يا من تقتلون الناس.. هذا مصيركم

فقه

د. زغلول النجار

مفكر إسلامي

ينهى القرآن الكريم عن القتل بغير وجه حق فيقول الله (عز وجل): (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً) (الإسراء: 33)، كما ينهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله الشريف: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا يا رسول الله! وماهن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (البخاري) – وبقوله (صلى الله عليه وسلم): لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" (الترمذي) وقوله: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" (البخاري).

كذلك وجهت الآية الكريمة ولي المقتول ظلماً إلى عدم الإسراف في القتل، وذلك بقتل غير القاتل، كما كان يفعل أهل الجاهلية، وكما يفعل أهل الثأر في زماننا الذين يقتلون بالواحد عدداً أكثر ممن لا ذنب لهم في جريمة القتل، والله تعالى جعل لولي المقتول سلطة على القاتل بفرض القصاص عليه، أو قبول الدية منه، أو العفو عنه.

ويؤكد القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أن على الحاكم المسلم أو من ينوب عنه أن يأخذ للمقتول حقه من قاتله، بعد ثبوت جريمة القتل عليه في محاكمة نزيهة. فالنفس الإنسانية ملك لخالقها، الذي أوجدها، وحدد لها أجلها فلا يجوز لعبد من عباد الله أن يقتل غيره، ولا أن يقتل نفسه، لأنه لا يملك حق التصرف في نفوس العباد إلا الله.

فنفس كل إنسان أمانة عنده إلى أجل محدد بقضاء الله وقدره، وبالتالي فلا يجوز لعبد من عباد الله أن يتدخل فيما قضى الله وقدر.

ومن هنا كان اعتداء الإنسان على نفسه كاعتدائه على غيره سواء بسواء، ولذلك قضت الآية الكريمة التي استهللنا بها هذا المقال ألا يقتل الناس بعضهم بعضاً، كما تنهي عن قتل الإنسان نفسه بالانتحار أو بالقيام بأعمال قد تؤدي إلى هلاك نفسه، وفي ذلك يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قوله: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات".

قال الله تعالى: "بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة" (البخاري). وقال (صلى الله عليه وسلم): "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه  في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً (مسلم).

وإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يبشر الذي يقتل نفسه بالخلود المخلد أبداً في نار جهنم، فما بال الذي يقتل غيره، أو يتسبب في قتل عشرات الآلاف من البشر الأبرياء بدون وجه حق، كالذي حدث في كل من الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي كل من جريمتي هيروشيما وناجازاكي، وفي ساحات كل من أفغانستان وباكستان والعراق، وما يجري اليوم على أراضي كل من سوريا وميانمار، ومالي، ومصر، والذي يحدث على أرض فلسطين منذ قرابة قرن من الزمان، وهذه كلها جرائم أكبر إثماً، وأشد تحريماً من قتل الإنسان نفسه!!

وللتحذير من الولوغ في ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضي بين الناس بالدماء" (البخاري).

ويقول (صلى الله عليه وسلم): "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمداً، أو الرجل يموت كافراً) (النسائي).

والقاتل لو صبر على من قتل، فإن أجله كان حتماً سيأتيه في نفس اللحظة التي قتله فيها وذلك انطلاقاً من قول الله تعالى: (وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) (آل عمران: 145). ومن قول رسوله (صلى الله عليه وسلم): إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد (متفق عليه).