كنزك بين يديك
فاطمة عبد المقصود
حين أتأمل أدبنا المعاصر وأقارنه بما مضى أشعر بشىء من الأسى، نفس الأسى الذى نشعر به جميعا عند مطالعتنا لحال الأمة فى جميع نواحيها، فى السياسة والحكم، فى العلوم، فى الأخلاق، ... ولكن تلك المجالات الأخرى لها موضع آخر غير هذا الحديث، فحديثى الآن عن الأدب، ذلك الذى عُرفت به الأمة زمنا فكان وعاءًا لها يرصد حالها وواقعها ويعبر عن آلامها وأحلامها.. هذا لا ينفى أن من تراثنا الأدبى ما لا نرحب به ولا نراه معبرا عن الأمة، ولكنه القليل الذى لا يؤتر على الكثير النافع.
لقد طال تراثنا الأدبى ما طال غيره من إبعاد وتهميش، إذ عرف المتآمرون كيف يقيمون السدود بيننا وبين تاريخنا المشرق الوضىء بغية أن ننسى ونفقد السبيل لعودة صحيحة، عرفوا أن اللغة هى مفتاح الولوج والفهم فحالوا بيننا وبينها، واستسلمنا نحن لتلك الحواجز التى اصطنعوها فشعرنا بصعوبة اللغة وابتعدنا عنها، صرنا لا نفهم القرآن الكريم، كتاب الهدى والرشاد بل فينا من لم يعد يقرأه لأنه يشعر بصعوبته ولا يعرف كيف يُقرأ، وصار كل أدبنا طلاسم لا نفقه منها شيئا..
ابتعدنا عن اللغة فكان طبيعيا أن نبتعد عن آدابها وما تحوى من أصالة وقيم تبنى الفكر وتغذى الشعور والحس، وكان من نتيجة ذلك شغف الشباب بالروايات الأجنبية والمسرحيات العالمية، الجيد منها والردىء، بل وروايات الجيب والروايات البوليسية المثيرة .
واتُهم الأدب العربى بأنه لا يتماشى مع العصر وليست لديه فنونه الجديدة، ومضت علينا أعوام لا نبصر فيها إلا أدبا غريبا عنا وعن هويتنا وقيمنا، حتى بدأ المحبون يلتفون حول أصولهم الثابتة ويحاولون استخراج الدرر الكامنة من ذلك التراث النابض بالحياة، وها نحن نرى جيلا عاشقا للغته غيورا عليها حريصا على تراث أمته وقيمها المستمدة من شرعتها ويرجو أن يوفى لها بكل ما يستطيع..
ورغم ذلك وحتى يختفى ذلك الأسى من قلوبنا فنحن مطالبون ببذل المزيد والمزيد، فما زال أدبائنا الشبان فى حاجة إلى نصوص سهلة واقعية ينتقيها له الغواصون المهرة ليقبل عليها الشباب بكل حب وشغف، بل علينا أن نقدم ذلك أيضا للناشئة كى يشعروا منذ صباهم بجمال لغتهم وتميز الأدب فيها، يجب أن يعرفوا أن أدبنا تميز فى العديد من الفنون كأدب الرسائل وأدب المقامات وأدب الرحلات وغير ذلك مما يتميز به أدبنا العربى ويعرفه المتخصصون.
أخيرا أرجو أن يكون هم أدبائنا هو إنارة الطريق لمن يخطون الخطوات الأولى حتى لا يشردوا بعيدا ويطلبوا الخير من غير أهله، ولا عيب فى أن يقرأ الشباب الآداب العالمية وينتقى منها الجيد والمفيد، وإنما نقصد أن تكون تلك القراءة تكميلية لا أن تكون الأصل، فلدينا نبع ثر وكنز وفير ولا يجب أن نلتفت إلى غيره قبل أن نأخذ منه ما يبنى أرواحنا وعقولنا.