معايير النجاح في برامج التغيير

د. عبد العزيز الأحمد

معايير النجاح في برامج التغيير

الشيخ الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الأحمد

المشرف العام على مركز وموقع حلول للاستشارات والتدريب

من تأمل في هذا العالم، لوجده يعج بكثير من المشكلات والاضطرابات الفردية والاجتماعية، مما دفع الحريصين من العلماء والمتخصصين لابتكار برامج ومشاريع تربي الإنسان وتقيه وتعالجه مما فيه، وتتنوع الطروحات وتتعدد النظريات بحسب مدرسة كل عالم ومنظر.. فهناك المدارس الممجدة لأثر العلم والمعرفة والعقل وأثره في تطوير السلوك وتعديله كالمدرسة المعرفية وعلى رأسها بيك وميكنوبم وغيرهما، وهناك المدرسة التي تضيف إلى العقل أثر الانفعال والعاطفة والتي من زعمائها آلبرت إلس، وهناك المدرسة التي تعيد للإنسان معناه وتجعل هدف حياته أسمى من الماديات وهي التي أسسها فرانكل، وهناك المدرسة التي تمجد الأساليب وإلغاء كل ما سبق وأن رد الفعل قائم على الفعل نفسه وهي المدرسة السلوكية، وقد أجادت هذه المدرسة في طرح الفنيات المشهورة كالإقناع والتحفيز والتطمين ..الخ، كذلك بزغ نجم مدرسة شهيرة في أمريكا وانتشرت في مجتمعات الفتيان والفتيات وهي المدرسة الواقعية، وعرّابها جلاسر، والتي تنطلق في ضخ بعض المعرفيات الواقعية السهلة الملبية لقلب الإنسان وحاجاته، كالحب والانتماء وغيرهما.

إن ذلك وغيره كثير، وله نظار وكتاب ومدارس، بعضها لم ينجح، والبعض نجح نجاحاً محدوداً، والقليل منها حالفه نجاح أكبر، هذا وهم خلو من المعارف الإلهية والبرامج الربانية والآثار النبوية، فكيف لو قرأوا القرآن وآمنوا به؟ واطلعوا على السنة وفهموا سيرة صاحبها عليه الصلاة والسلام؟ كيف لو عقدوا مقارنة بسيطة تحت سؤال واحد فقط إجابته واضحة لكل ذي عينين: كم نسبة الانتحار لدى الغرب، ونسبته لدى المسلمين؟! وليعقد القارئ مقارنة بينهما .. لا سواء!

إن ذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى الأمان النفسي الذي يمنحه الإيمان بالله تعالى، فهو يجيب على الأسئلة الثلاثة المقلقة لديهم:

من أين أتيت؟

ولماذا وجدت؟

وإلى أين أذهب؟!

ورغم أن الطروحات تعددت في رسم المنهج القويم لهذا الكائن الكريم، وأن بعضها أفاد في بعض الجوانب، إلا أنها ناقصة من نور الإيمان وبصيرة العلم والتوفيق الخاص بالمؤمنين من الرحمن الرحيم، قال تعالى: "أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها"، وقال تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء".

نعم، إن بعض البرامج الغربية أبدعت في الوسائل وأجادت في دقة العبارات ووضوح التطبيقات، غير أن منطلقاتهم مغلفة بالإلحاد ومغرقة في الأنانية، وعابدة للمادية، وما علينا نحن المسلمين كما قال الأستاذ الدكتور مالك بدري العالم النفسي الشهير إلا إتباع الحق والحكمة، نأخذ ما صح من وسائلهم وإبداعاتهم ونقعدها على قواعدنا العلمية المتينة، فإن ذلك يجيب على تلك التساؤلات الثلاث التي تنظر للحياة والكون الإنسان بالنظرة الربانية، تلك النظرة لازمة لزوم الماء للحياة والهواء للأرواح، ولكي ينجح أي إنسان في برنامج معين فلا بد أن يتوافر فيه وفي البرامج الذي سيسلكه معايير دقيقة.

أما الإنسان فلا بد أولاً من الشعور للحاجة بالبرنامج والشعور بنقص في أحد الجوانب والسعي لسداده.

ثانياً، الاعتراف بذلك إما بلسانه أو حاله، وذلك نوع من الخطاب الذاتي الملهم.

ثالثاً، الاقتناع بأهمية البرنامج في تحقيق الهدف الذي يصبو إليه.

رابعاً، الانطلاق من عالم التنظير إلى عالم التطبيق، فالقاعدة تقول دقيقة عمل أعمق أثراً من ساعة كلام.

خامساً، التروي على بدوِّ الثمار، فمعظم من يحرم الخير والنجاح يصاب بذلك من باب استعجاله للنتائج، وهذا منكر في الماديات كالزروع، فأزمنتها واضحة معلومة، وأيامها ظاهرة محدودة، فكيف بالتعامل مع الإنسان العجيب في روحه وخلقه وعقله؟!

سادساً، التقييم (قياس الأثر)، فمهما عمله الإنسان وطريقه غير مقنن وسيره غير محدد فإنه لا يستدل على ما مضى وما بقي، وهذه من المعضلات في البرامج البشرية الإنسانية، ويلاحظ في الإسلام وشعائره أنه جعل قياس الأثر مربوطاً في الجملة بأمرين: الإقبال والارتياح، فمتى ما أحس الإنسان بإقباله وانشراح صدره للأعمال وتبكيرٍ وتقدمٍ إليها فذلك دليل على إيمانه وتجدده، ومتى ما تأخر عنها وأحس بضيق منها فهذه علامة ظاهرة على الضعف والتقهقر، غير أن بعض المتخصصين من المسلمين بدأوا يطرحون مقاييس اجتهادية مقننة عليها ثبات وصدق، وهي خطوة رائدة للاتجاه الصحيح يحتاج ذلك للمراجعة والتطوير، وقد بدأنا نحن ذلك في برنامج رمضان غيرني، رغبة في معرفة الإنسان لذاته وتقييمه لنفسه ثم تطبيق البرنامج عليه.

أما معايير البرنامج الناجح فهي ما يلي:

أولاً، الانطلاق من أساس معرفي متين، وما يطلق عليه بالنظرية العلمية المنطلقة من مسلمات واضحة، يقوم عليها كل لوازم البرنامج: (الأهداف، الأساليب، المقاييس..الخ). وفي برنامج رمضان غيرني نجد هذا ظاهراً، إذ ينطلق من مسلمات جلية نحو الآتي:

- الإيمان بالله وما يشمل ذلك.

- ثم العقل المناط به التكليف

- ثم الزمن المخصص له شرعا

- يلي ذلك الأحكام الشرعية العلمية والعملية من نية وقيام وصيام

- يلي ذلك مفهوم أن الإنسان كائن متغير إما إلى الأفضل أو إلى الأسوأ

ثانياً، تحديد الأهداف المراد الوصول إليها في البرنامج، وهذا موجود في برنامجنا ومنشور في الموقع

 http://ramadan.holol.net/index.php?page=about_pro

ثالثاً، الوقت والزمن المناسب لتطبيقه، فلا بد لأي برنامج فعال أن يحتوي على زمن معلوم وكافٍ لإحداث التغيير في الإنسان، فلا ينقص عن الأسبوعين وإن شارف على الأربعة فحسن، وهذا ما يظهر في عبادة شهر رمضان، وزمنه محدد معلوم في اليوم بداية ونهاية بسماع المؤذن أو برؤية غروب الشمس أو خيط الفجر!

رابعاً، وضوح الأساليب والفنيات في البرنامج، فلما تحددت الأهداف وضحت الأساليب ومن ثم سهل القياس وعرفت النتائج، ومن الأساليب البارزة في هذا البرنامج قراءة القرآن الكريم والصدقة وصلاة التراويح والحديث النفسي والاعتكاف والإفطار والسحور وصلاة العيد.

خامساً، التنوع في البرنامج، فالبرامج العامة التي يأتلف عليها الملايين كلما تنوعت ممارساتها ومناشطها كلما كانت أشمل تأثيراً وأكثر تغييراً، فكيف وهذا البرنامج (العبادة) ينضوي تحته أكثر من مليار مسلم وفيه عشرات الأساليب والمناشط التي هي كفيلة بتطوير الإنسان وتغييره وإنجاح البرنامج بشكل مبدع، ومتى ما علم المسلمون أصحاب هذا البرنامج حدوده وأحكامه وأهدافه، وعلموا لمن يصومون، فقد سعوا حقاً نحو تحقيق الهدف الكبير الذي صاموا لأجله: (لعلهم يتقون(