فراس عبد المجيد: شاعر يصعد من القلب

جمال الموساوي

[email protected]

فراس عبد المجيد،

بالنسبة لي ليس شخصا عاديا، فهو حين يتحدث يبتسم أيضا، وابتسامته تلك ابتسامة طفل ينظر بعين البراءة إلى الحياة. وعندما أنظر في أعماق قلبي أبحث عن الأحبة يكون فراس واحدا ممن يصعدون إليّْ. وإذا كنت مدينا لصدفة ما كما أزعم، فانا مدين لها لأنها أيضا حملتني ذات يوم ووضعتني على مكتبه في جريدة الميثاق الوطني سوادا على بياض يبحث عن نفسه في زحمة الكلمات.

وإذا كانت الكلمات متلعثمة في تلك البدايات قبل عشرين سنة فقد سهر على ألا يكون صاحبها عيا لا يتقن الكلام، وكان تبعا لذلك يكلف نفسه عناء القراءة وأيضا عناء القيام بما يلزم كي تستقيم الجملة وتكتسب شاعريتها. كان لا بد أن يفعل ذلك كي أدرك أنه ليس المهم هو البحث عن صور جامحة أو كلمات رنانة لتكون القصيدة أو ما كنت أعتقد أنه قصيدة قوية وجميلة، بل الأهم قبل ذلك هو محاولة إدراك العلاقة الممكنة بين لفظ وآخر للحصول على جملة مستقيمة شعريا تتضمن صورة، وذات معنى.

لهذا قلت إن فراس ليس شخصا عاديا بالنسبة لي، ولا شخصا عابرا في تجربتي الشعرية التي سهر على إنضاجها طيلة حوالي خمس سنوات. وإذا كان علم النفس يقول إن ما يواجه الطفل في سنواته الخمسة الأولى هو ما يؤثر أكثر في تكوينه وفي شخصيته، فلا أدري هل تسعفني الاستعارة لأقول إن السنوات الخمسة الأولى من تجربة الشاعر هي ما يحدد مساره في ما بعد.

إذن، في ما يخصني أذكر لفراس من جميل الصنائع ما لا أستطيع حصره في هذا المقام الذي يُحتفى فيه بإصداره لمجموعته " نخلة الروح"، ولكن لا بأس من الإشارة إلى بعضها بشكل مجمل وسريع، لعل كثيرا من الأصدقاء يستعيدونها من ذاكرتهم اعترافا للرجل بفضله الذي لا ينساه إلا جاحد.

أذكر أنه أخرجني من زاوية كانت تسمى "مواهب وكلمات" وهي زاوية كانت لنشر البدايات الأولى لأصحابها تشجيعا لهم على الاستمرار، وطبعا منهم من كان يستمر ومنهم كان ينزل من ثقوب غربال الزمن. وكان عنوان أول نص خارج الزاوية المذكورة " مرحبا فجري" يوم 28 مارس 1989، وكأنه بذلك أخرجني إلى نور حقيقي، وأطلق لي العنان للكتابة بثقة أكبرَ. وفي ما بعد تلقيت منه تشجيعا عظيما عندما أطل علي برد في زاوية كان اسمها "وصلتنا رسائلكم" يقول فيه إن قصيدتك "واحة للعرس والحصار" نموذج متقدم لكتابة قصيدة التفعيلة، وأنه تقرر نشرها في الملحق الثقافي لجريدة الميثاق الوطني وليس في صفحة ميثاق الشباب، لا أدري ما الذي أحسست به في تلك اللحظة، لكن فيما بعد لم يكن لي إلا أن أعترف أنه كان ردا حملني إلى سماوات عليا، وأعطاني شهادة ميلاد حقيقية، ومنذ تلك اللحظة اعتبرت نفسي بكل تواضع شاعرا، وأدركت أن علي أن أستمر لعدة أسباب منها ما يتعلق بفعل الكتابة نفسه، ولكن أيضا إكراما لهذه القصيدة وامتنانا لهذا الرجل، فراس عبد المجيد،.

كما لا أنسى أيضا التفاتاته الجميلة في زاويته التي كان يثير فيها بعض القضايا في صفحة ميثاق الشباب، ومن ذلك أنني مرة كتبت نوعا من القصيدة يسمى في التراث العربي "البند" فخصص لي تلك الزاوية متحدثا عما كتبته ومستعرضا تاريخ البند قديما، وقال إن من طريف ما يذكر أن أول شاعر كتب البند عراقي اسمه ابن معتوق الموسوي في القرن الرابع الهجري، إذا لم تخني الذاكرة. ومرة كتبت نصا مسترسلا بالتفعيلة ودون فواصل أو نقط فطلع في زاويته ليتحدث عما أدركت في تلك اللحظة تحديدا أنه التدوير في القصيدة العربية الحديثة. ومرة نشر لي نصين تحت زاويته أحدهما موزون والثاني غير موزون ليوضح بعض الفروق الموجودة بين قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة.

 لا أريد الاسترسال أكثر، لكن حين أسوق ما قلته فإنما أفعل ذلك اعترافا لما لفراس عبد المجيد من فضل، ليس علي فحسب بل على العديد من الأصدقاء  الشعراء الذين يملأون الساحة الآن كأسماء لها إسهامها في الشعر المغربي.

وإذا كان لي أن أضيف شيئا إلى ما سبق فهو أن فراس بالرغم من أن شَعره يضيء، كما يقول، فإنه لا يريد أن يكبر، ويبدو كما لو أنه يتخطى تجاعيد الزمن. فالابتسامة البريئة كابتسامة الأطفال هي ذات الابتسامة التي رأيتها تعلو شفتيه في مكتبه في الميثاق الوطني في أوائل سنة 1990، وإذا كانت الحياة قد تشعبت، واتجهت به اتجاهات أخرى بعيدا عن صفحة ميثاق الشباب، وبعيدا عن المحاولات الأولى لشعراء يبحثون عن طريقهم، لم يفقد فراس عبد المجيد ميله للتواصل مع الذين يسميهم أصدقاءه مع أنهم مدينين له، حيث نجده حاضرا في اللقاءات الثقافية التي يكون فيها هؤلاء، وفي ذلك الحضور من الدفء، بالنسبة لي على الأقل، ما لا يمكنه تحديد مداه.

وما دمنا نحتفي بصدور مجموعته، أود أن أهنئه أولا، وثانيا أقول له إننا بلا شك ساهمنا في تأخرها، لانشغاله الطويل بنا، نحن الذين كان يرمم ترهل محاولاتهم ليصنع منها قصائد، ويصنع منهم شعراء.