لا وطن مع ... الاستبداد
لا وطن مع ...
الاستبداد الذي يهدد نسيج المجتمع
جان عبد الله
الوطن ليس مجرد المكان الذي يولد فيه الانسان ويرى فيه النور أو يكتسب جنسيته بل هو المكان الذي يحافظ على حقوقه الانسانية وكرامته ولهذا كان مونتسيكيو يقول ليس هناك وطن مع الاستبداد فمن الطبيعي أن يشعر كل مواطن باولاء نحو وطنه وفق شعوره بالانتماء الذي يجب أن تتوفر الظروف الموضيعية لتنميته حتى يتحرر من الانتماءات الصغرى التي تفكك الدولة وتشده الى التخلف عن الركب الحضاري.
بعد هذه المقدمة أرى من واجب كل سوري اليوم نجا من شباك التظليل والاستبداد أن يعمل لاعادة وضع سورية على الطريق الصحيح لقد فشل النظام القائم فى دمشق فى معالجة الاوضاع الاقتصادية واشكالات التنمية وتطوير التعليم بل نشر الفساد ولازال يرفض تأسيس شر عيته على اساس خيار ديمقراطى حر بل انه فى كثير من الاحيان يثير الحساسيات المذهبية والمناطقية ويتحالف مع فئا ت سلفية غير معارضة له الامر الذى يؤدى فى النهاية الى الفصل الدينى والمذهبى بين مسلم ومسيحى بل قل داخل كل دين ايضا. هذه الحساسيات بدأت تنخر الوحدة الوطنية وتفتت اللآ مة وتحول المواجهة مع الخارج الى مواجهة فى الداخل لانه يضغط على الحريات الدينية ويوظف المذهب والدين فى العمل السياسى . بالا مس استد عى جنرالا أهوج تسبب بكثير من المصائب لابناء قومه وبلده وعقد معه صفقة بعد أن اعطاه رتبة كهنوتية وأقام له مهراجانات مخا براتية طائفية ليعمل على الفصل بين السوريين ويعزل المسيحى منهم عن أخيه المسلم, ناسيا ان السوريين المسيحيين مثل اخوتهم المسلمين حافظوا دوما على النسيج الاجتماعى لبلاد الشام واعتزوا جميعا بنفس اللغة والثقافة والحضارة . فيوم انعقد المؤ تمر السورى فى باريس عام 1913 برئاسة ميشيل لطف الله كان نصفه من المسيحيين واكبر بكثير من نسبتهم فى النسيج الاجتماعى ويوم قصفت فرنسا دمشق وبر لمانها وقلعتها تنادى السوريون المسيحيون فى القصاع مع اخوتهم لتجهيز نادى ابولون والنادى الكا ثو ليكى كمستو صفات لاسعاف الجرحى وجلبوا شموع الكنائس ليتم على ضوئها انقاذ المصابين يومها استشهد البطل الد كتور مسلم البا رودى .لقد كان بطر س البستانى من اوائل المتنورين العرب اللذين عملوا على تحقيق الوحدة الوطنية وكان شعار مجلته حب الوطن من الايمان وكذلك كان سليم البستانى وناصيف اليازجى وفرح انطون وكثيرون غيرهم .حتى أن امين الريحانى كان يجيب عندما يسأل عن هو يته وقبل أن تنقسم سوريا الى دول عدة أنا سورى ثم لبنانى ومارونى بعد ذلك بينما اليوم يحاول النظام القائم مع حلفائه الفرس فى ايران وامتداداتهم فى لبنان وفلسطين للتفريق بين مكونات شعبنا ولا عادتنا الى زمن يشبه زمن الهيمنة العثمانية التى بلغت ذروة الاستبداد والتطهير العر قى والمذهبى . ولقد افرز النظام هذا فى مسلكه كثيرا من الحركات الاصولية المتطرفة ظهرت كرد فعل على الا قصاء السياسى والا ضطهاد الفئو ى وأدى ذلك الى عملية تفر يغ ثقافى دفعت بالادمغة والفعاليات الا قتصادية على اختلاف اديانها ومذاهبها الى هجرة قسر ية شطر المغتربات . ولكن لا ليعلم النظام الايرانواسورى ان المسيحيون فى سوريا كما كانوا فى الطليعة ضد الاستبداد العثمانى والاستعمار الغربى وساهموا فى بناء الاحزاب الوطنية والحركات التقد مية وأسسوا الصحف والمجلات والمطابع والمدارس والفرق الموسيقية سيتابعون اليوم هذا الدور مهما حاول هذا النظام عزل دورهم والعبرة ستكون بالنتائج .هذا النظام الذى لم يكتفى بلجم اصوات منظمات المجتمع المدنى واقصاء المنابر الحرة المدافعة عن حقوق الانسان وزج القائمين عليها فى السجون مستخدما كل أساليب التعذيب تحت نظر الرأى العام الدولى دونما أى حساب أو عقاب. ناسيا أن حقوق الانسان اليوم أصبحت قضية عالمية با متياز عابرة للحدود متعد ية الفواصل الجغرافية وان مصداقية أى دولة اليوم انما تقاس بمقدار احترامها لحقوق مواطنيها .وكما أدت حركة التطور واتاريخ الى انتصار حكم العقل والقانون والحرية فى اوروبا لابد وأن تنتصر فى سوريا العزيزة ,فدول اوروبا المسيحية الغربية آنذاك لم تقبل التعددية الدينية الا بعد مقا ومات عنيفة وشر سة لانها دينيا كانت ذات لون واحد تقريبا ,أما عندنا فى الشرق العربى فكل الاديان تعتقد أنها تمتلك الحقيقة الالهية المطلقة وهذا عامل ايجابى يجب ان يجمعها لاأن يفرقها . واجب علينا نحن السوريون اليوم ان نعمل على تعزيز روابط الوحدة فى مجتمعنا حتى يرتقى الى مجتمع ديمقراطى يحترم حقوق الانسان ويقضى على الاستبداد والتعصب الطائفى بآن واحد ويطّور المفهوم السلفى الاصولى لمعانى الاديان الى فهم عقلانى حديث ومستنير يقبل الآ خر.