الخزف ذو الزخارف المحزوزه
الخزف ذو الزخارف المحزوزه
أو المحفورة تحت الطلاء
عقبة البطاح
كاتب سوري _ القاهرة
يعتبر هذا النوع من أنواع الخزف المصري التي استمرت صناعتها في مصر في العصر الفاطمي
,ويتميز بأنه نوع له طابع ريفي وبساطه تكسبه رونقا وجمالاً ,ويصنع هذا النوع من طينه حمراء اللون ويزخرف بخطوط أو نقط أو رسوم بسيطة أو كتابات باللون الأبيض والأخضر والمنجنيزى ,وتخلط هذه الألوان بماده زجاجية وترسم بها الزخارف ولذلك نرى أطرافا تسيل عند تثبيت الزخارف في الفرن ,وقد أطلق على هذا النوع من الخزف اسم "خزف الفيوم" ,لأنه عثر على قطع منه في منطقه الفيوم ,وهو يشبه في مظهره الخارجي الاوانى الصينية المرشوشة أو المنقوطة بالألوان المتعددة.
وفى أواخر العصر الفاطمي
,في القرن السادس الهجري,بدأت مصر في صناعه نوع من الخزف زخارفه منحوته أو محدده بخطوط محزوزه تحت طلاء زجاجي شفاف ذي لون واحد أو مرشوش بألوان أخرى.
وتتألف زخارف هذا النوع من صور أدميه ورسوم طيور وحيوانات وعناصر نباتيه وأشكال هندسية.(1)
كذلك برع الخزافون المسلمون في استخدام الحز أو الحفر أو الكشط تحت طلاءات زبدية اللون ,أو طلاءات شفافة أحاديه اللون ,ونجد ذلك في مصر وفى الشام وإيران.
هذا وقد تفوق الخزافون المسلمون في تنويع ألوان طلاءاتهم الزجاجية محاكاً لألوان الطلاءات الزجاجية في بورسلين وسيلادون أسره " سونج "(918ه-1238م),وتفوقوا في ذلك على ألوان الطلاءات الصينية رغم علو كعب الصينيين ودرايتهم بأسرار صناعه الخزف والبورسلين والسيلادون منذ العصور القديمة.
كذلك نبغ الخزافون المسلمون في الرسم بلون واحد أو بعده ألوان على عجينه الإناء البيضاء أو فوق بطانة تحجب حشونه الطينه تحت طلاء خفيف أو شفاف أو من لون واحد.
فنجد في مصر استخدام الألوان المعدنية فوق طلاء زجاجي شفاف أو معتم أو تحته وذلك بالأزرق ,بالاضافه إلى الحز والحفر تحت الطلاء النصف شفاف,نجد ذلك في أسلوب الخزاف"سعد",ومدرسته في النصف الثاني من عصر الدولة الفاطمية ,حيث نضج أسلوبه الفني ,واستخدم عده أساليب زخرفيه تحت الطلاء وفوقه,ولم يكتفي بزخارف البريق المعدني فوقه كما كان الحال في المدرسة الأولى"مدرسه الخزاف مسلم"(4-5ه/10-11م).
كذلك استخدم بعض الخزافين أسلوب الرسم باللون المنجنيزى والأصفر والأخضر بالاضافه إلى لون البريق المعدني الذهبي كما في منتجات الخزاف" الطبيب " ,ويرى أستاذه الفنون في أسلوب هذا الخزف مزج الألوان الثلاثة المذكورة مع البريق المعدني في تنفيذ الزخارف ,وسار على هذا النهج "احمد الصياد" وهذان الخزافان ينتميان لمدرسه "مسلم بن الدهان" في النصف الأول من العصر الفاطمي.(1)
شاع هذا النوع من الخزف في أواخر العصر الفاطمي وكانت زخارفه تحز أو تحفر في بدن الإناء تحت طلاء زجاجي شفاف ذي لون واحد
,فتبدو بلون أكثر دكنه من لون الإناء لترسب الطلاء في حزوز هذه الزخارف ,وكان هذا النوع من الخزف منتشرا في جميع أنحاء العالم الاسلامى ,خاصة في إيران والعراق ومصر ,وهو متأثر في طريقه تنفيذ زخارفه بأنواع من البورسلين والسيلادون الصيني,واشهرها انيه (Yueh) المستوردة من الصين في عهد أسره "سونج " (960ه/1279م) ,والتي تزخرفها رسوم محزوزه أو محفورة.(2)
ويحتفظ متحف الفن الاسلامى بالقاهرة بكميه كبيرة من هذا النوع من الخزف الذي يتضح في زخارفه مميزات أسلوب الفنان
"سعد " ومدرسته والتي يظهر فيها التأثر بخزف أسره سونج ,سواء في أسلوب الحفر أو الحز أو أشكال بعض الاوانى ,ورقه جدارها أو ما يكسوها من طلاءات ملونه بديعة
,منها اللون الفيروزي أو زبدية اللون تشوبها زرقة,إلا انه يلاح أن لعض هذه المنتجات قد استخدم في تزيينها البريق المعدني ,وهو أسلوب لم يكن معروفا بالطبع في الاوانى الصينية.
أما فيما يتعلق بزخارف هذا النوع من الخزف الفاطمي
,فقد استبعد فريق من الباحثين أن يكون لزخارف أسره "سونج" اى تأثير عليها ,ويرون أن هذا التأثير قد اقتصر على الناحية الصناعية والتطبييه فقط,وان كان يرى آخرون وجود ثمة تأثير لبعض زخارف خزف أسره سونج في هذا النوع من الخزف المصري,وواقع الأمر انه يندر ظهور تأثيرات صينية في زخارف هذا النوع من الخزف في العصر الفاطمي ,وربما كان العنصر الوحيد الذي ظهر في بعض النماذج الفاطمية ويمكن رده إلى التأثير الصيني ,هو" الزهرة المتفتحة ",ذلك العنصر كان محبباً في زخارف الخزف منذ أواخر عصر أسره"تانج",وفى أوائل أسره "سونج ", كما يبدو في اوانى (Yueh-yeo) ,الذي يعتقد إن الفنان الفاطمي قد استوحى عنصر الزهرة المتفتحة من نماذجها ,كما يلاحظ في أرضيات رسوم بعض الاوانى الفاطمية ظهور نقاط صغيره تملآ الارضيه بحسب ما هم معروف في بعض اوانى "سيلادون أسره سونج".
وعلى إيه حال فيبدو التأثير الصيني واضحاً بصوره كبيرة في أسلوب بعض زخرفه ظواهر الاوانى الفاطمية ,إذ يلاحظ على بعض اوانى السلطانيات ,ظهور حزوز رأسيه بحسب ما هو شائع في اوانى من عصر أسره "سونج", كما نجد في ظهر بعض الأباريق أسلوبا زخرفياً لم يكن مألوفا في هيئه الأباريق الفاطمية,يقوم على تقسيم بدن الإبريق إلى حشوات رأسيه بواسطة أضلاع تصل ما بين رقبة وقاعدة الإبريق.(1)
ومن المعتقد ان هيئه هذه الأباريق الفاطمية متاثره اوانى أسره
(Liao) الصينية"916-1125".
وبما أن هذا النوع من الخزف قد تلي في ظهوره الخزف الفاطمي ذي البريق المعدني
,ومن ثم فقد استمرت في زخارفه نفس الزخارف التي وجدناها في رسوم الخزف ذي البريق المعدني الفاطمي,وان كان قد أصابها ضعف ينم عن اضمحلال أصاب تلك الصناعة في أواخر العصر الفاطمي,ومن هذه الزخارف " الزخارف النباتية والرسوم الادميه والرسوم الحيوانية والطيور والزخارف الكتابية أو شبه الكتابية ",ومن ثم فكان من الطبيعي أن تظهر في هذه الرسوم والزخارف بعض التأثيرات التي وجدناها في زخارف الخزف ذي البريق المعدني,وخاصة في الأساليب السمرائيه التي تتضح بصفه خاصة في الزخارف النباتية المحورة وفى بعض الوجوه ذات الوضعه الثلاثية الأرباع ,وفى منظر الشراب والشريط حول الحافة.
وكان للتأثيرات الايرانيه أهميه خاصة في رسوم الخزف الفاطمي ذي الزخارف المحزوز أو المحفورة تحت الطلاء ,إذا من الثابت أن إيران في العصر السلجوقى قد صدرت إلى مصر في أواخر العصر الفاطمي نوعا من الخزف ذي الزخارف المحزوزه أو المحفورة ذي الطلاء متعدد الألوان ,وهو الخزف المعروف باسم " لقبي",والذي عثر على قطع منه في "حفائر الفسطاط" ,كما وجد بها قطع تألفه في الفرن تشهد بان الخزافين المصريين عملوا على تقليدة , ويبدو تأثير الخزف" اللقبى" على الخزف الفاطمي ذي الزخارف المحزوزه أو المحفورة تحت الطلاء في رسوم الحيوانات واللفائف النباتية مع الأوراق النباتية المطولة الملفوفة ,فجميعها مشابهه جداً لزخارف الاوانى التي صنعت في بلاد "فارس" ,كما يلاحظ في بعض اوانى هذا النوع من الخزف الفاطمي زخرفه شبه كتابيه على هيئه حروف "الألف" و" اللام" و " الكاف" ,على شاكلة الزخارف التي ظهرت في بعض اوانى خزف " اللقبى" ,كما تظهر في بعض الاوانى الفاطمية زخرفه قوامها دوائر مترابطة مكونه بواسطة اشرطه تحصر في داخلها زخارف نباتيه ,وهو أسلوب زخرفي يعد مشتقاً من زخارف خزف " اللقبى".(1)
ومن ناحية أخرى فيلاحظ في بعض القطع الفاطمية أن زخارفها تقوم على أرضيه من خطوط أو تهشيرات ,وهو أسلوب زخرفي يعتقد انه مشتق من اوانى ترجع إلى شرق إيران ,وان كان في نفس الوقت يلاحظ أن نفس هذه الخطوط المائلة أو التهشيرات قد ظهرت في اوانى من الخزف المحزوز ترجع إلى العراق وتؤرخ بالقرن السادس الهجري/ال12 الميلادي. اى في نفس تاريخ القطع المصرية .كما يلاحظ أن رسوم الحيوانات في هذا النوع من الخزف المصري المنسوب إلى الفترة من القرن الخامس إلى السابع الهجري/11-13م,
قد امتازت بالرشاقة والحيوية مع استطالة البدن ,وتلك سمه كانت ظاهره في رسوم الحيوانات على الخزف السلجوقى.
ويبدو أن زخارف هذا النوع من الخزف الفاطمي قد حملت أيضا تأثيرات مغربيه ,حيث نجد في احد الأباريق زخرفه نباتيه على هيئه أوراق مطوله مدببه كانت قد ظهرت من قبل في زخارف الخزف الفاطمي ذي البريق المعدنى,ومن المعتقد أنها مشتقه من نماذج ترجع إلى قلعه"بنى حماد ",كما ظهر في غطاء انيه زخرفه نباتيه على هيئه مروحة نباتيه مفصصه داخل شكل قالب ,وهو أسلوب زخرفي ظهر أيضا في بعض الاوانى التي كشف عنها في قلعه"بنى حماد".
وقبل أن نختم الحديث عن التأثيرات الفنية الوافدة على الخزف بمصر الاسلاميه في فتره العصر الفاطمي ,يهمنا أن نشير إلى نوع من الخزف أشار إليه الرحالة" ناصر خسرو",عند زيارته لمصر فيما بين عامي " 439-441ه/1047-1050م. وقد ذكر عنه " ويصنعون بمصر الفخار من كل نوع وهو لطيف وشفاف بحيث إذا وضعت يدك عليه من الخارج ظهرت من الداخل ,وتصنع منه كؤوس والأطباق وغيرها وهو يلونونها بحي تشبه البلوقلمون بلون مختلف في كل جهة تكون بها ".
وقد اختلفت أراء مؤرخي الفنون الاسلاميه في تحديد هذا النوع من الخزف ,فبينما يرى البعض أن " ناصر خسرو " كان يقصد به الخزف ذي البريق المعدنى ,يرى آخرون انه كان يعنى الخزف المخرم.
بل ويرى البعض أن " ناصر خسرو " لم يقصد انه خزف ,إنما هو نوع من الاوانى الزجاجية كانت تزخرف بألوان مختلفة من البريق المعدنى وان هذا النوع من الزجاج صنع تقليدا للبورسلين الصيني.
ورغم صعوبة الوقوف على نوعيه هذا المنتج الذي أشار إليه " ناصر خسرو " ,فعلينا أن نتذكر أن مصر في العصر الفاطمي قد عرفت صناعه " الخزف المخرم " ومن المؤكد أن الفنان "سعد" قد اقبل على إنتاجه,حيث وصلنا قطع من هذا النوع من الخزف محفوظة في متحف "الفن الاسلامى" بالقاهرة ,وهى تحمل توقيع الخزاف "سعد", وإذا كان هذا النوع من الخزف الفاطمي يعد تقليداً للبورسلين المستورد من الصين في عهد أسره" سونج ", فمن الثابت أيضا أن إيران قد أقبلت على إنتاجه خلال القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي.(