حوار ديمقراطي مع " سيزيف "

 

 

أولاً : التعريف بضيف الحوار :

من هو سيزيف : تقول الميثولوجيا اليونانية  وهي مجموعة الفنون عامة التي اهتمت بتأصيل النتاج الانساني وتدوينه ، من رواية وشعر ومسرح ونحت ورسم وطب واجتماع وفلسفة ، وحتى علم الفلك والهندسة والصناعة ومايتبع كل ذلك ، اجتمع كله

بمسمى التاريخ العالمي ( ميثولوجيا ) . ولعل أهم مافيها هو الأساطير أو الرواية التي

أخذت طابعا خاصا في التاريخ اليوناني القديم حيث اشتهرت بحبكتها الأدبية المقرونة بالفلسفة والممزوجة بالدين والأخلاق عامة مستخدمة القصص والحكايات الشعبية الخرافية وتعميقها وربط مصائر وحياة الناس بها . وسيزيف بطل احدى تلك الأساطير

أو هو الأسطورة كلها ،فقد اشتهرت وانتشرت انتشاراً واسعاً (اسطورة سيزيف) في التراث الفكري الإنساني (الحضاري) الحالي ،وأصبح يضرب به المثل على (عدم الجدوى) للفعل المتكرر إن كان بعلم من يقوم به أو من غير علم .

ولأهمية موضوعه أساساً حيث استخدم في بناء كثير من التيارات الفكرية وحتى ( الدينية ) رغم مبدأ (إلحاديته ) أولاً :وثانيا لمرجعيته الحقيقية في القصص القرآني

في الخليقة الأولى  وتشابه كثير من أحداث أسطورة سيزيف  ببعض من ذلك الخلق ، ولهذا وبعد الاستعانة بالله تبارك وتعالى ارتأيت أن أقدم هذه الرؤيا  بشكل هذا الحوار

الافتراضي  :

ثانياً : خطوط عريضة مؤشرة على نقاط التشابه :

-         قرأت عن أسطورة سيزيف ، وقرأت عن التي ( نقضت غزلها ) الآية (92)سورة النحل .

-         وقرأت آيات الله المباركات في سورة النور العظيمة ومنها :( 39-40).

-         وقرأت عن هذا الذي يحمل شقاء الدنيا ووزر آثامها ، ليصعد بها إلى قمة

المجد والتاريخ ثم لايلبث أن يجد نفسه وقد كرّ إلى حيث ابتدأ ، إما بعدم توفر

القوة الكافية ، وإما بعدم توفر العافية ، واما بعدم توفر الأسباب الناجعة للنجاح

(فما له من قوة ولا ناصر )الطارق (10)

ثالثاً : نص الحوار :

المحاور : أنا إنسان......من أنت ؟

 سيزيف :؟؟ انا ابن عائلة ملوك قريبة من الآلهة !!

المحاور :اين تعيش هذه العائلة أو الآلهة ؟

سيزيف : هنا...بيننا .....منذ الأزل .

المحاور : هل أنت وهم أم حقيقة ؟؟

سيزيف :أنا حقيقة الانسان منذ الأزل .

المحاور: كيف توصلت إلى هذا اليقين وتفردت به ،ولست بآلهة  ؟

سيزيف : من أجل أن أمنع الموت من نظام الحياة في الخلق .

المحاور :يصبح الإنسان خالداً ...كذلك الآلهة  ؟

سيزيف : بعدما تغلبت على إله الموت (تانتوس)، لم يعد الموت قائما ، وقد نشبت حروب ضخمة بعدها لم يمت فيها أحد ، ولم يكن فيها نصر او خسارة .

المحاور : اذاً أين الجدوى من ذلك  ؟

سيزيف :التمتع والسعادة بالحياة أبدياً .

المحاور : جمعت كل التناقضات : غياب الموت ،محاربة الفضيلة ،والسعادة!!

سيزيف : غياب الموت وحده ، هوالسعادة  !.

المحاور :ولماذا غضب ( أريس) (إله الحرب ) ورفع شكواه للإله الأكبر(زيوس)؟ فعاقبك بحمل حجارة ضخمة تصعد بها إلى أعلى الجبل ،فإذا ما وصلت ،تدحرجت الحجرة الى الأسفل ، وتعود تحملها الكرة تلو الكرة وهكذا إلى الأبد  ؟ فأنت لم تمت !! والإله تانتوس رجع الى عمله  ؟.

سيزيف : أبقاني زيوس للعبرة  ، والإنسان العادي يموت ولاينال ثمرة أو مكافئة جهده أو عمله .

المحاور : يعلق  بعض فلاسفة الانسان على اسطورتك  قائلين :لماذا حياة الانسان إذاً وهو محكوم عليه بالموت والزوال ؟ إذا حياتنا عبثية ؟.

سيزيف : ذلك لأنهم لم يروا أو لم يعتقدوا بالعالم العلوي ولاالعالم السفلي .

المحاور : وهل ترى أن الإنسان يرى العالمين بعد موته ، وهو لايستطيع الرجوع الى الحياة ليخبر الانسان الحي بما يراه ، وبالتالي تتوقف عقوبتك ؟.

سيزيف : كنت أريد أن يعيش الانسان عالما واحداً كما قلت لك خالداً فيه مهما كان وضعه ، وحدوث الموت بحد ذاته ، يعني إما تأكيد ما كان يعتقده أوتفنيده!!

المحاور : لماذا استعملت ذكائك وحنكتك إذاً في محاربة (الفضيلة)و( السلم) في حياة الناس ، وليس العكس ؟ .

سيزيف : ليس للفضيلة والسلم طعم أو لذة ، والناس فيها غير معذبين ولا مستضعفين !!!.

المحاور : ولهذا عاقبك زيوس بالعذاب والشقاء والضنك أبدياً ؟ .

سيزيف : وهذه حقيقة وعبرة الإنسان .

المحاور : بعض من الإنسان أخذ هذه العبرة ونسج  منها عقيدة فلسفية ، وجعلها مذهباً وديناً وأنكر الفضيلة والنعمة والسلم في حياته ، وأعلن أنه لايريد شيئاً اسمه ( الجنة) !! (وهو لم يراها بعد) ،لأن ليس فيها تعباً ولاشقاء ، ويفضل عليها ( الجحيم) !! (ولم يراها بعد كذلك )،مثل حياتك الآن أومثل عقوبتك فما قولك ؟ .

سيزيف : كنت اريد الخلود للإنسان وليس العذاب والشقاء ، فخالفت ارادة زيوس ، وعاقبني بالخلود في استمرارالعذاب ، أما الإنسان  فعبرته من الموت الذي حتم عليه فإما أن يختار العذاب أو الفضيلة والسلم .

المحاور : فطنت إلى ذكائك ومكانتك فوظفتهما في محاربة الفضيلة ،فهل كنت تعرف أن الإنسان كذلك ذكي وقوي وربما يكثر من الفضيلة وبالتالي ينجو من العذاب.....أم أنك كنت تعرف غير هذا فكتمته ؟.

سيزيف : ...........( صمت ..لم يجب ) .

المحاور :هل ترغب بتغيير نمط الحوار ؟ .

سيزيف : لا أملك القدرة على التغيير ، فأنا أعيش بنمط واحد ولا أفكر أبدأً .

المحاور :حسناً أريد أن أقول شيئاً آخراً ، ربما يكون مثاراً لتتمة الحوار....

سيزيف : ليس لي قدرة ، أن أقول حسناً أم غير حسن ..أكمل...!!

المحاور : قرأت في( الكتاب المبارك ) (ويعني المحاورالقرآن العظيم ) قولاً : يصف مخلوقا بأعماله ودهائه يشبهك فيها تماماً !!.

سيزيف :  لاأعرف أحداً غيري في الدنيا كلها ! هل لك أن تقول لي كيف ؟.

المحاور : يصفه الكتاب الكريم ، أنه ذكي جداً وقوي جداً ، يحارب الفضيلة ،

يعمل دائما على إثارة الفتن والحروب، يشجع على مخالفة أوامر الإله الأوحد

ويغري الإنسان دائما بأن له الحياة الخالدة ولا عذاب فيها وأن له الجنة في العالم العلوي ، وكذلك يصفه بأنه غير سعيد ويعيش بالعذاب الدائم في الحياة والعالم السفلي !.

سيزيف : هذا يشبهني تماما ، هل له اسم او لقب ؟.

المحاور : الشيطان !! .

سيزيف : وممن هو ؟ أقصد ماهي عائلته ؟ .

المحاور : ليس من الإنسان ، وليس من الملائكة ،وقد خلقه الإله الأوحد مثل      بقية المخلوقات الآخرين !.

سيزيف : غريب هذا الذي تقوله !؟ وماذا أيضاً ؟ .

المحاور : انت لست من الملائكة، ولاتشبه الإنسان ! ولكن  تشبه الملائكة في عالمهم  ، وتشبه الإنسان في أعمالهم !!.

سيزيف : كأنك تريد أن تقول شيئاً مهماً !! .

المحاور : نعم أنت ذكي جداً : أنت ..أنت الشيطان ذاته !!.

سيزيف : كيف ؟ .

المحاور : نحن نتحدث عنك ونرى أفعالك ولا نراك  ! ونضرب بها المثل ،

          ويقول الإله الأوحد في كتابه الكريم: أنك ترانا وتشاركنا أفعال الخطيئة كلها .

سيزيف : الذي يعرفني في كلا العالمين العلوي والسفلي هو زيوس !!.

المحاور : لعل زيوس قيدك بتنفيذ العقوبة ، وجعل خوفك كذلك سياجاً أو سوراً

حتى لاتهرب وتعود لتمردك .

سيزيف : وهل  هذا الذي تقول عنه أنه هو أنا يخضع لمثل عقوبتي ؟.

المحاور : إلى حد بعيد  وبإطارها العام تشبهها تماماً ، ولكن هناك إجراءات تفصيلية جعلها الإله الأوحد (الله) متعلقة بحياة الإنسان حصرياً  ، ذلك لكونه يعيش في عالم الحياة الدنيا من أجل عبادته الدائمة ويذكره خلال حياته وقبل موته ألا يحيد عنها إلى عبادة غيره أبداً !.

سيزيف : وما هذه العلاقة بين هذا الشيطان والإنسان في الحياة ،وذكرت أنه معاقب ؟

المحاور :أولاً: يحاول الشيطان أن يرجع إلى العالم العلوي الذي كان فيه باستمرار،فيمنعه حرس السماء فيرجمونه ويعود أدراجه . ثانياً : يحاول الشيطان أن يغري الإنسان بأشياء مخلوقة بشكل دائم ويشغل سلوكه وعملة وتفكيره وبالتالي ينسى إلاههُ فلا يخلص له ولا يعبده .

سيزيف : هذا الشيطان ، فكيف انا أشبهه في هذه ؟؟

المحاور : كما تقول سيرة حياتك ،وكما نرى نحن في زماننا وكل زمان، أن الإنسان هو الذي يحاول باستمرار أن يتخذ منك أو جزء أوعبرة من سيرتك

ويعمقها في تفكيره وسلوكه فيجعل منها بديلاً، ليبتعد عن عبادة الإله (الله)

سيزيف : من حيث لا أدري ؟؟. وهل أصبح إلهاً بهذه المحاولات من الإنسان؟؟

المحاور : تقريباً  ومن غير إعلان ،ولكن الفعل حقيقة !!.

سيزيف : اذا سأنال عقوبة ثانية من الإله (الله) ، إضافة لما أنا فيه !! .

المحاور : سأتلوا مما جاء في كتاب الإله الأوحد (القرآن العظيم ) بخصوصك

وخصوص الشيطان ومن اتبعه واتبعك...

المحاور يقرأ من سورة مريم المباركة (( واتخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا

لهم عزّاً * كلاّ سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّاً * ألم تر أنّا أرسلنا

الشياطين على الكافرين تؤزهم أزّاً * فلا تعجل عليهم إنما نعدّ لهم عدّاً  ))

الآيات: 81-82-83-84 –

وهنا تعود الصورة الى واقعها ويدوّن المحاور حواره الإفتراضي ، ليقرأه آخرون علّ فيه صواباً ينال منه أجراً ،وإذا لم يكن ..فهي فكرة يقدمها لمن يجد في نفسه الرغبة بإضافة شيئاً ما عليها ، وتقديمها بوجه آخر ، والله من وراء قصد السبيل

.............د.أسعد