تأملات تربوية في سورة الحجر
تأملات تربوية في سورة الحجر
د.عثمان قدري مكانسي
(1)
أساليب التربية في سورة الحجركثيرة ، وهي رياض غناءة يسعد المتأمل فيها والناظر إليها ببديع هذه الأساليب التي يأخذ بعضها ببعض ، فتنظم عقداً بليغاً يحوي درر الحِكَم وجواهر الأدب وجميل المعاني الخلاّقة التي تستهوي المربين والأساتذة والآباء ، فيقتطفون منها طاقات فوّاحة من علم وأدب وتربية ... إليك بعضها :
1- قال الحكماء : (لا تقم بعمل تندم عليه )؛ وكثير منا يجترح أحدنا أخطاء دون روية ، ثم يندم عليها . ولا شك أن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه فضيلة ، وأفضل منه تصويبه وعدم العودة إليه . هذه هي التوبة النصوح . وهذه التوبة مطلوبة في عالمنا ، وما تزال مقبولة ، بل مطلوبة ما دمنا على قيد الحياة . أما الندم بعد الموت فحسرة لا تنقضي ، واعتذار لا يقبل ، وخطأ لا يغتفر إلا بعفو الله تعالى ومغفرته ولطفه ما عدا الإشراك به سبحانه ، فهذا خطأ لا يُغتفر وذنب لا يُمحى " إن الله لا يغفر أن يُشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ونقف وقفة الخائف الوجل والحذر المنتبه أمام الآية الكريمة الثانية في هذه السورة " رُبَما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " إنهم سيندمون عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكُفْر ، ويتمنون لَو كَانُوا فِي الدنيا مَعَ المسلمين . قال اِبن عباس وابن مسعود : إن الكفار حين يعرضون على النَّار يوم القيامة ويرون المسلمين ناجين منها يتمنون أَنْ لَو كَانُوا مسلمين . ولعلّ الْمُرَاد أَنَّ كل كَافِر يَوَدّ عِنْد اِحْتِضَاره أَنْ لَوْ كَانَ مُؤمِنًا . وقيل : هذا إخبارعن يوم الْقِيَامَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدّ ولا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمؤمِنِينَ" وَقَالَ بعض المفسرين إن هذه الآية يقولها الجهنّميون الذين يرون العاصين من المؤمنين خرجوا من النار بعفو الله تعالى . وفي رواية: يَقُول أهل النار للموحدين مَا أَغْنَى عنكم إِيمَانكم ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ قَالَ اللَّه : أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِن إِيمَان . وروي عَنْ أَنَس بن مَالِك قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْل لا إله إلا اللَّه يدخلون النار بذنوبهم ، يَقُول لَهُم أَهْل اللات وَالْعُزَّى مَا أَغْنَى عنكم قولكم لا إله إلا اللَّه وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّار ؟ فَيَغْضَب اللَّه لَهُمْ فيخرجهم ، فيلقيهم فِي نَهَرالحياة فيبرءون من حرقهم كَمَا يَبْرَأ الْقَمَر مِنْ خُسُوفه ، ويدخلون الجنة وَيُسَمَّوْنَ فَيهَا "الجهنميون" . إن الكفار لا يعبأون في الدنيا بغير التمتع بها وانتهاب الملذات ، فكان التهديد واضحاً في قوله تعالى " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلهيهِم الأمل ، فسوف يعلمون " ولن يعلموا إلا بعد فوات الأوان . فإذا رأوا يوم القيامة ذاقوا وبال أمرهم .
2- إن الله سبحانه وتعالى ( يمهل ولا يهمل ) فلن يُهلك الله أمة إلا بعد قيام الحجة عليها " وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم " ولـ ( الكتاب المعلوم ) معنيان متلازمان ، أولهما أن الحق سبحانه لا يهلك امة قبل إرسال الرسل ودعوتها إلى عبادة الله وحده ، فإن أجابت نجت ، وإن لم تفعل حق عليها الهلاك . وثانيهما أن لكل أمة أجل " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " والله سبحانه – على غضبه على الكفار – حليم يؤخرهم لأجلهم المحدد لهم فلا يعجل عليهم . ولذلك كانت القاعدة الإلهية في حق الأمم " ما تسبق من أمة أجلها ، وما يستأخرون . " والإنسان هو الذي يستعجل حين يغضب وتأخذه الحميّة ، يكاد يخسف الأرض بمن غضب منهم ، ويحاول جاهداً أن يستأصل شأفتهم . " وخـُلق الإنسان عجولاً "
3- العاقل يقارع الحجة بالحجة وضعيف الرأي يغطي على جهله بالهزء والسخرية ، ومن سخرية المشركين بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنهم يتعالون عن ذكر اسمه الشريف ، فلا ينادونه : يا محمد ؛ بل يقولون تعريضاً واستخفافاً " يا أيها الذي نُـزّل عليه الذكر ..." ويقصدون : يا من تدّعي أنك نبي ورسول ؛ إنك لمجنون . ويطالبونه أن يكون معه ملَك يؤيده . مع أن الملائكة لا تنزل إلا للدفاع عن الأنبياء والقضاء على أعدائهم وإبادتهم حين يشتد أذاهم للرسل وأصحابهم ، كما فعل الله بالأمم السابقة الهالكة . ويخفف الله تعالى عن الرسول ألمه وحزنه من صد المشركين وأذاهم فيخبر الحبيب المصطفى أنه ليس يدْعاً من الرسل ، فقد كُذبت الرسل من قبله ، واستهزأ المشركون بهم كما استهزأت قريش وكفار العرب به . فهذا دأب المكذبين الضالين .
4- يعاقـَب المشركون الذين صدوا عن الإيمانن وحاربوه واتبعوا أهواءهم بالكفر يعشش في قلوبهم فيتيهون في الضلالة ويعمهون فيها " كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ، لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين " وهكذا فـُعِل بكفار الأمم السابقة التي صدت عن سبيل الله ، فقد أدخل الله تعالى الشرك في قلوبهم لأنهم طلبوه كقوله تعالى في سورة الإسراء" قل : من كان في الضلالة فليمدُدْ له الرحمن مداً " وقوله تعالى " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً " فهم – المشركين – لا يؤمنون حتى يقعوا في الواقعة التي لا خلاص منها . ولعل بعضهم يقول : أحقاً هم يصدون لو وجدوا آيات بينات ؟ والدليل أن سجية البشر واحدة ، فالله تعالى قدم لقوم صالح آية الناقة حين وعدوا نبيهم أن يؤمنوا بهم لو جاءهم بخارق العادات ، فلما جاءتهم كفروا بها وقتلوها . فلما طلب القرشيون آية ذكـّرهم الله تعالى بالقاعدة الشهيرة : لا يُلدغ المرء من جحر مرتين حين أنزل الآية " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أنْ كذب بها الأولون ، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها " أي ظلموا أنفسهم بقتلها . وفي هذه السورة يفضحهم الله تعالى حين يعريهم فيقول : " لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين " فهم مثلهم . ولأنه سبحانه عالم بهم خبير بدخائلهم يقول " ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فبه يعرجون لقالوا : إنما سُكـّرت أبصارنا ، بل نحن قوم مسحورون " . وقد يتفاصح أحدهم فيقول : لِمَ يأخذ ُربك الخلـَف بجريرة السلف ؟! فنقول له : يا هذا خانك الفهم ، وجانبك الصواب ، فالله تعالى بعدله لا يترك لأحد حجة ، فقد طلب مشركو مكة دليلاً على نبوة الحبيب محمد ، وسألوه أن يطلب من ربه انشقاق القمر ليؤمنوا به ، فلما انشق القمر قالوا : سحرنا محمد ، وحين قيل لهم إن كان سحَرَكم فاسألوا القادمين إلى مكة بعد أيام عما رأوا . فلما سألوهم وأكدوا أنهم رأوا القمر فِلقتين ذلك اليوم قالوا : سحر محمد الجميع ، إن سحره قوي مستمرشديد " اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ، ويقولوا سحر مستمر ، وكذبوا واتبعوا أهواءهم .. "
5- كَانَ لِلْمَأْمُونِ - وَهُوَ أَمِير إِذ ذَاكَ - مَجْلِس نَظَر , فَدَخَلَ فِي جُملَة النَّاس رَجُل يَهُودِيّ حَسَن الثوب حَسَن الْوَجْه طَيِّب الرَّائِحَة , قَالَ : فَتَكَلَّمَ فَأَحْسَن الكلام والعبارة , قَالَ : فَلَمَّا انتهى المجلس دَعَاهُ الْمَأْمُون فَقَالَ لَهُ : إِسْرَائِيلِيّ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ لَهُ : أَسْلِمْ حَتَّى أَفْعَل بِك وَأَصْنَع , وَوَعَدَهُ . فَقَالَ : دِينِي وَدِين آبَائِي ! وَانْصَرَفَ . قَالَ : فَلَمَّا كَانَ بعد سَنَة جَاءَنَا مسلماً , قَالَ : فَتَكَلَّمَ عَلَى الْفِقْه فَأَحْسَن الكلام ; فَلَمَّا تَقَوَّضَ الْمَجْلِس دَعَاهُ الْمَأْمُون وَقَالَ : أَلَسْت صَاحِبنَا بالأمس ؟ قَالَ لَهُ : بَلَى . قَالَ : فَمَا كَانَ سَبَب إسلامك ؟ قَالَ : اِنْصَرَفْت مِنْ حَضْرَتك فَأَحْبَبْت أَنْ أَمْتَحِن هَذِهِ الأديان , وَأَنتَ تَرَانِي حَسَن الخطّ , فَعَمَدْت إِلَى الإنجيل فَكَتَبْت ثلاث نُسَخ فَزِدت فِيه وَنَقَصْت , وَأَدْخَلْتهَا الْكَنِيسَة فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي , وَعَمَدْت إِلَى التوراة فَكَتَبْت ثلاث نُسَخ فَزِدْت فِيهَا وَنَقَصت , وَأَدْخَلْتهَا البِيعَة فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي , وَعَمَدْت إِلَى الْقُرْآن فَعَمِلْت ثلاث نُسَخ منه وَزِدْت فِيهَا وَنَقَصْت , وأدخلتها الورَّاقِينَ فَتَصَفحُوهَا , فلَمَّا أَنْ وَجَدُوا فِيهَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان رَمَوا بِهَا فَلَمْ يَشترُوهَا ; فَعَلِمْت أَنَّ هَذَا كِتَاب محفوظ , فَكَانَ هَذَا سَبَب إسلامي . قَالَ يَحْيَى بْن أكثم : فَحَجَجْت تلك السَّنَة فَلَقِيت سُفيَان بْن عُيَيْنَة فَذَكَرْت لَهُ الْخَبَر فَقَالَ لِي : مِصْدَاق هَذَا فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ قلت : فِي أَيّ موضِع ؟ قَالَ : فِي قَول اللَّه تبارك وَتَعَالَى فِي التوراة والإنجيل : " بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه " الْمَائِدَة : 44 , فَجَعَلَ حِفْظه إِلَيهِم فَضَاعَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " فَحَفِظَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا فَلَمْ يَضِعْ . وفي هذه الآية أحد عشر توكيداً ( إنّ المشددة ونا الدالة على الجمع ، وضمير العظمة نحن ، والتضعيف في نزّل ونا الدالة على الجمع ، وتعريف الذكر ، وإنّ المشددة ونا الجمع ، وتقديم ما حقه التأخير " له " فالجار والمجرور حقهما أن يتأخرا عن الخبر حافظون ، ولام حافظون ويسمونها المزحلقة ، وواو الجمع في قوله لحافظون ) فهذه الآية سبع كلمات فيها أحد عشر توكيداً ، وكلام الله سبحانه وتعالى لا يحتاج توكيداً ، فالله - سبحانه - أصدق القائلين ، فكيف إذا أكده ، أو كان فيه هذا الزخم من التوكيد؟
6- التفكر والتدبرغذاء القلوب والعقول ، فنرى القرآن الكريم يرشدنا إلى بديع الصنع من سماء وأرض وجبال وشجر وماء وزرع وحيوانات وحياة وموت . وهذا التفكير في أنفسنا وما حولنا دليل على وجود االإله الخالق الحكيم الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين . ومن تفكر وتدبر وتابع المسيرة الكونية اهتدى إلى الحق ضمن قواعد منطقية متسلسلة الحلقات ، فأول هذه القواعد : أنا أفكر ، فأنا موجود ، وهذه القاعدة سرقها الفيلسوف " ديكارت " من الفيلسوف المسلم " ابن سينا " فعرفت للأول وهي للثاني وقد سبقه إليها بقرون عديدة . وثاني هذه القواعد أنه لا بد لكل حادث من محدِث ، فما نحن وما حولنا إلا مخلوقات كانت في طور العدم ، وسنعود للعدم ، ونحن لا نملك لأنفسنا موتاً ولا حياة ولم نكن نعلم متى سنوجد ولن نعلم متى نعود للفناء ، وهذه الدورة الحيوية لم تأت من فراغ ، فقانون الصدفة ضعيف متهاوٍ لا يثبت على حال ، ولا يقول به عاقل . وثالث هذه القواعد : ما له بداية له نهاية . وهذا أمر بدهي ، فنحن نرى نبات الأرض ودولة الليل والنهار والأطوار التي يمر بها الإنسان ولادة وحياة وموتاً ، وما يدّعي أحد أنه كان منذ الأزل وأنه باق إلى الأبد . وهؤلاء آباؤنا وأجدادنا قضوا ونحن على إثرهم راحلون شئنا أم أبينا . وتعال معي نتدبر هذه الآيات في هذه السورة الكريمة نتابع فيها قدرة الله وبديع صنعه سبحانه
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)
إلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)
والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)
سماء عالية ،وقبة سامقة لا يحدها النظر فيها شمس وقمر، ونجوم لا يُحصى عددُها تبهر الناظرين تسير بنظام محكم وترتيب رائع ، ثم شهب تخر من السماء بسرعة إلى الأرض فلا تؤذي من فيها تمنع الشياطين أن تسترق السمع .
وأرض ممتدة موزونة ، فيها الجبال الشامخة ، والأنهار المتدفقة ، والبحار الهادرة ، واليابسة الممتدة ، أشجار وزروع ، وخضرة وصفرة ، وترتيب عجيب لصيف وشتاء ، وربيع وخريف ، وثمار تتجدد كل فصل بما يناسبه وكل سنة في الميعاد نفسه ، وخيوانات لخدمة البشر وأكل لحوم بعضها ، ومواسم الأمطار ، وتشكل السحب ، والرياح اللواقح ... ألا يدل كل هذا على مدبر الكون وخالقه ؟! عجيب أمر البدوي الذي نطق الحكمة فقال : البعرة تدل على البعير، والماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ، ألا تدلان على الحكيم الخبير؟!.
بلى إنه الله الذي لا إله إلا هو ، به آمنا ، وعليه توكلنا ، وإليه أنبنا ...........
(2)
1- قد يكون التكريم هبة وتفضّلاً وقد يكون ثواباً وجزاءً وقد يكون للأمرين كليهما . وقد الله تعالى أراد للإنسان المسلم المؤمن بشخص آدم عليه السلام أن يكرمه ابتداء ، فخلقه بيديه سبحانه . وهذا أعظم تكريم للمخلوق أن يصنعه خالقه بيديه ، ولذا وبّخ الله سبحانه إبليس حين امتنع عن السجود لآدم " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ ؟ أستكبرت أم كنت من العالين ؟ " 75 " ص" فاللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمَ الملائكة قَبْل خَلْق آدَم عَلَيْهِ الصلاة والسلام بِأَنَّهُ سَيَخْلُقُ بَشَرًا مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون ، وتقدّم إليهم بالأمر : مَتَى فَرَغَ مِنْ خَلْقه وَتَسْوِيَته ، فَلْيَسْجُدُوا لَهُ إِكْرَامًا وَإِعْظَامًا وَاحْتِرَامًا وامتثالاً لأمر الله عَزَّ وَجَلَّ . فامتثل الملائكة كلهم ذلك سِوَى إِبْلِيس الذي كَانَ مِنْ الْجِنّ فَخَانَهُ طَبْعُهُ وَجِبِلَّته فَاسْتَنكَفَ عَنْ السُّجُود لآدم وَخَاصَمَ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ وَادَّعَى أَنَّهُ خَيْر مِنْ آدَم فَإِنَّهُ مَخلُوق مِنْ نَار وَآدَم خُلِقَ مِنْ طِين ، وَالنَّار – بزعمه - خَيْر مِنْ الطِّين " قال: أنا خير منه ، خلقتني من نار ، وخلقتَه من طين " 76 " ص " وَقَد أَخطَأَ فِي ذَلِكَ ، وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّه تَعَالَى وَكَفَرَ بِذَلِكَ فأبعده الله عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَرْغَمَ أنفه وطرده عَن بَاب رَحْمَته وَمَحَلّ أُنْسِهِ وَحَضْرَة قُدُسه وَسَمَّاهُ إِبْلِيس إعلاماً له بِأَنَّهُ قَدْ أُبْلِسَ مِنْ الرَّحْمَة ، وَأَنْزَلَهُ مِنْ السَّمَاء مَذْمُومًا مَدْحُورًا إِلَى الأرض . فليست الكرامة للمادة والجنس أو القوة والغنى ، إنما الكرامة للتقوى والصلاح وفي هذه السورة يستنكر إبليس أن يكون الطين خيراً من النار " قال : امْ أكنْ لأسجد لبشر خلقتَه من صلصال من حمإ مسنون " فلعنه الله إلى يوم الدين وأخرجه من رحمته . والعجيب أن بعض البشر يحقِرون أباهم آدم ، ويُقِرّون لعدوهم إبليس بالتقدّم والصدارة ، فهذا بشار بن برد " علمانيّ الأمس" يقول بصلافة ووقاحة :
إبليس خير من أبيكم آدمٍ فتـنـبهـوا يـا معشـر الفجـّارِ
النـار معدِنـُه وآدم طينـةٌ والطين لا يسمو سُمُوَّ النـار
والفجور – كما ذكر الشاعرنفسه – خروج على الحق ، ووقاحة في التصرّف ، وإصرار على السفاهة والتفاهة ومخالفةٌ للحق وأهله . فهنيئاً له انتسابه لإبليس وصحبته إياه .
2- يُبرز الحوار الفكرة ممزوجة بالصوت ، فتسمع الكلام ، ويُصوّر الحوار ، فترى شخوص المتكلمين ، أما سماعك لله تعالى ورؤيتك له سبحانه فذلك بقلبك البصير المتعبد له ، وشغاف فؤادك المتعلق به ، المحب له ، جل في علاه . وأما رؤيتك لإبليس وسماعك إياه فسماع القالي النافر من االكافر المتغطرس الذي دعاه استعلاؤه أن يكون وقود النار وإمام الفجار إليها والعياذ بالله .
فالحوار صوت تسمعه ،وصورة تلازم الصوت ، ونقاش دائر بين طرفين أوّلهما الحق كله ، وثانيهما الباطل كله ، لكنّ الأمر الإلهي كان للملائكة الأبرار الأطهار ، وكان إبليس الجنيّ معهم فشمله الأمر ، وكان عليه الطاعة فأبى الأمر الذي أورده الخلود في النار والعذاب الشديد .
إن الحوار يثبت المعلومة ، ويوضح الفكرة ، ويستعمل أكثر من حاسة في التعامل مع الفكرة وهضمها .
" - وإذ قال ربك للملائكة : إني خالق بشراً من صلصال من حمإ مسنون ، فإذا سوّيتُه ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين .
- فسجد الملائكة كلهم أجمعون . إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين .
- قال : يا إبليس ؛ ما لك ألاّ تكون مع الساجدين ؟
- قال " لم أكن لأسجد لبشر خلقتَه من صلصال من حمإ مسنون .
- قال : فاخرج منها ، فإنك رجيم ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين .
- قال: ربِّ ؛ فأنظرني إلى يوم يُبعثون .
- قال: فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم .
- قال : ربِّ بما أغويتني لأزيّنَنّ لهم في الأرض ، ولأُغويَنّهم أجمعين ، إلا عبادك منهم المخلـَصين .
- قال : هذا صراطٌ عليّ مستقيم ، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتّبعك من الغاوين . وإن جهنّم لَموعدُهم أجمعين . لها سبعة أبواب ، لكل باب منهم جزء مقسوم . "
وإني لأتعجب من إبليس الذي عرف أنه أخطأ حين عصى ربه وهو يعلم أنه مخلوق ضعيف عقابه الخلود في جهنم ، كيف لم يتدارك الأمر ، فيستغفر ربه حال خطئه ويتمرّغ في أعتاب سيده يرجوه الصفح والعفو . كيف - وهو الخاسر نفسه في أتون النيران اللاهبة إلى أبد الآبدين يستمرعلى خطئه ويُصر عليه ، ويتحدّى ربه سبحانه في إضلال البشر ودفعِهم معه إلى النار ؟ ما أغناه عن هذا المصيرالرهيب الذي ينتظره ولو أخذ معه البشر كلهم إلى جهنم ! كيف استمر متحدياً ، وطلب أن يبقى إلى اليوم المعلوم ؟ ألم يعلم – وقد كان طاووس الملائكة - أنه لن ينفعه الخلود في الدنيا من المصير الكئيب الذي ينتظره في ذلك اليوم الطويل وما بعده من هوان وذل وعذاب وقهر ؟! أم إن التكبر والتعاظم - مع الغضب - يأخذان باللب ، ويعصفان بالعقل حتى يسقط صاحبهما خزيان مرذولاً ؟! فيطلب ما لافائدة منه ولا طائل من ورائه .
ألم يشعر وهو يعيش آلاف السنين بلظى النيران التي اطّلع عليها تحرق جسدهبمجرّد أن يتذكر ذلك ؟ وتأكل قلبه وكأنه واقع فيها قبل أن يصلاها ؟! ألم يخطر بباله طيلة هذا الزمن الممتد أن يستغفر ربه ؟ أم إن القدر وقع ، ولم يبق أمامه إلا أن يستمر في المهمة التي احتملها؟ !
خواطر قد تتراءى لغيري كما تراءت لي ، ولكنّ مشيئة الله سبحانه نافذة لا مفر منها ، نسأل الله السداد والرضا وحسن الختام .
3- أما التشويق فأسلوب يدخل الصدور مع النسيم ، والقلوب مع ذرات الأوكسجين ، والعيون مع أول شعاع ضوء ، والأبدان مع أول رعشة من رعشاتها . وهو أسلوب محبب إلى النفوس يحرك الرغائب ، فيمسي الصعب سهلاً ، والعزيز يسيراً .
يشوّقنا الله تعالى إلى الجنة مأوى المتقين بعد محاورة صوّرت مصير الفسقة المجرمين في جهنم ذات الأبواب السبعة الموصدة .. فإذا بالجنة ذات عيون متفجرة هنا وهناك ،" إن المتقين في جنات وعيون " والمسلمون يدخلونها معززين مكرّمين " ادخلوها بسلام آمنين " امتلأت قلوبهم بالحب ، وغاب عنها الحسد والغيرة والنميمة والكذب والشحناء والبغضاء .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَوَّل مَا يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة تَعْرِض لَهُمْ عَيْنَانِ , فيشربون مِنْ إِحدَى الْعَيْنَيْنِ فَيُذْهِب اللَّه مَا فِي قلوبهم مِنْ غِلّ , ثم يدخلون العين الأخرى فَيَغْتَسِلُونَ فِيهَا فَتُشْرِق أَلْوَانهم ، وتصفو وجوههم , وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَة النَّعِيم ;..
في الجنة الحب والطهارة والأمن والأمان " ونزعنا ما في صدورهم من غل ، إخواناً على سرر متقابلين " قَالَ اِبن عَبَّاس : ( عَلَى سُرَر مُكللة بالياقوت وَالزَّبَرجَد وَالدُّرّ ) ، ينظر بعضهم غلى وجوه بعض تواصلاً وتحبـُّباً ; وتدور الأسِرّة كيفما شاءوا ، فلا يَرَى أَحَد قَفَا أَحَد ، قَدْ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِم الأزواج وأقبلوا عليهنّ بالود . " لا يمسهم فيها نصب " فلا مشقة في الجنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً أمنا خديجة رضي الله عنها كما في الصحيحين " إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أُبَشِّر خَدِيجَة بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّة مِنْ قَصَب لا صَخَب فِيهِ ولا نَصَبَ " " وما هم منها بمخرجين " وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى " يُقَال يَا أَهْل الْجَنَّة إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فلا تَمْرَضُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَعِيشُوا فلا تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تُقِيمُوا فلا تَظْعَنُوا أَبَدًا " .
4- الترغيب والترهيب من أعطم اساليب التربية كما ذكرنا سابقاً ، ولا بد من الإعذار والإنذار الذي نجده في قوله تعالى " نَبـِّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ، وأن عذابي هو العذاب الأليم " والتبليغ واجب الرسل والأنبياء والدعاة كلهم .
ولا يُذكر النبأ دون الخبر إلا للأمر العظيم . وهل أعظم من رحمة الله ومغفرته في مرضاته والعمل بأمره ، والانتهاء عن نواهيه؟ وهل أشد من عقابه حين يغضب فيأمر ملائكته بعقاب المجرمين ؟ نسأل الله رضاه والجنة " قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون " وهو نبأ اليوم الآخر والحساب والعقاب ، وكذلك قوله في سورة عمّ " عمّ يتساءلون ؟ عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون " كما أن نزول الملائكة الكبار على إبراهيم عليه السلام كان نبأ عظيماً ،نـُفـِّذ فيه دمار قوم لوط فقتلوا عن بَكرة أبيهم ، لفحشهم ، وازدياد فسادهم ، والتبجح في ذلك والإعلان به جهاراً نهاراً . فقد جاءه قومه حين رأوا الملائكة صباح الوجوه ، يريدون اللواط بهم . ، فلما حاول منعهم ، وطلب أن لا يفضحوه في ضيفه ، وأن يتقوا الله في أفعالهم كان جوابهم غاية في الوقاحة والفجور : ألم نمنعك أَنْ تُكَلِّمنَا فِي أَحَد مِن النَّاس إِذَا قَصَدْنَاهُ بِالْفَاحِشَةِ ؟!" أولم ننهك عن العالمين" فلما نبههم إلى نِسَائِهِمْ وأنهنّ الطهر والعفاف ، وَأرشدهم إلى مَا خَلَقَ لَهُمْ رَبّهمْ مِنْ النكاح الْمُبَاحَ - وَهُمْ غَافِلُونَ عَمَّا يُرَاد بِهِمْ وَمَا قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ مِنْ البلاء وَمَا يُصْبِحُونَ مِنْ الْعَذَاب الْمُنْتَظَر سخروا منه ، ولم يرعَووا ، فكان الانتقام منهم رهيباً . ومن يسِرْ على نهجهم ، ويرتكبْ جنايتهم عوقب عقاباً شديداً ، ودمّره الله دمارً كبيراً .
5- دعوة إلى التفكر قد يرى الإنسان آثار السلف من أحجار وعُمُد ومسارح وملاعب ، فيدخلها متمتعاً بما يرى من حضارة سلـَفت ، يراها بعيني رأسه دون أن يفكر معتبراً بما آلوا إليه من هلاك ودمار . ويمضي مبتهجاً أنه عاش سويعة بين قوم سبقوه بآلاف السنين ، ويرى ذو البصيرة هذه الآثار بعيني قلبه وإيمانه الشفاف ، فيعلم أن القوم كفروا بالله ورسله فأرسل عليهم رسل الهلاك من رياح وأمطار وزلزلة ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فتفكر الزائرُ وتدبّر واتعظ مما رأى
ذاك مرّ بجسمه ، فكأنه لم يمرّ ، وهذا مر بإحساسه ويقينه فحمد الله أنه ذاق فعرف . هذا هو المتوسّم الذي يتأمل ويتفرّس فيستفيد ويتعظ ، ويتفكر ويعتبر . ذاك لم يستفد من زيارته هذه ، وهذا رأى بعين عقله وبصر فؤاده " إن في ذلك لآيات للمتوسمين " و " إن في ذلك لآية للمؤمنين " . وقد كان قوم لوط وأصحاب الأيكة من بعدهم – وقد ظلموا أنفسهم ولم يتعظوا بمصائر قوم لوط - قريبين في الزمان والمكان ، وكان العرب من أهل مكة وغيرها يمرون عليهم - على آثارهم - ، فدعاهم القرآن للاعتبار بمصائرهم " وإنها لبسبيل مقيم " و" إنهما لبإمام مبين " وطريق واضح يراه كل مسافر إلى بلاد الشام وعائد منها .
وهؤلاء قوم عاد – أصحاب الحجر – كذّبوا رسولهم هوداً عليه السلام ، ومن كذّب رسولاً واحداً فقد كذّب المرسلين جميعاً " كذّب أصحاب الحجر المرسلين " وقد كانوا أقوياء ، فقالوا لنبيهم " من أشد منا قوة " ونسوا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة . وكفروا ، وعتَوا عن أمر ربهم ، فدمّرهم تدميراً " إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر ، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر " واتخذوا من الجبال بيوتاً " فنحتوها " كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين " فهل أغنت عنهم قوتهم التي اعتدّوا بها ؟ " فأخذتهم الصيحة مصبحين ، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون "
العاقل من اتعظ بغيره ، والسفيه من اتعظ بنفسه ، والغبي من يعيش عيشة البهائم لا يدري من الأمور شيئاً .
6- بعض صفات الداعية " في كل سورة نجد صفات للدعاة إلى الله تعالى ، وفي هذه السورة المباركة نجد روائع منها ، هي :
أ- أن يعفو ويصفح. فهو – الداعية - ذو القلب الكبير الذي يتحمل الغِلاظ قـُساة القلوب ، أما الحساب ففي اليوم الآخر حيث لا يضيع عند الله مثقال ذرة ." فاسفح الصفحَ الجميل "
ب-وأن يكون القرآن على لسانه وفي قلبه يغترف منه كل آن وحين " ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآنَ العظيم " ومن رزقه الله حفظ القرآن وفهمه ، فقد أوتي خيراً كثيراً . روى القرطبي رحمه الله : أنه وَافَى سَبْع قَوَافِل مِن بُصْرَى وَأَذرِعَات لِيَهُودِ قُرَيْظَة وَالنَّضِير فِي يَوْم وَاحِد , فِيهَا الْبُرّ وَالطِّيب وَالْجَوْهَر وَأَمْتِعَة الْبَحْر , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الأموال لَنَا لَتَقَوَّيْنَا بِهَا وأنفقناها فِي سَبِيل اللَّه , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَقَدْ آتَيْنَاك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي " فَهِيَ خَيْر لَكُمْ مِنْ الْقَوَافِل السَّبْع , فلا تَمُدَّنَّ أَعْيُنكُمْ إِلَيْهَا.
ت-أن يكون واقعياً وأن تكون الآخرة همه ، إن الدنيا ذاهبة ، والأخرى باقية " لا تمُدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم " .وقد نُهي الرجل أن يتمنّى ما لصاحبه حسداً لا غبطة . وأن عليه أن يطلب ما عند الله . ولا شك أن الإنسان يحب في الدنيا ما دام فيها أموراً وأشياء على أن لا تكون همّه الذي يحزن إن فاته ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ( حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دنياكم النِّسَاء وَالطِّيب وَجُعِلَتْ قُرَّة عَيْنِي فِي الصلاة ) ، وَإِنَّمَا شَرَعَ اللَّه سُبْحَانه حَنِيفِيَّة سَمْحَة خَالِصَة عَنْ الْحَرَج ، خَفِيفَة عَلَى الآدميّ , يأخذ من الآدمية بِشَهَوَاتِهَا وَيَرْجِع إِلَى اللَّه بقلب سليم.
ث- أن يلين جانبه لمن آمن به ويتواضع لهم ، فهم إخوانه وعَيبتُه " واخفض جناحك للمؤمنين " ومن الخطأ أن يتكبر المسلم على الناس جميعاً ، وإخوانه أجدر ببره وتحببه إليهم .
ج- أن يكون صريحاً وجريئاَ في الدعوة إلى الله تعالى ، يعلن ذلك على الملإ ويلتزم بما يدعو إليه " وقل إني أنا النذير المبين " والصادق في دعوته من قرن القول بالعمل . وكان مثالاً يُحتذى . ويؤكد هذا الآية الكريمة " فاصدع بما تُؤمر " .
ح- إن ضيق الصدر ينتج عن إعراض المدعوّ عن الداعي والدعوة ، فيتكاسل الداعية ، ويقصر عن القيام بها ، فإذا أحس بذلك لجأ إلى تسبيح الله واللجوء إليه والجتهاد في الطاعة ، فيفرّج الله عنه ضيقه ، ويمدّه بشحنة قوية تعينه على الاستمرار في مهمته الدعوية " ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون ، فسبح بحمد ربك ، ومن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ."
7- يعتقد بعض المنحرفين أنهم إذ عبدوا الله وتلذذوا بعبادته ووصلوا إلى اليقين والإيمان سقط عنهم التكليف . ويستشهدون بقوله تعالى " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " هؤلاء استحوذ عليهم الشيطان ووثـّقهم بحبائله ، فأنساهم ذكر الله . واليقين هنا الموت . والدليل عليه قول الله تعالى في سورة المّثّر : " قالوا ما سلككم في سقر ؟ قالوا : لم نَكُ من المصلين ، ولم نَكُ نطعم المسكين ، وكنا نخوض مع الخائضين ، وكنا نكذّب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ، فما تنفعهم شفاعة الشافعين ، فمالهم عن التذكرة معرضين كأنهم حُمُر مستنفرة ، فرّتْ من قسورة ؟ " ولو أن اليقين الذي قصدوه هو الذي أتاهم لنفعتهم شفاعة الشافعين !! ثم إن قدوتنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول " وجُعلَتْ قرةُ عيني في الصلاة " .
وهل يرضى المؤمن أن يترك الصلاة وهي دليل صلته بالله تعالى ، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام ، والفيصل بين المسلم وغيره .
نسأل الله تعالى الإيمان الخالص والثبات عليه ، وصحبة الأبرار ، ورضاه والجنة .