي تقوم به المرأة المسلمة في واقع أمتها وفي خدمة دينها؛ لذلك لا تفتأ رحى الحرب تدور تجاه المرأة المسلمة بهدف إفسادها؛ لأنه إذا فسد الرجل فإنه يفسد نفسه أما إذا فسدت المرأة فإنها تفسد أسرة بكاملها، ومن أهم محاور الحرب على المرأة المسلمة محاولة إخراجها من الانتماء والتحاكم إلى شريعة الإسلام؛ بزعم أن هذه الشريعة قد غبنتها مكانتها وهضمتها حقها، ومن أمثلة ما يشيعونه لهذا الغرض هو زعمهم أن الشريعة ميّزت الرجل على المرأة في الميراث؛ فأعطتها دائمًا نصف ما للرجل وهذا من الكذب الصريح على الإسلام، فحقيقة الأمر أن الإسلام وضع قاعدة العدل الإلهي في تعاملاته، وهي: المساواة بين المتماثلات والتفريق بين المتباينات

*******

بداية لابد من التذكير بأنه قبل الإسلام لم يكن للمرأة في الجاهليات المختلفة حق في شىء لا في الميراث ولا غيره، بل ولا حتى في الحياة.. فلما جاء الإسلام قرر لها..‏ وللمرة الأولى في تاريخها البشري..‏ أن يكون لها نصيب في الميراث، أعلنته الآية الكريمة: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا

أما إعطاؤها نصف ما يعطى الرجل والذي تقرره الآية الكريمة: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ..‏ فليس انتقاصا لا من مكانة ولا من حق المرأة.. لكنه توزيع يتوازى مع حجم المسئولية التي يحملها الإسلام للرجل الزوج.‏ فالأصل أن يتولى الرجل أيا كان وضعه مسئولية الإنفاق الكامل على البيت وعلى الأسرة,‏ ولا تسأل المرأة..‏ الزوجة.. عن شيء من ذلك حتى وإن كانت موسرة إلا إذا تطوعت هي.. بمحض اختيارها ورضاها..‏ للمساعدة بوجه أو بآخر

وعليه فلابد أن تختلف الأنصبة باختلاف حجم المسئولية..‏ هذا هو الأصل الذى يقرره الإسلام ويلزم به الرجل،‏ ويجعل من حق الزوجة أن تطلب الطلاق من هذا الزوج إذا عجز عن الوفاء بنفقة الأسرة حتى وإن كانت هي موسرة،‏ الأمر الذي يحمل الرجل وحده مسئولية الكد والكدح لتوفير ما تحتاجه الزوجة والأسرة في غير ما عناء تطالب به أو مشاركة تلزم بها

ثم إن المرأة.. خلال حياتها كلها منذ ميلادها إلى وفاتها.. في كفالة الرجل.. إن كانت طفلة أو شابة أو زوجة أو مطلقة أو أرملة،‏ ففي كل حالاتها جميعا يقرر الإسلام النفقة على الرجل بحسب درجة القرابة بها الأولى ثم الأولى،‏ وإذا قصر أحدهم فعلى القاضي إلزامه بالنفقة عليها دون إهمال

*******

وفي مجال الميراث لم ينظر الإسلام إلى نوع الوارث وجنسه، لكنه نظر إلى اعتبارات ثلاثة، وقسّم الميراث على أساسها

الاعتبار الأول

درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى، فكلما اقتربت الصلة.. زاد النصيب في الميراث.. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.. فابنة المتوفى تأخذ مثلاً أكثر من والد المتوفى أو أمه

الاعتبار الثاني

موقع الوارث من الحياة.. فالأجيال التي تستقبل الحياة، وتستعد لتحمُل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها.. عادة.. مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للورثة

فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه.. وكلتاهما أنثى.. وترث البنت أكثر من الأب.. حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن، والتي تنفرد البنت بنصفها.. وكذلك يرث الابن أكثر من الأب.. وكلاهما من الذكور

الاعتبار الثالث

التكليف المالي الذي يوجبه الشرع على الوارث حيال الآخرين.. وهذا هو الاعتبار الوحيد الذي يفرّق فيه بين الذكر والأنثى.. ليس باعتبار الجنس، ولكن باعتبار التكليف والأعباء المالية

فإذا ما تساوى الورثة في القرابة، وفي موقعهم من الحياة فكانوا جيلاً واحدًا كالأخوة أو الأبناء، هنا ينظر الشرع إلى التكاليف والأعباء المالية المناطة بهم

فالأخت المتزوجة هي في إعالة زوجها، لكنها ترث نصف أخيها الذي يعول زوجته وأولاده، فإذا كانت أخته غير متزوجة فهو يعولها أيضًا فترث نصفه ومالها ذمة مالية خاصة بها لكنه لا يزال مسئولاً شرعًا عن رعايتها وكفالتها، وكذا الحال مع الأبناء

لذلك قال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ.. النساء: 11

*******

إذن.. فتفريق الشرع هنا ليس تفريق بين المتماثلات، لكنه تفريق بين المتباينات التي يجب التفريق بينها

فالشرع يوجب على الرجل مهر للمرأة، لكنه لا يوجب على المرأة مهرًا للرجل

كذلك على الرجل إعداد مسكن الزوجية وتجهيزه، ثم الإنفاق على المرأة وإعالتها هي وأولادها، كذلك يجب على الرجل الغرامات كالديات والقصاص حتى في حالة الطلاق لا يترك الشرع المرأة لمواجهة أعباء الحياة بمفردها فيلزم زوجها السابق بنفقة متعة أو نفقة كفالة، ما دام لم تتزوج المرأة من زوج آخر، وبناء على هذه التكاليف والأعباء المالية أعطى الإسلام للرجل في حالة تساوي درجة القرابة وموقعها من استقبال الحياة أعطاه ضعف المرأة وألزمه بالإنفاق عليه وإعالتها

وهو ما يعطي المرأة مكانة مميزة ومعتبرة في أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية

هذا هو العدل الحقيقي الذي تحتاجه البشرية؛ فيرضى ضميرها وتنعم سريرتها وتستقر حياتها