عصر الحكام البلطجية!!

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

دورة التاريخ تتجدد ، وأحداثه تدور ولا تتوقف ، ودورته الخالدة تتكرر، ولقد شهد التاريخ الانساني عصوراً مظلمة وفاشية لحكام بلطجية، طواهم التاريخ، وسجل نهايتهم المأساوية ، ولكن يبدو أن سيرتهم وشخصوهم تتجدد في صورة مستنسخة يجسدها طغاة العصر الحديث ، فمنذ أحداث 11ستمبر التي جلبت الويلات على المسلمين ودشنت لما يسمي بالحرب على الارهاب، والعالم يئن تحت وطأة عصابة دولية تدير العالم بتوحش ، ونظام دولي يسفك دماء الملايين من الأبرياء بكل أريحية في مذبح عالمي تحت سمع وبصر العالم ومنظمات حقوق الانسان و تشاركه في هذه الجرائم ضد الإنسانية أنظمة فاشية تأمرت على شعوبها وقامت بدور الجلاد لصالح اللاعبين الكبار الذين لم يكفوا منذ ذلك التاريخ المشؤوم عن تشويه صورة الإسلام وتضييق الخناق على كل ما هو إسلامي باسم الحرب على الإرهاب.

مرت سنوات دمرت فيه مقدرات عدد من الدول العربية والاسلامية  تحت هذه الذريعة، وألقيت آلاف الأطنان من القنابل فوق رؤوس شعوبنا المسالمة والمغلوب على أمرها والمفتري عليها وعلى دينها، وزج بمئات الآلاف من المسلمين في سجون أمريكا التي شيدت حول العالم في جريمة متجددة ضد الإنسانية كشف عنها مؤخراً في تقرير الكونجرس الأمريكي الأخير، ولم يتهم أحد أمريكا بالإرهاب، وقتل العدو الصهيوني عشرات الآلاف من أهلنا في قطاع غزة الصامد والمحاصر  في أربع حروب ولم يتهم أحد قادة الكيان الصهيوني بالإرهاب، وفجرت الطائفية مئات السيارة المفخخة في أنحاء العراق ولم توجه تهمة الإرهاب لمن يقف خلفها وهو ظاهر للعيان، ومنذ اندلاع الثورات العربية ونحن نشهد صورا مستنسخة تجدد من سلوك المستبدين والطغاة عبر التاريخ ؛ ففي ليبيا قتل المغدور القذافي شعبه المسالم ومعارضيه بكل الوسائل الاجرامية من أجل البقاء في الحكم ولم يتهمه أحد بالإرهاب ، ولم يكف عن سفك وهتك أعراض شعبه حتى قتله الثوار، وفي مصر المحروسة حرقت جثث الآلاف من أبناء الشعب المصري الثائر ضد الانقلاب العسكري في ميدان رابعة والنهضة في أكبر مذبحة يشهدها العصر الحديث بهذه البشاعة وما تلاهما من مذابح متوالية، وسجن وشرد الآلاف بفعل الانقلاب العسكري ولم يتهم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالإرهاب ، بل ارتكب ما ارتكب من جرائم يندي لها تاريخ الانسانية بغطاء ودعم حكومات وقادة دول عربية باركت  سفك دماء شعبه بدم بارد ومازال!!

وفي سوريا شُرد الملايين وقُتل مئات الآلاف من الشعب السوري الأعزل بيد المجرم بشار الأسد ومازال يلقي على أهلنا في سوريا آلاف الأطنان من القنابل بالبراميل المتفجرة على مرأى ومسمع العالم ؛ ولم يتهم أحد النظام السوري المجرم والمدعوم من الحرس الثوري وحزب الله بالإرهاب، والقائمة تطول وتطول !!

فهل نعيش في عصر الحكام البلطجية ؟ ونشهد ميلادا جديدا للمستبدين والطغاة الذين يقتلون ويسفكون دماء الشعوب دون خوف من قانون ولا رادع من محاسبة ؟

عصر الحكام البلطجية ،ليس جديداً فلقد صنعته الأنظمة الدولية الكبرى ونسج على منواله المستبدين في عالمنا العربي ، فما فعله دكتاتور ليبيا المغدور ، وسفاح سوريا المجرم بشار الأسد ، ومجرم اليمن على عبد صالح ،  وسفاح مصر القاتل عبد الفتاح السيسي، هو مشهد مكرر من جرائم الرئيس الروسي يلتسن ضد مجلس الدوما ، وجريمة الرئيس الصيني ضد الطلبة في الميدان السماوي ، وجريمة الرئيس الأمريكي بوش ضد أهل العراق لاسيما الفلوجة ، وجريمة الكيان الصهيوني المجرم ضد أهلنا في غزة !!

لقد تسببت الأنظمة الديكتاتورية التي يترأسها الحكام البلطجية في موت أعداد لا تحصى من البشر، بما في ذلك 49 مليون روسي لقوا مصرعهم إبّان عهد "جوزيف ستالين"، الذي قاد مبادرة التطهير الكبرى، وهي حملة قتل لكل من يعارض أفكاره وإعدام أولئك الذين عارضوه، وذكرت المحفوظات السوفياتية بين الفترة 1921-1953م أن هناك 799455 حالة إعدام و 1.7 مليون حالة وفاة في معسكرات العمل و390000 حالة وفاة نتيجة إعادة التوطين القسري أي ما مجموعه 2.9 مليون حالة وفاة تحت حكم ستالين. وما يقرب من ثلاثة ملايين كمبودي لقوا حتفهم في عهد "بول بوت".

وهناك في أفريقيا كان عيدي أمين رئيس أوغندا الثالث، الذي تميز حكمه بالوحشية وانتهاك حقوق الإنسان والاضطهاد، حتى أن لُقِّب بـ”جزار أوغندا” فالعديد من خصومه تعرضوا للتعذيب الوحشي قبل وفاتهم، ويعتقد الخبراء أن عيدي أمين كان مسؤولا عن مقتل من 100000 إلى 500000 حالة وفاة، وتراوحت طرق القتل بين قطع الأطراف والأعضاء التناسلية أو سلخ الجلد وهم على قيد الحياة.

وهناك أيضا منغستو هايلي مريم سياسي بارز قاد إثيوبيا في الفترة من 1974 إلى 1991، وكان عقيد من الدرج والميليشيات الشيوعية، بدأ مريم حملة الرعب الأحمر، التي وصفت بأنها الحملة الأسوأ من أي وقت مضى للقتل الجماعي في أفريقيا، وتراوح عدد القتلى الذين كان مسؤولا عنهم من 500000 إلى 2000000، وبعد الحرب الأهلية وجدت المحكمة أن مريم مُدان بارتكاب مجازر إبادة جماعية لكنه هرب إلى زيمبابوي.

وتقدر منظمة "فريدم هاوس"، وهي من المنظمات غير الحكومية، ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن، وتجرى أبحاثا لمناصرة الديمقراطية، أن ما يقرب من ثلثي سكان العالم يعيشون في ظل أنظمة مستبدّة، وأن ملياري شخص يعانون من حكم قمعي.

وحسب تلك المنظمة، يوجد 106 نظام حكم دكتاتوري أو شبه ديكتاتوري في عالمنا اليوم، أي ما يعادل 54 في المئة من الدول على كرتنا الأرضية.

ومن يقلب صفحات التاريخ يجد أن المسرح الإنساني شهد على مر العصور جرائم إبادات جماعية يندى لها جبين البشرية.. هذه الجرائم كانت وما زالت محط أنظار كثيرٍ من علماء النفس في محاولة لفهم كيفية تحكم فردٍ أو مجموعةٍ صغيرة بعقولِ الآلاف لتنفيذ أوامرهم في إبادة شعب بأسره.. فلا "نيرون" ولا "هولاكو" ولا "ستالين" أو "موسيليني" ولا الرئيس الصربي "ميلوسوفيتش" ولا "صدام حسين" ولا عبد الفتاح السيسي كان باستطاعتهم تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية بمفردهم دون من يطيع أوامرهم.. فكيف استطاع هؤلاء الطغاة التحكم في عقول الآلاف لتنفيذ جرائمهم؟

إن الحكام البلطجية في كل زمان ومكان يقودون جوقة من شذاذ الآفاق والمرضي النفسيين والبلاطجة والشبيحة الصغار الذين يحملون صفات مشتركة فيما يرتكبون من جرائم ، ويحملون نفس سيكولوجية السلطة الاستبدادية .

فإلي متي تظل الشعوب ترزح تحت وطأة عصر الحكام البلطجية ؟ ومتى نتعلم من دروس التاريخ لنعلم كيف يُصنع هؤلاء الطغاة ؟ وكيف نكبح جماح استبدادهم بحق الشعوب؟