قراءة في غزوة تبوك 3
قراءة في غزوة تبوك
د.عثمان قدري مكانسي
(11)
أسر أكيدر ثم مصالحته
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن
الوليد ، فبعثه إلى أكيدر دومة ( دومة الجندل شرق
تبوك وغرب سكاكا السعودية ) ، وهو أكيدر بن عبد الملك رجل من
كندة كان ملكا عليها ، وكان نصرانيا ; فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لخالد
" إنك ستجده يصيد البقر
"، فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر
العين وفي ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته فباتت البقر تحك
بقرونها باب القصر فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال لا والله قالت فمن
يترك هذه ؟ قال لا أحد .
فنزل فأمر بفرسه فأسرج له وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ يقال له حسان .
فركب وخرجوا معه بمطاردهم . فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخذته ؟ وقتلوا أخاه وقد كان عليه قـَباء (
الثوب الخارجي يلبسه الرجل فوق ثيابه ويتمنطق عليه ) من ديباج ( حرير) مخوص (
مطرّز ) بالذهب فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
قدومه به عليه
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ،
عن أنس بن مالك ، قال رأيت
قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل المسلمون
يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أتعجبون من هذا ؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل
سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا .
قال ابن إسحاق : ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله فرجع إلى
قريته فقال رجل من طيئ : يقال له بجير بن بجرة يذكر قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد : إنك
ستجده يصيد البقر وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته لتصديق قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم
تبارك سائق البقرات إني
رأيت الله يهدي كل هاد
فمن يك حائدا عن ذي تبوك
فإنا قد أمرنا بالجهاد
الرجوع إلى المدينة
فأقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم
بتبوك بضع عشرة
ليلة لم يجاوزها ، ثم انصرف قافلا إلى
المدينة
.
إضاءة
:
1-
يعلمنا النبي القائد أنه لا بد من تأمين حدود الدولة الفتية وإخضاع الخصوم وإخافتهم
حتى لا يكونوا عوناً للروم في قتال المسلمين ، فأرسل قادته ببعض السرايا لإثبات
الوجود وفرض القوة الإسلامية . وقد تحصن بعض الحكام في حصونهم وقراهم ، يأبون
الاعتراف بالقوة الجديدة ، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أمر
بمهاجمتهم وفرض الأمر الواقع .
2-
"
وما يعلم جنود ربك إلا هو
3-
كنوز الدنيا على عظمها لا تعادل مطلقاً ما أعده الله تعالى لعباده في الجنات ،
ففيها ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فرداء أكيدر الذهبي لا
يساوي بحال من الأحوال مناديل سعد بن معاذ في الجنة ، وما قال النبي صلى الله عليه
وسلم ذاك إلا مثال بسيط يقرب فيه النبي صلى الله عليه وسلم جمال الحياة الرغيدة
للمسلم المؤمن في جنات المأوى .
(12)
وفاة ذي البجادين وقيام الرسول على دفنه
قال ابن إسحاق : وحدثني
محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي
، أن عبد الله بن مسعود كان يحدث ،
قال : قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزوة تبوك ، قال فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ،
قال فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا
عبد الله ذو البجادين المزني قد
مات وإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر
يدليانه إليه ، وهو يقول أدنيا إليّ أخاكما ، فدلياه إليه ، فلما هيأه لشقه قال :
اللهم إني أمسيت راضيا عنه ، فارض عنه . قال يقول
وعبد الله بن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة .
قال ابن هشام : وإنما سمي ذا البجادين لأنه كان ينازع
إلى الإسلام ، فيمنعه قومه من ذلك ويضيقون عليه حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره (والبجاد
الكساء الغليظ الجافي )، فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان
قريبا منه شق بجاده باثنين ، فاتزر بواحد ، واشتمل بالآخر ، ثم أتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم . فقيل له ذو البجادين لذلك .
والبجاد أيضا : المسح قال ابن هشام : قال
امرؤ القيس
كأن أبانا في عرانين ودقه
كبير أناس في بجاد مزمل
إضاءة
:
1-
عبد الله شاب سمع بمبعث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووصل إليه شمائل هذا الدين
العظيم ، فأحبه وأعلن إسلامه في قومه الذين كرهوا منه إسلامه ، فسلبوه ماله ،
ومنعوه حقه في حياة حرة كريمة فكان أهل الكهف قدوة له في الصبر على الدين وتحمل
المشاق لأجله .
2-
لما عزم في غفلة من قومه على الهروب بدينه إلى حيث النور والضياء ، لم يمنعه أنه ذو
كساء واحد غليظ يلفه فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولقيه بمئزر وشملة كأنه
في حج أو عمرة حافي القدمين يشرب الماء من حفر الطريق ، ويأكل لحاء الشجر حتى وصل
إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم . وهكذا المؤمن يتحمل الصعاب في سبيل دينه والعيش
في أفيائه .
3--
ويصل الشاب إلى حيث الهداية والأمان ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش بين
فقراء المسلمين ، ويحتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرعاه ، فتطمئن نفسه ،
ويسلو همه .
4-
ووينطلق عبد الله ذو البجادين مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك يلازمه كظله
، فلا يفارقه ، ويغرف من معين الإيمان وبحر الهدى وشمس الهداية . ويشاء الله تعالى
أن يعتل في هذه الغزوة ، ثم يفارق الحياة في إحدى ليالي تبوك والرسول صلى الله عليه
وسلم عائد بالمسلمين إلى المدينة ، فيحفر له المسلمون قبره . ويأبى رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا أن يدفنه بيديه الشريفتين تقديراً له وحباً . وينزل حفرته ،
ويطلب من صاحبيه ووزيريه الكريمين أبي بكر وعمر أن ينزلاه إليه ليوسده الثرى بنفسه
، وليدعو له الله تعالى أن يتغمده برحمته ، ومن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنه راضياً فالله تعالى عنه راض. ويرى ابن مسعود هذا الموقف ويسمع هذا الدعاء ،
فيتمنى لو كان مكان عبد الله ذي البجادين رضي الله عنه وأرضاه ، ويا سعد من دفنه
رسول الله بيديه ودعا له وشهد له بالصلاح والتقوى .
5-
ومهما غرف الإنسان من مباهج الدنيا فإن القبر مصيره ، والوحشة أنيسه ، فيكن مبتغى
المسلم رضاء الواحد الأحد والسير على خطا الرسول الأعظم . ليكون من أهل الفردوس
الأعلى في نعيم مقيم إلى جوار رب كريم سبحانه من رب رؤوف ، ورحيم غفار .
(13)
سؤال الرسول أبا رهم عمن تخلف من غفار واسلم
قال ابن إسحاق : وذكر ابن شهاب
الزهري ، عن ابن أكيمة الليثي عن ابن أخي أبي رهم
الغفاري أنه سمع أبا رهم كلثوم بن الحصين وكان من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة ،
يقول غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ،
فسرت ذات ليلة معه ونحن بالأخضر قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وألقى الله
علينا النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيفزعني دنوها منه مخافة أن أصيب رجله في الغرز فطفقت أحوز راحلتي عنه حتى غلبتني
عيني في بعض الطريق ونحن في بعض الليل فزاحمت راحلتي راحلة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورجله في الغرز فما استيقظت إلا بقوله حَـسّ ( كلمة تُقال عند الألم المفاجئ)
فقلت يا رسول الله استغفر لي . فقال سر فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألني
عمن تخلف عن بني غفار ، فأخبره به فقال وهو يسألني : ما فعل
النفر الحمر الطوال الثطاط ( من خف شعر لحيته وثقل بطنه) . فحدثته بتخلفهم . قال
فما فعل النفر السود
الجعاد القصار ؟ قال قلت : والله ما أعرف هؤلاء
منا . قال بلى ، الذين لهم نعم بشبكة شدخ( موضع من بلاد غفار ) فتذكرتهم في بني
غفار ، ولم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط ٌ مِن
أسلم كانوا حلفاء فينا ، فقلت : يا رسول الله أولئك رهط من
أسلم ، حلفاء فينا ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل على بعير من إبله امرأ
نشيطا في سبيل الله إن أعز أهلي علي أن يتخلف عني
المهاجرون من قريش والأنصار
وغفار وأسلم.
إضاءة
:
1-
كل مسلم
حريص أن يكون رفيق الرسول صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله ، في الدنيا والآخرة .
وهم في الوقت نفسه حريصون أن ينالوا رضاه وتأمين الراحة والهدوء له صلى الله عليه
وسلم ، فيجتنبون مزاحمته والتضييق عليه في سيرهم معه أو الجلوس إليه صلى الله عليه
وسلم . وما أعظم توقيره صلى الله عليه وسلم وتعظيمه .
2-
من عظيم
أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سكت على ألمه ، فلم يصدر عنه سوى كلمة حَسّ
عندما صدم أبو رهم رجله صلى الله عليه وسلم في غرزه . ولم يؤنبه أو يوبخه ، فالسفر
يحدث فيه كل شيء بعد أن يتعب الإنسان ويأخذه النعاس . بل لا طفه وخفف عنه حين أخذ
يحادثه في قومه غفار وأسلم .
3-
إن الله
لا ينظر إلى أجسادنا وجمال خلقتنا ولكن ينظر إلى أعمالنا وحسن تصرفنا . هذا ما
فهمناه من النبي صلى الله عليه وسلم حين قارن بين البيض الطوال السِّمان ، والسود
القصار النحاف ، فالقسم الأول تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقسم
الثاني بذل جهده في مواكبته أو تجهيز غيرهم ليكونوا بدلاً عنهم في هذه الغزوة
المباركة . ولأن القصار الجعد من بني أسلم حلفاء أبي رهم لم يأبه هذا لهم في بداية
الحديث ، فأصر النبي صلى الله عليه وسلم على التعريف بهم وتزكيتهم .
4-
5-
يذكرني
قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أعز أهلي علي أن يتخلف
عني المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم " بقول الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنّد
فقد كان صلى الله عليه وسلم يتوقع أن يسارع القوم من المهاجرين والأنصار وغفار
وأسلم إلى مشاركته غزوة تبوك إلا أن كثيراً منهم تخلف ، وهذا لا يليق بأهل الدعوة
وعمادها الأول ، وعصبها الحساس .
(14)
قال ابن إسحاق : ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى نزل ( بذي
أوان ) بلد
بينه وبين
المدينة ساعة
من نهار وكان أصحاب
مسجد الضرار قد
كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي
العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا ، فتصلي لنا فيه
فقال إني على جناح
سفر وحال شغل ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ولو قد قدمنا إن شاء الله
لأتيناكم فصلينا لكم فيه .
فلما نزل " بذي
أوان"، أتاه
خبر المسجد فدعا رسول ؟ الله صلى الله عليه وسلم
مالك بن الدخشم ، أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخاه
عاصم بن عدي ، أخا بني العجلان فقال
انطلقا إلى هذا المسجد
الظالم أهله فاهدماه وحرقاه . فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط
مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن أنظرني حتى
أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ، ثم
خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ونزل فيهم من القرآن ما
نزل "
والذين اتخذوا مسجدا
ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين
" . . . إلى آخر القصة .
وكان الذين بنوه اثنا عشر رجلا : خذام بن خالد من بني عبيد
بن زيد أحد بني عمرو بن عوف ومن داره أخرج
"
مسجد الشقاق
والضرار"، وثعلبة بن حاطب من بني أمية بن زيد
ومعتب بن قشير ، من بني ضبيعة بن زيد وأبو حبيبة
بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد وعباد بن حنيف أخو سهل
بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف وجارية بن عامر وابناه
مجمع بن جارية ، وزيد بن جارية ونبتل بن الحارث
من بني ضبيعة وبحزج من بني ضبيعة وبجاد بن عثمان من بني ضبيعة
ووديعة بن ثابت ، وهو من بني أمية ( بن زيد ) رهط
أبي لبابة بن عبد المنذر .
إضاءة
:
1-
مجموعة من المنافقين
با لغوا في الإجرام ، حتى ابتنوا مجمعاً يدبرون فيه الشر، وسمّوه مسجداً مَضارّة
للمسلمين ، ونُصرة للكفر الذي يُخفونه ، يفرّقون به جماعة المسلمين ، ويصرفونهم عن
مسجد قباء الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم مقتبل مجيئه مدينته صلى الله عليه
وسلم ، ليكون مركزاً لأبي عمرو الفاسق ، وقد قال هذا الخبيث لرسول الله صلى الله
عليه وسلم : لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم . وأبو عمرو الفاسق هو الذي
أمرهم ببناء هذا المسجد! ليكون معقلاً له . وقال المنافقون : إذا بُنِي هذا البناء
وعاد أبو عمرو الراهب ( الفاسق ) وصلى فيه ظَهَرَ على محمد وتغلّب عليه .
2-
ويقسم هؤلاء
المنافقون كذباً وتورية " وليحلفُنّ : إنْ أردنا إلا
الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون " وكيف يكون الإحسان والخير ببنائه إذا
أقاموه لحرب المسلمين وحرفهم عن دينهم ؟! وادّعوا أنهم أرادوا التوسعة فيه على
المسلمين ... فكشفهم الله تعالى وفضحهم حين نهى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن
يصلي فيه " لا تقم فيه أبداً " فهم لم يبنوه إلا
ليكون معقلاً للنفاق على التقوى وأهلها .
3-
وبين الله تعالى
الفرق بين مسجد الضرار ومسجد التقوى . إن مسجد التقوى بني على الإيمان من البداية "
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه
" .. لماذا ؟ إن فيه رجالاً أتقياء يحبون التطهر من الشرك والكفر "
فيه رجال يحبون أن يتطهروا ، والله يحب المطّهرين " .
44-
بعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم اثنين من المسلمين فهدّماه وحرّقاه وأمر المسلمين بإلقاء الجِيَف
فيه والنتن والقمامة هانة لأهله المنافقين وكشفاً لضلالهم وفسادهم ، فاشتد غيظ
المنافقين وحقدهم " لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في
قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم . &" فيموتوا غيظاً وقهراً . وما ينبغي في هذا
الزمن الذي يتكالب الأعداء على المسلمين فيه وعلى عقيدتهم أن يُسمح لمثل هذه
المجمّعات باسم الإسلام أن تظهر .
5-
ويبني المنافقون في
هذا الزمن أبنية شامخة ليس لها من المسجد سوى المظهر ، ويسمونها بغير أسمائها التي
أمر الله بها . فلا تُقام صلاة المسلمين بها ، وما هي إلا زمزمات ولقاءات يملأ بها
شياطينها قلوب أتباعهم بكره المسلمين وعداوتهم حتى صار المسلم عدوهم الأول والأخير
دون المجوس والمشركين من أهل الكتاب وعبـّاد الأصنام ، إنهم يحاولون بالمال ونساء
المتعة والشهوة الحرام أن يحرفوا المسلم عن دينه باسم الإسلام الذي قنّنوا له قواعد
وتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان ... والله غالب على أمره . ولينصرنّ أهل الحق
وليُدمّرنّ الباطل وأهله .
(15)
تحريق بيت سويلم وشعر الضحاك في ذلك
قال
ابن هشام : وحدثني الثقة عمن حدثه عن
محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن إسحاق بن إبراهيم
بن عبد الله بن حارثة عن أبيه عن جده قال بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا
من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي ،
وكان بيته عند
جاسوم ( منطقة
في المدينة يسكن فيها بعض اليهود )، يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة تبوك ، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم
طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه وأمره أن
يحرق عليهم بيت سويلم ففعل طلحة . فاقتحم الضحاك بن
خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا . فقال
الضحاك في ذلك
وظـَلتُ وقد
طبقت كبس سويلم
أنوء على
رجلي كسيرا ومرفقى
سلام عليكم
لا أعود لمثلها
أخاف ومن
تشمل به النار يحرق
طبّق : علا
السطح ... الكبس : البيت الصغير .
إضاءة
: 1-
يقصد أن طلحة بن عبيد الله حين أحرق البيت بمن فيه علا الضحاك سقف البيت الذي كانوا
يجتمعون فيه ، ثم ألقى بنفسه فانكسرت رجله ، وأقسم أن لا يعود لمثلها ، فقد ذاق
ويلات نفاقه ، وهرب رفاقه من النار كالفئران المذعورة ، وهذا جزاء من يحارب الله
ورسوله ، ويخذّل عن المسلمين ويؤلب الناس عليهم .
22-
اليهود بذرة الشر وأداة الإفساد في كل زمان ومكان ، فمن حقدهم على الإسلام ورسول
الإسلام تجدهم يحتضنون كل منافق ومارق ، ويقدمون لهم العون المادي والأدبي والفكري
في حربهم للإسلام وأهله . ولا أدل على ذلك هنا من اجتماع المنافقين في بيت سويلم
اليهودي .
3-
حين يكون الجرم والذنب قوياً ، ويصر أصحابه عليه ، يتحدَّون به القيادة الإسلامية
الرشيدة ، ويعلنون حربهم عليها وعلى المسلمين ينبغي أن يكون العقاب صارماً ليبذر
الخوف والرعب في نفوس هؤلاء المجرمين الذي يُحادّون الله ورسوله . ولا بد لعيون
المسلمين أن يرقبوا تحركات أعدائهم من المنافقين والكافرين لتكون ضربتهم قوية
تردعهم أن يعودوا لمثلها . وانظر إلى البيت الأخير تجد خوف الشاعر الذي جعله يعبر
فيعد نفسه أولاً وغيره ثانياً أن لا يعود لمثلها .
4-
وينبغي أن ننتبه للأمر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بحرق المنافقين بل أمر
بحرق البيت الذي هم فيه ، فلا يحرق بالنار إلا رب النار كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم ، إنما تُرك لهؤلاء أن يهربوا من المكان أمام أعين طلحة وأصحابه ، ولم
يُلقَ القبض عليهم ولم يُعتقلوا . ليعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم غاضب من
نفاقهم الذي فاحت رائحته وانكشف أمره ، ومن تثبيطهم الناس وصرفهم لهم عن الجهاز
لغزوة تبوك. فلعلهم يرتدعون ويتوبون إلى الله تعالى .
5-
ولئن كانت نار الدنيا مخيفة جداً – للضحاك - كما نرى في بيته الأول فماذا يصنع
المجرمون أمام نار جهنم وهي أقوى من نار الدنيا بسبعين مرة؟!! أمام المنافق والكافر
متسع للنجاة في الدنيا ما داموا فيها ، فإذا ما فجأهم الموت وعاينوا عذاب الآخرة
فلا منجىً لهم يومئذ .. نسأل الله العافية.
أمر مسجد
الضرار عند القفول من غزوة تبوك