إذا حاصرتم أمتنا بين الخيارين الأسوأين

فإن شباب الأمة سيضطرون إلى الأسوأ لكم أيضا

زهير سالم*

[email protected]

يبدو أن الأمور في شرقنا العربي تسير إلى غاية لا يرضاها العقلاء . ويبدو أن المسيطرين على القرار الدولي لم يستفيدوا بعدُ من تجربة قرن مضى من القراع معهم ومع أدواتهم من أساطين الاستبداد والفساد ضد عقيدة هذه الأمة وشعوبها على السواء . وهاهم بكل غبائهم التاريخي الذي تعاملوا به مع هذه الشعوب يستأنفون اليوم معركتهم مع شباب هذه الأمة على الأسس نفسها وبالغباء الذي عرفناه عنهم نفسه ..

مضى القرن العشرون قرنا أسود للصراع المرير وأثمر في واقع الحياة السياسية للأمم والشعوب هذا الفصام النكد و الصراع الذي لا تزال ضحاياه حول العالم تتساقط دما إنسانيا غزيرا وعزيزا على أهله وكل إنسان يمتلك إنسانيته الحقة هو من أهله على السواء ...

العقلاء عندما يقررون خوض معركة لا ينظرون فقط إلى نتيجتها النهائية مهما كانوا واثقين من قوتهم ومن قدرتهم ومن تفوقهم ؛ وإنما ينظرون قبل ذلك أصلا إلى كلفتها الحقيقية وفي مقدمة ما ينظرون إليه من أمر الكلفة تلك الكلفة الإنسانية التي يحسب لها بنو الإنسان دائما أفضل الحساب ..

وإذا بدأنا إعادة الحساب من أرض فلسطين فقد كان سهلا على القوي المسيطر في لحظة خلل تاريخي أن تحدث في جنب أمتنا هذا الجرح النازف الذي سيظل نازفا حتى يعود الحق إلى أهله وبالطريقة التي يريدون وليس بالطريقة التي تريدون . وكل فلسطيني هو صاحب حق يحق له أن يعترض بدمه على ما يوقع عليه الموقعون .

إن حروب الشعوب  هي في جوهرها حرب الحق والباطل . وحرب الحق والباطل  لا تحسم في جولة كما يظن المغامرون . تعلمنا سنن التاريخ ولا نريد أن نقول ( سنة الله ) لقوم لا يذكرونه  إلا قليلا ؛ أن الشعوب لا تموت . هذه حقيقة في واقع صراعنا مع الصهاينة ومع الأسديين ومع الصفويين لا يجوز أن تنسى . نحن نعلم أنه لا يهمكم أن تحسبوا ضحايانا أعني ضحايا أعدائكم  ، فقد علمنا أنهم لا يهمونكم ولكنكم بدأتم منذ أكثر من عقد تعدون ضحاياكم ، الذين لا نقتلهم نحن ولكنكم تقتلونهم برعونتكم وطيشكم وإصراركم على غباء تاريخي مستحكم فيكم عرفناه عنكم منذ أن أسرنا ملوككم في ساحة حطين . ضحاياكم الذين يهموننا من منطلق حضارتنا الإنسانية المتفوقة هم مفتاح خطابنا اليوم لكم ..

إن ما جرى ويجري في فلسطين  وفي سورية  أو في العراق  هي جراح  أحدثتها مباضعكم في جنب أمتنا منذ دستم أرضنا وكسرتم  ، فما خيل لكم بيضتنا . إنكم ما زلتم بكل الغباء المعهود عنكم تدافعون عن معادلتكم العوجاء ، والأعوج في قانون معرفتنا لا يستقيم أبدا ، ما زلتم رغم الكذب والادعاء تدافعون عن الصهيوني المغتصب و عن نوري المالكي الطائفي وعن بشار الأسد  الطائفي السفاح المبير ،  وما زلتم تطلقون يد حسن نصر الله فينا ، حسن نصر الله الذي لولا ظلكم ما نما له على أرض لبنان عود  ، وما زلتم تلوحون فوق رؤوسنا بعصا خمنئي  إرعادا وتهديدا وهؤلاء جميعا هم ثمرات  مشوهة لشجرة الزقوم التي زرعتموها في أرضنا أو اخترتم أن تتفيئوا ظلالها ..

هذه  الجراح التي تستمتعون وأنتم تشوهون بها جسدنا الحضاري الجميل ستظل تصيح على المدى  ، وأرجو أن تستوعبوا المعنى الاستراتيجي لقولنا على المدى ففيه لغز ما نقول . وسيدفع المجترئون علينا في لحظة الخلل التاريخي ثمنها على المدى أيضا إن كانوا يعلمون ...

وعلى المدى ستغرب شمس الخلل التي يتدفأ بها البعض اليوم . وإذا كان في يدكم اليوم أن تضيّقوا خيارات أمتنا وأن تحاصروها بين الأسوأين المرين حتى تخضع وتستلم وتستكين . فإن خيارها الأسوأ هو الذي سيكون الأسوأ لكم . فأمتنا كما لم تتعلموا من مدرسة التاريخ لا تخضع ولا تستسلم ولا تستكين وإن بدا أنها وقعت في ذلك إلى حين . ..

نحن أصحاب نظرية الموت التي لم تفهموها بعدُ ، خيارنا للموت الذي يغيظ العدا فما ألذ وما أطيب وما أشهى  .. ؟! لا تغرقونا بخيارات جهلكم فنحن الذين نرد الجهل بجهل  فوق جهل الجاهلين ..

ونحن الذين تعودنا أن ننشد :

أحلامنا تزن الجبال رزانة ... وتخالنا جنا إذا ما نجهل ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية