إستراتيجية التغيير والإصلاح لدى الفرد 3

سلسلة مقالات بعنوان

إستراتيجية التغيير والإصلاح لدى الفرد

المقال الثالث

هيثم البوسعيدي

سلطنة عمان - مسقط

مطلب الإصلاح و التغيير ليس له مدة معينة بل هو مستمر في جميع مراحل حياة الإنسان ولا يعيب الإنسان إحساسه ورغبته في التغيير والإصلاح مهما تقدم به العمر ، على سبيل المثال هناك أشخاص قد يتجاوزن الستين أو الخمسين من العمر لكنهم يواصلون تعليمهم الجامعي حتى يناولون درجة الماجستير حتى الدكتوراه وقد تجدهم محل إعجاب من بعض الناس ومحل استغراب من البعض ، كذلك صحيح أن أجسامنا يتوقف نموها عند سن معين لكن العقل والحالة الشعورية يتقبلان دائما التطوير والتغيير فالتغيير مستمر من مرحلة إلى أخرى في حياة الفرد.

 أن كل ما يطرأ على الظروف المحيطة بالفرد إنما هي نتاج التغيرات التي طرأت على الصفات الذاتية أو الداخلية له كما أن هذا التغيير والإصلاح لا يأتي في اعتقادي بشكل شمولي في حياة الفرد بلا بالتدريج خطوة خطوة وعلى مدى سنوات طويلة .

 فالتغيير المنشود يبدأ حين يقوم الفرد بتجزئة مختلف جوانب حياته إلى تفاصيل وأجزاء صغيرة، ثم يعيد تقييم هذه الأجزاء والتفاصيل وتهذيبها وفقا برامج وخطط مدروسة وضعها هو بنفسه يتناول فيها كيف يصلح أخلاقة ، كيف يهذب علاقته مع زوجته وأولاده ثم كيف يغير علاقته مع الناس بشكل أفضل ، ومن ثم كيف يصبح إنسان فاعل في المجتمع.

 عملية التغيير والإصلاح تجعل الفرد يتساءل عن البداية فكيف تكون وحول إمكانية الوصول إلى هذا المبتغى السامي ، فالوصول إلى هذه العملية لا يتم إلا بتحديد أهداف محددة لا يقتصر تحقيقها على مدة معينة بل تستمر لفترات طويلة من حياة الفرد ، وقد نشبه الأهداف مثل السلم الذي ينتشل الإنسان من سفح الجبل إلى قمته. فلو كنا في سفح جبل شديد الانحدار فإننا سنتصور بأنه ما من سبيل هنا إلى الصعود إلى قمته. فهكذا الأهداف هي درجات منحوتة في الجبل تمكن الفرد من الصعود إلى قمته خطوة خطوة والأهداف هي الأماكن التي نستطيع أن نثبت فيها أقدامنا وأيدينا لنتشبث بها و نخطو خطوتنا التالية ، والأهداف في حياتنا هي المحفز الأول نحو التغيير والوصول إلى عدة أشياء كالعلم والإنتاج والإتقان ومعرفة قيمة الوقت واجتناب الأخطاء والمثال الآتي يشدد على أن تأثير وجود الهدف في حياة المرء له أثر في تغيير حياته والتقدم نحو الأمام : " شارلي شابلن كان حلمه وهدفه الكبير أن يكون أعظم شخص في السينما ، لذا كان ينام والنور مضاء وأمامه ورقة وقلم ، حتى إذا أتته فكرة قام لكتابتها في أي وقت لذلك كان النور يبقى مضاء طوال الليل ، وفعلا في النهاية حقق شابلن هدفه المستحيل وصار أشهر شخصية سينمائية ساخرة في فترة الأربعينات في اوروبا وامريكا. والأهداف التالية هي تصور لكيف يمكن أن تكون عملية التغيير والإصلاح في حياتنا :

1- أستقرر الحالة النفسية والشعورية والجسمية للفرد

2- تقوية الصلة بين الإنسان ورب العالمين

3- تطوير مهارات الفرد الشخصية.

4- إصلاح سلوك وتصرفات الفرد.

5- الابتعاد عن الممارسات والسلوكيات السلبية.

6- خلق النظام في حياة الفرد.

7- التخطيط الجيد لكل أمر صغير أو كبير في حياة الفرد.

 هذه الأهداف العظيمة في حياة الإنسان تحتاج إلى قلوب وعقول كبيرة مشغوفة بها مشغولة بتحقيقها ، وهذه الأهداف تحتاج من صاحب استراتيجية التغيير والإصلاح أن يتسلح بالكثير من الأشياء وان يجعل كلمات الصبر والتفاؤل والأمل والطموح ووضوح الهدف والبذل الحقيقي والخطة المحكمة والهمة العالية محفورة في أعماق قلبه وراسخة في ذهنه .

 هناك عقبات تؤثر في عملية الإصلاح والتغيير فقد يمتلك الإنسان الرغبة في التغيير ويمشي في العمل في مراحل التغيير والإصلاح السابقة لكن العثرات والعقبات التالية قد تلعب دور كبير وتأثير سلبيا في استمرارية مسيرة الإنسان في طريق الصلاح الصعب وهي كما يلي :

سيطرة الشهوة على نفوسنا : غريزة الشهوة والتي يسميها علماء الأخلاق بالغريزة البهيمية ، لأنها من طباع وسجايا البهائم، وهي التي تأخذ الإنسان إلى بطنه وفرجه اذا تعدت الحدود ، كما هي الحال في البهائم التي همَّها الأكل والشرب والتناسل وهذه الغريزة يصدر عنها الصفات السيئة في حالة الإفراط مثل الشره والحرص الشديد وحب المال والجاه والرئاسة بدوافع نفسانية وشيطانية ، لذا فإن سلطة الشهوة كبيرة على النفوس ورغبة الشيطان في تسيير الإنسان والتأثير فيه كبيرة وهو يسعى لتظليل الإنسان خطوة خطوة حتى يجعل الإنسان عبد له يسير حسب ما يريد وما يشاء.

العجز: شي يؤثر على قدرة الإنسان في الحياة بشكل طبيعي بلا آلام وهو اما أن يكون عجز عقلي أو جسماني أو عقلي وينتج عن عوامل عديدة مباشرة مثل: الجينات الوراثية - حادثة - مرض- أو عند التقدم في السن، أما العوامل غير المباشرة وهو ما يسلك من أسلوب حياة خاطئ مثلا : عادات التغذية السيئة.

التقدم في السن : يظهر عند التقدم في السن كافة أنواع الإعاقة وهى غالبا ما تكون من النوع الدائم. وينتاب الإنسان في هذه الفترة حالة الإحباط وفقدان الأمل، كما يصاحبه في هذه المرحلة العمرية الشعور بالندم والإحساس بالذنب لما أتبعه من عادات غير صحية طيلة حياته ويتمنى الإنسان أن يرجع العمر به مرة أخرى حتى لا يقع في الأخطاء التي قام بها .لذلك نجد أن عامل التقدم في السن هو من أكثر العوامل التي تؤثر على جودة الحياة .

الألم : هو الوسيلة الطبيعية للإحساس بل والتعبير عن مدى ما يلحق بالإنسان من أذى أو ضرر، ويمكننا القول بأنه إحدى وسائل حماية الإنسان علاوة على أنها ظاهرة صحية.

الخوف هو رد الفعل الناتج عن الإحساس بالألم. ومصدره عدم الثقة بالنفس والافتقار إلى الشجاعة؟!! فالخوف هو الصورة النفسية للألم، أما الصورة المادية له تأتى عند التقدم في العمر و الإحساس بالعجز، وعند المرض، أو عند التعرض لحادثة ما وكلاهما يؤثر على عملية الإصلاح .

المعاناة : الإنسان هو السبب الرئيسي للمعاناة في حياته صحيح ان المعاناة يترافق معها الألم لكن الإنسان دائما يتعلم من المعاناة أشياء كثيرة منها : فهم الحياة ، التغلب على الصراعات النفسية ، إدراك الاحتياجات الشخصية ،معرفة العوامل المسببة للآلام. .

الضغوطات الحياتية : أولا ضغط العمل فالضغط الناتج عن العمل يأتي نتيجة اختلال العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ونتيجة الإجحاف تجاه الموظف مع افتقار وسيلة الاتصال بين المدير والموظف ، كذلك هناك أسباب آخرى مثل توافر المعلومات غير الصحيحة ، ساعات العمل الإضافية من أجل التعويض المادي ، عدم انتظام أوقات العمل هذه الضغوط تؤدي إلى الضعف في إنجاز الأعمال، وعدم معرفة المهام بوضوح .كما ان ضغط العمل إذا لم يستطع الإنسان التحكم به فأنه يقود إلى العديد من الأمراض مثل أمراض القلب.ثانيا ضغوط الأسرة فالعائلة السعيدة هي مصدر رئيسي لراحة ورفاهية الإنسان إذا كانت العلاقة بين طرفي الأسرة قائمة على المحبة والتفاهم والتعاون ، إما إذا تعرضت العلاقة للانهيار فهي ترجع لعدة أسباب منها : تردي الحالة المادية ، سوء الحالة النفسية ،عدم الموازنة بين العمل والاسرة ، وسوء العلاقة الجنسية بين الزوجين.إذا يمكن السيطرة على هذه الضغوط وإدارتها بشكل جيد من قبل الزوجين إذا كان الحب وتحكيم العقل وتقدير الظروف سائد بينهما.

الخمول : الخمول وخيم النتائج على الفرد وهو يعني ذلك المزاج الذي يمتلك الإنسان دافعا إياه لكره العمل والتهرب منه أو القيام بالعمل مكرها ، والخمول يجر إلى البطالة بمختلف أشكالها أي انه يشل الجسم والعقل والإرادة ، كما أن ذو المزاج الخامل يدفعه إلى العمل فقط الخوف من عواقب الكسل والسلبية والخامل يتهرب من كل عمل عقلي يتطلب مجهودا.

 الحزن على الماضي وما فيه من مآسي يراه البعض من قبيل الحمق والجنون وقتل الإرادة وتبديد للحياة الحاضرة ؛ لأنه لن يرجع الذي فات فاللبن المسكوب لن يرجع أبدا إلى الكأس مهما يكون لذا فما قيمة لطم الخدود وشق الجيوب على حظ فات ؟ وما قيمة أن ينجذب المرء بأفكاره ومشاعره إلى حدث طواه الزمن ليزيد ألمه حرقة وقلبه لذعا؟

 لذا فأن العاقل هو من يطوي صفحة الماضي ولا يفتحها إلا من أجل التفكر والاعتبار وليس كما يفعل البعض عندما يعيش جراح والآلام الماضي بكل تفاصيله في حاضره ليخسر الماضي والحاضر معنا ويقع فريسة القلق والاضطراب والكآبة.

 لذا فإن ما يواجه الإنسان من عقبات ومشاكل ومآسي في حياته كما ذكرنا سابقا مثل المرض ، الدين ، العادة السيئة ، تقصير في العبادة ، قسوة قلب ، المعاناة ، فقد شخص عزيز، الضغوط، يجب ألا تكون سبيلا إلى اليأس والقنوط والإحباط فهذه كلمات إذا تسللت إلى النفس تفقدها قوتها على العزيمة ورغبة العمل كما أنها تجردها من كل أمل وكل قيمة فلا يعود هناك لا همة ولا طموح في النفس وليتذكر الفرد دائما بأن الظروف الصعبة هي غربال لثقتة في دينه وغربال لثقتة بربه وغربال لثقة المرء بنفسه هل هو قادر فعلا على الإنتاج والبناء والنهوض من جديد أم الاستسلام ؟

 قال وليم بوليثو " ليس أهم شي في الحياة أن تستثمر مكاسبك ، فأن أي أبله بوسعه أن يفعل هذا ولكن الشئ المهم حقا في الحياة هو أن تحيل خسائرك إلى مكاسب ، فهذا أمر يتطلب ذكاء وحذقا وفيه يتم الفارق بين رجل كيس ورجل تافه " وفعلا هذا الأمر نراه جليا عندما تلحق الخسائر الفادحة بالشركات الكبرى وكيف إن الإداري الفذ والقيادي الناجح باستطاعته تحويل هذه الخسائر والديون بفكرة بابتكار بصبر بكفاح إلى نجاح وصعود قوي دون ان يستسلم لليأس والخنوع والتفكير بالماضي. وإذا نظرنا إلى ما قاله عبد الله بن عباس رضي الله عنه عندما فقد بصره :

إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور

فهو قابل هذه الألم والوجع بتسلية نفسه والتهوين عليها وتذكيرها بأن نعم الله كثيرة عليه وهذا معناه أن فقدان بصره ليس نهاية العالم ولا نهاية الحياة.

كما إن لحظة تأمل في أحوال الناس يجد فيها الإنسان نفسه أحسن حالا من ناس كثر في بيئته ومحيطه فقد يكون الإنسان فقير ولكن غيره محبوس بسبب دين وقد يكون لا يملك وسيلة نقل لكن غيره مبتور القدمين وقد يعيش حرا طليقا وآخر مسجون بين أربعة جدران .

لذا فأن رياضة النفس على مقاومة كل هذه الأفكار والموانع والسيطرة عليها هي مهمة جدا لمن يريد أن يتقدم نحو الإمام ولا تكون معالجة هذه الجوانب إلا بالتمسك بسلاح الصبر يقول احد الشعراء :

تنكر لي دهري ولم يدر اني أعز وأحداث الزمان تهون

فبات يريني الدهر كيف اعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكون

كذلك يقول : ثامسيطيوس : لم يتفاضل أهل العقول والدين ألا في استعمال الفضل في حال القدرة والنعمة وابتذال الصبر في حال الشدة والصبر ، وقال احد التجار قديما : ما أصغر المصيبة بالإرباح إذا عادت بسلامة الأرواح ، كما إن لرضا الشخص عن قدراته وصورته وهيئته وإمكانياته التي منحها الله له دور كبير في غرس الأمل والرغبة فالتغيير فالرضا .

هو غرس الأفكار الإيجابية وإثراء المشاعر المتفائلة، مع الاستعانة بالمخيلة والتكرار لتثبيت هذه العوامل الإيجابية في الذهن كما انه طرد لكل الأفكار والتصورات الانهزامية السابقة.

أخيرا تخطي العثرات التي تعيق تحقيق الإصلاح والتغيير يتطلب إنسان متفائل تفاؤل جدي قويم يخلصه من الأفكار السوداء ويوجه نحو العمل الايجابي المثير والتطلع الأفضل لغد مشرق كما يقول الحديث الشريف" تفاءلوا بالخير تجدوه" فالتفاؤل بالخير يتم إذا تبعه صاحبه بالعمل والكفاح من اجل تحقيق الغايات المرجوة ، كما أن التفاؤل الجاد هو الذي يحمل صاحبه على النظرة الواقعية الجادة وهو موقف عقلي يختاره الإنسان بإرادته ويتمثل في فحص المشاكل التي تقع أو تدميرها من جميع وجوهها واستقرائها بكل هدوء وتجرد.مثلا من يبحث عن العمل لابد أن يتسلح بالتفاؤل والصبر ولا يرى الأمور بسوداوية شديدة مهما طال انتظاره وساءت الظروف من حوله وطالت مدة بحثه عن الوظيفة المناسبة .