تنظيم الدولة يعبث بالواقع الجيوسياسي الجديد

مشاريع توحيد الأكراد والدروز أجواء تقاسم ومحاصصة وعين أردوغان على الموصل

عمان ـ «القدس العربي»:

الحركة النشيطة التي يظهرها منذ ثلاثة أسابيع تقريبا الزعيم الكردي مسعود البارزاني وهو يطرح مشروعه بعنوان (توحيد الأكراد) لها ما يبررها ويسوغها في الواقع بعد ان دخلت القوى الإقليمية الأساسية في المنطقة في مزاج المحاصصة والتقسيم الذي فرضته على الجغرافية السياسية معادلة بقاء وتمدد دولة الخلافة الإسلامية. البارزاني وبعد ترتيب أوراق حزبه الداخلية في السياق بدأ يوجه الرسائل لبعض عواصم المنطقة وعبر قواته العسكرية فرض في الميدان واقعا موضوعيا يجعل مصيره أو مصير أكراد شمال العراق مرتبطا بمصير أكراد سوريا. تجلى ذلك في النشاط العسكري الكردي الذي قاده عن بعد أركان حرب البارزاني وتمكن من طرد قوات تنظيم الدولة من عين العرب السورية ومن مشاغلتهم أيضا في الحسكة. غرفة العمليات الأمريكية المقامة في عمان لتنسيق عمليات التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة بدأت تتلقى رسائل وبرقيات ومعلومات ومعطيات مختلطة مرة من الأكراد ومرة من الدروز. لم تكن صدفة بالتأكيد تلك الظروف التي دفعت البارزاني للبحث عن حصة الأكراد بعد الاهتمام بتوحيدهم بالتزامن مع مبادرة توحيد مماثلة تبناها بنشاط باسم الدروز وبني معروف الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط . كلاهما جماعة جنبلاط ومجموعة البارزاني موجودان على نحو أو آخر اليوم في غرفة عمليات التحالف كما تؤكد مصادر «القدس العربي» ضمن معطيات ترتيب الأوراق للحفاظ على الحصص العرقية والطائفية إذا ما انتقلت عملية التقسيم الجغرافي تحديدا من مرتبة المزاج العام السياسي إلى مستوى النفاذ الميداني على الأرض. لذلك وكما قالت «القدس العربي» في تقرير سابق لها، يعمل الفرقاء في التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة على تخصيص صنفين من الأسلحة، الأول فعال ونشط وحديث ومتطور سيخصص للدروز والأكراد والصنف الثاني أسلحة فردية ستوزع ضمن برنامج تسليح العشائر السنية في العراق وسوريا خوفا من انتقال أسلحة متطورة يمكن ان تسلم للعشائر السنية إلى المنظمات الجهادية مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة. بعيدا عن حسابات التسليح وغرف العمليات يرصد المراقبون سباقا مهووسا نحو المحاصصة والتقاسم في ظل أمزجة التقسيم تفاعلا مع ايقاع جغرافي فرضته ليس حركة تنظيم الدولة على الأرض في الواقع، ولكن قدرته – أي تنظيم الدولة- على مشاغلة عدة أطراف عسكرية في الوقت نفسه في الرقة أو في الأنبار والرمادي أو حتى في محيط درعا والسويداء ضد الدروز وجبهة النصرة. الايقاع الجغرافي الجديد الذي يفرضه تنظيم الدولة ساهم في توحيد بعض الأقليات في المنطقة وعزز مناخات التقسيم، فالدوائر السياسية الأمنية تحديدا في الأردن والسعودية بدأت تلتقط الرسائل من مسعود البارزاني الذي يلوح بإعلان وشيك لدولة درزية موحدة بين هوامش المهلة الزمنية التي يمنحها لغرف العمليات. في المقابل نشط جنبلاط ورفاقه في إحياء مشروع توحيد الدروز وحمايتهم وبصورة يمكن ان تقودهم لاحقا لإعلان إدارة ذاتية تنفصل عن بقية الإدارات. مثل هذه الطروحات التي لم تعد سرا في كل الاجتماعات المغلقة، دفعت بالتوازي رجال أعمال وقادة عشائر عراقية في منطقة الأنبار لتفعيل خطوط الاتصال والتنسيق مع الدولة الأردنية حتى وصل الأمر إلى عقد لقاءات تنتج عنها مبادرات تعلن عدم ممانعة أهالي الأنبار وعشائرها الانضمام للدولة الأردنية إداريا اذا تطلب الأمر. وهو موقف يتخذ بخجل حتى الآن وبصورة أقل حدة ووضوحا من قبل قادة عشائر موالون للأردن في محيط محافظة درعا جنوب سوريا. ما يصل من رسائل من بعض قادة الأنبار ودرعا يقدم مساهمة فعالة ونشطة في وضع سيناريو باسم توسيع المملكة الأردنية الهاشمية شرقا باتجاه الأنبار وشمالا بإتجاه درعا، الأمر الذي يمكن التمهيد له بإعلان مناطق آمنة تحت عنوان إعادة توطين اللاجئين السوريين في درعا أو منع حصول حالة لجوء إنسانية للعراقيين في الأنبار. هذا المنطق التسابقي نحو اقتناص الأحداث واستثمار وتوظيف واستغلال ما تحدثه قوات تنظيم الدولة من عبث في الجغرافية السياسية يدفع عواصم المنطقة لمراقبة المعطيات التركية تحديدا، لان إعلان دولة كردية موحدة سيغذي حسب مصادر أردنية وسعودية مطلعة جدا رغبة تركيا أردوغان في البحث عن مصالحها أيضا. وهي الرغبة التي يتم التعبير عنها بين الحين والآخر بمنع حصول حسم عسكري ضد تنظيم الدولة في العراق وشمال سوريا وهي التهمة التي تروج دوما ضد انقرة. وسط بعض المحللين الاستراتيجيين لا يوجد ما يمنع تركيا في حال انتشرت فوضى ومناخات التقسيم والانقسام الطائفي القبلي من المطالبة أو احياء المطالبة بحصتها من الأرض العراقية وهو التساؤل الذي يطرحه سياسي مخضرم من وزن رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري وهو يسأل: ما الذي يمنع تركيا من المطالبة بالموصل العراقية مادامت مناخات التقسيم تفرض ايقاعات فوضوية على الجميع؟ المصري استمع مرة لملاحظة عابرة عن وجود بند رمزي في الموازنة المالية التركية منذ سنوات بدون قيمة مالية حقيقية تحت اسم الموصل.. لاحقا توثق المصري من هذه المعلومة، ويعتقد كبار المثقفين السياسيين ان توظيف فوضى الجغرافيا وفقا للايقاع الذي يفرضه تنظيم الدولة لن ينتهي عند حدود وسينتج ويولد العديد من الطموحات عند اللاعبين الإقليميين الكبار. يفترض وفقا للمنطق السياسي المشار إليه ان تتعزز مثل هذه الطموحات عند الأكراد والدروز والأتراك وحتى الأردنيين في ظل الوقائع الجديدة التي ستفرضها على المنطقة الاتفاقية النووية النهائية بين الولايات المتحدة وإيران وهي اتفاقية يفترض حسب الفهم الخليجي وتحديدا السعودي ان تحول طهران إلى مركز تحالف رئيسي للولايات المتحدة، مما يقلص الأهمية الاستراتيجية للنظام الرسمي العربي وتحديدا منظومة النادي الخليجي. النظام الرسمي العربي وإسرائيل هما الخصم الأبرز اليوم للتوافق الإيراني الأمريكي، وعامل إسرائيل التي ستشاغب على الجميع للنفاذ من الواقع التقسيمي الجديد لا يمكن إسقاطه من الحساب خصوصا وان شخصيات بارزة ومن بينها المصري بدأت تطلق العنان لتحليلات معمقة عنوانها المخاوف من ان يدفع الشعب الفلسطيني حصريا ثمن تقسيمات سايكس- بيكو الطائفي الجديد في المنطقة.

وسوم: العدد 623