الإسلام السياسي

د. أحمد محمد كنعان

مصطلحات سياسية:

الإسلام السياسي

د. أحمد محمد كنعان

الإسلام السياسي مصطلح يستخدم لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام باعتباره نظاماً سياسياً للحكم ، ويتضمن هذا المصطلح مجموعة من الأفكار والأهداف السياسية النابعة من الشريعة الإسلامية ، وقد شاع المصطلح إعلامياً في أواخر القرن العشرين على مجموعات من الناشطين الإسلاميين الذين يؤمنون أن الإسلام ليس مجرد عبادة فقط ، وإنما هو نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يصلح لبناء الحياة والدولة ، علماً بأن الإسلاميين يرفضون وصف "الإسلام السياسي" ويفضلون تعبير "تطبيق الشريعة" .

ويرجع إطلاق هذا الوصف على الحركات الإسلامية من قبل الخصوم الذين يتهمون هذه الحركات بأنها تستخدم الدين للسياسة ، كما تستخدم الوسائل الديمقراطية ، لكي تصل إلى الحكم ثم تستفرد بالسلطة بعد ذلك ، وتلغي االديمقراطية ، وتبني دولة دينية (= ثيوقراطية) على طريقة ما فعلت الكنيسة في أوروبا في عصر الظلام وارتكبت الكثير من الجرائم تحت غطاء الدين ، وتحت ستار هذه الحجة تواجه حركات الإسلام السياسي برفض شديد من قبل التيارات الليبرالية والحركات العلمانية التي تنادي بفصل الدين عن السياسة .

لكن على الرغم من هذه الانتقادات ومن الحملات الواسعة التي شنتها أجهزة الأمن على الحركات الإسلامية فقد تمكنت هذه الحركات من الانتشار جماهيرياً في الكثير من الدول العربية والإسلامية ، ونجح بعضها في الوصول إلى الحكم في بعض الدول مثل تركيا ومصر وتونس والمغرب وحركة حماس في فلسطين ، ما جعل الإعلام العالمي يوجه اهتماماً خاصاً نحو هذه الحركات ، وعمل جاهداً على تشويش سمعتها ، بل تشويه سمعة الإسلام نفسه ، وراج يروج بأن الإسلام بات يشكل خطراً على الحضارة المعاصرة ، وبناء على ذلك أشاع مصطلح الإسلام السياسي أو الإسلام الأصولي (Islamic Fundamentalism) لوصف تلك الحركات .

ولعل أول ما شاع هذا المصطلح خلال مؤتمر عالمي عقد في سبتمبر عام 1994 في واشنطن باسم "خطر الإسلام الأصولي على شمال أفريقيا" وكان عن السودان ، فقد اتهم المؤتمر محاولة إيران نشر "الثورة الإسلامية" إلى أفريقيا عن طريق السودان ، وتدريجياً في التسعينيات في خضم الأحداث الداخلية في الجزائر التي أسفرت عن إقصاء "جبهة الإنقاذ" بعد أن فازت بانتخابات ديمقراطية استبدل المصطلح بمصطلح "الإسلاميون المتطرفون" واستقرت التسمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 على مصطلح "الإسلام السياسي" وهي تسميات يراد منها تشويه سمعة الحركات الإسلامية ، ومن ثم تشويش الإسلام نفسه .

ويرجع تاريخ الحركات الإسلامية ــ التي باتت توصف اليوم بالإسلام السياسي ــ إلى فترة انهيار الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، وقيام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس جمهورية تركيا على النمط الأوروبي ، وإلغاء مفهوم الخلافة الإسلامية عام 1924 ، واستبعاد الشريعة الإسلامية من المؤسسات التشريعية ، وتصفية رموز الإسلام والمحافظين ، ما أدى إلى شعور دفاق لدى المسلمين الغيورين على دينهم بأن هناك خطراً كبيراً بات يتهدد الإسلام ، لاسيما بعد وقوع العديد من الدول الإسلامية تحت انتداب الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى ، وكذلك انتشار حركة القومية العربية ذات النزعة العلمانية المعارضة لتطبيق الشريعة الإسلامية ، فكانت هذه العوامل سبباً مباشراً لانتشار ما سمي بحركات الإسلام السياسي في كثير من الدول العربية والإسلامية .

وقد وقفت هذه الحركات منذ نشاتها ضد الأنظمة الدكتاتورية والعلمانية التي راحت تحارب الإسلام جهاراً نهاراً ، ووقعت بين الطرفين صدامات مسلحة في مناسبات عديدة ، وعلى الرغم من مقاومة هذه الحركات من قبل الأنظمة بشراسة لا نظير لها فقد استمرت هذه الحركات بالانتشار في المجتمع العربي والإسلامي ، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 التي اتهمت فيها جماعة من الإسلاميين بتدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك حاولت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي "جورج بوش" إيجاد طريقة للحد من انتشار هذه الحركات ، فأعلنت الولايات المتحدة الحرب على "الإرهاب الإسلامي" ، مما زاد انتشار هذه الحركات ، بل استطاع بعضها الوصول إلى السلطة ونجحت نجاحاً كبيراً أدهش المراقبين ، كما حصل مثلاً من وصول حزب العدالة والتنمية في تركيا بزعامة " رجب طيب أردوغان" ، و "محمد مهاتير" في ماليزيا ، وحزب الحرية والعدالة في مصر بزعامة "محمد مرسي" ، وعندئذ عمدت الأنظمة الدكتاتورية والعلمانية مدعومة بالقوى الأجنبية إلى إفشال هذه التجارب ، حيناً بالانقلابات العسكرية كما حصل في مصر ضد مرسي ، وأحياناً بإحداث القلاقل والمظاهرات والانتفاضات المفتعلة كما يحصل في تركيا ، وأحياناً بالترويج لحركات فكرية مضادة تزعمها بعض العلمانيين تحت ستار تجديد الإسلام ، بهدف تشويه سمعة الحركات الإسلامية عامة ، والترويج لفكرة فصل السياسة عن الدين ، ومازال الجدال مستمراً بين الطرفين .