بيان القاهرة وحركة الشارع بين فكرتين
بيان القاهرة وحركة الشارع بين فكرتين
عبد الرحمن يوسف القرضاوي
أصدرت الحكومة الغاشمة المستبدة التي لا تشعر بالناس، مجموعة من القرارات الرعناء غير المدروسة، قرارات لا تعبأ بفقير، ولا تلتفت لمريض، ولا تتقي الله في غالبية المصريين، قرارات تقتل الفقراء قتلا، ولم تتعب الحكومة نفسها ولا خبراءها في البحث عن بدائل أخرى لتقليص عجز الموازنة، واستسهلت – كعادة الحكومات المصرية – أن تمد يدها إلى جيوب المواطنين البسطاء، فرفعت أسعار كل شيء !
وقد أصدر بيان القاهرة دعوة جديدة للتحرك عمليا في الشارع مع مطالب هؤلاء البسطاء الذين يمثلون غالبية المصريين، جاء في تلك الدعوة :
"لقد وضع قادة النظام الغاشم خطة ممنهجة منذ ٣ يوليو، وحتى الآن للقضاء المنظم على مطالب الثورة، وجاء أداؤهم السياسي عدائيًا ضد ثورة المصريين بشكل فجٍ لا يحتمل المزيد من الانتظار وإعطاء الفرص.
كل شيء إلا لقمة عيش الناس
كل شيء إلا ما تبقى للفقراء من فتات
كل شيء إلا تحميل الفقراء فاتورة فشل الكبار، وملياراتهم التي لا نعلم عنها شيئًا نظرًا لخطورة معرفة المصريين بحقوقهم على الأمن القومي.
عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية لم يبق من كل هذا شيء، لم يبق سوى الرصاص يحصد رؤوس وصدور شباب مصر الأحرار المصرين على استكمال ثورتهم العظيمة في شوارع مصر وميادينها.
ونقول لهؤلاء الثوار: كل مطالبكم حقوق، لكن لقمة عيش الفقير قبل الحقوق وفوق الحقوق وفوق المطالب والرموز والأشخاص
لقمة عيش الناس دين ودنيا وسياسة واقتصاد واجتماع
لقمة عيش الناس هي الناس
وجاء في البيان أيضا :
"إن مصر تشهد مرحلة شديدة الخطورة بسبب هذه القرارات الظالمة التي تطغى على ذوي الحاجة والفاقة وتحملهم فوق ما يحتمل البشر، ولو لم يتحد الجميع من أجل مطالب الناس وحاجاتهم الأساسية للعيش سيضيع منا لا قدر الله هذا البلد ويتفكك ويواجه مصيرا ً أسوأ بكثير من مصائر دول خوفونا بها كي نرضخ لهم وهاهم يضعوننا على طريق أسوأ من طريقها بطغيانهم وافترائهم على لقمة عيش المصريين.
وينوه بيان القاهرة عن إطلاق حملة توقيعات قريباً ضد قرارات رفع الأسعار العشوائية التي تهدف إلى تجويع المصريين"
وبعد إصدار هذه الدعوة، يدور جدل بين فريقين من الشباب، الفريق الأول يقول :
(إن نزول الشارع من أجل مطلب فرعي– مثل ارتفاع الأسعار –يعد اعترافا بسلطة الانقلاب، كما أن من يثور من أجل رفع الدعم ولا يثور من أجل قتل آلاف البشر، واعتقال عشرات الآلاف، وآلاف الانتهاكات، هذا النوع من الناس لن يفيد في حراك الشارع، ولا نريده بيننا!)
ولكن هناك وجهة نظر أخرى ترد على هذا الكلام، خلاصتها :
كفانا شماتة في الناس لأنهم صَدَّقوا أو سكتوا على ما جرى من النظام خلال العام الماضي !
كفانا تكبرا على مطالبهم البسيطة !
إن ضم هؤلاء الملايين لحراك الشارع تحت لافتات أخرى (غير مسيسة) هو التصرف السليم الذي يجب أن نسعى إليه.
أما التكبر على مطالب ملايين البسطاء، ووصمهم بالعبيد، فهذا ليس من أخلاق الثوار، ولا من شهامة أبناء البلد، وهو تصرف لا طائل من ورائه، فلا هو يعيد حقا، ولا يشفي غليلا، إنه "تشطر على البردعة" كما يقول المثل الشعبي.
وخلق حراك في الشارع تحت لافتات اجتماعية ليس فيه أي اعتراف بسلطة الانقلاب، بل هو استجابة لتحد يطرحه أهل الحكم، والسكوت على هذا الأمر سيكون له ما بعده، وسيخسر كل من يسكت اليوم على غلاء الأسعار.
إن احتقار الحاضنة الشعبية للثورة لن يأتي من ورائه سوى تأخر النصر، ولن يفيد مقاومي الانقلاب بأي شكل من الأشكال.
يا شباب ثورة يناير العظيمة ...
لا تطالبوا الناس أن يكونوا مثلكم، أو أن يذوبوا فيكم، ولا تجبروهم على رفع لافتاتكم، أو على رفع أي شعارات لا يؤمنون بها، أو لا يفهمونها، بل كونوا رسل الناس ضد الظلم، احملوا أنتم مطالباتهم، وخوضوا معاركهم، واشتركوا معهم في همومهم البسيطة، وحينها سيحمل الناس أفكاركم، وسيدافعون عنكم، وسيقدموكم لقيادتهم مختارين، وسيمنحوكم أعز شيء يملكونه، ألا وهو ثقتهم !
نحن بحاجة إلى ثقة هذا الشعب، ليس لإسقاط الانقلاب فقط، بل لكي نتمكن من إدارة هذا المجتمع بعد إسقاط الانقلاب.
ثقة البسطاء لن تتحقق إلا بأن نتحيز لمطالبهم تحيزا كاملا، وليس بأن نتحدث معهم من علٍ، ولا بأن نصعر خدودنا لآلامهم.
إن الشارع المصري يريد أن يتحرك، ولكن يعطل حراكه بل يوقفه صراع اللافتات، وأنا أقول لكل من يريد أن يقاوم الاستبداد ... في الاختلاف سعة، ورحمة.
وفي النهاية إسقاط الانقلاب بحيرة ستصب فيها جميع أنهار الرفض !
سنبدأ الحراك في الشارع قريبا بإذن الله، وسنرفع لافتات البسطاء :
لا للغلاء.. ارحموا الفقراء.. عايزين نعيش