على الدولة ألا تقبل التجاسر على القيم الدينية تماما كما لا تقبل التجاسر على هيبتها
انتقلت قضية الصاية الكاشفة لفتاتي إنزكان ،وقضية شاذ فاس إلى قبة البرلمان لتصير موضوعي نقاش بين الحكومة والمعارضة . ومعلوم أن المعارضة تتحين كل فرصة للإيقاع بالحكومة في كل مناسبة بسبب الأجواء المشحونة للحملات الانتخابية المستعرة قبل الأوان . والملاحظ أن قضية الصاية والشذوذ الجنسي اختزلت في موضوع الحرية الشخصية ، حرية اللباس ، وحرية الشذوذ الجنسي ، الشيء الذي يعني تغييب جانب مهم من هذه الحرية، وهي حق الأمة في صيانة قيمها الدينية والأخلاقية .
فالأطراف المتنصلة من التدين سرا أو علانية عندنا لا ترى في قضية الصاية والشذوذ الجنسي سوى الاعتداء على حرية فتاتين من ممارسة حقهما في استباحة ما تريدان من جسديهما ،والاعتداء على حرية شاب شاذ من حقه استباحة مؤخرته ، ولا تعنيها القيم الدينية والأخلاقية في شيء ، علما بأن هذه القيم تقف وراءها أمة كاملة . وواضح أن دعاة حرية التعري وحرية الشذوذ الجنسي قد استخفوا بأمة بكاملها ، وهي جريمة جديرة بالمتابعة القانونية . وما كان لردود الأفعال الانفرادية الخارجة عن القانون لتقع سواء بالنسبة لقضية الصاية أو قضية الشذوذ الجنسي لو أن الدولة قامت بواجبها في صيانة قيم البلاد الدينية والأخلاقية . وكان من المفروض أن تكون هذه القيم خطا أحمر لأن الأمة صوتت على دستور يعتبر الإسلام دينا رسميا للدولة، الشيء الذي يعني تحكيم قيم هذا الدين في واقع الأمة . ومعلوم أنه من قيم الدين الإسلامي الحياء الذي هو انعكاسا للإيمان، وهو إيمان بالله عز وجل ،وملائكته وكتبه، ورسله ، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره .
واعتبار الحياء من الإيمان معناه التسليم للخالق عز وجل بما شرع للخلق إلزاما . ومما شرعه الخالق سبحانه وتعالى إلزام الخلق باللباس الساتر للعورات بنص صريح لا يقبل التأويل ، وهو قوله تعالى : (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم )) ومعلوم أن دلالة فعل وارى يواري مواراة الشيء إذا أخفاه ، كما أن دلالة فعل لبس يلبس لباسا إذا استتر بالثوب . وليس من قبيل الصدفة أن تلتقي دلالة الإخفاء بدلالة الستر في هذه الآية الكريمة . والسوءة معلومة في دين الإسلام بالنسبة للذكر والأنثى ، وهي محددة في عبادة الصلاة إذ من شروط صحة هذه العبادة ستر العورة ، وهي كل مكمن للستر، وكل أمر يستحيى منه ، وهو ما ينطبق على السوءة ، وهي عند الذكر من سرته إلى ركبته ، بينما هي عند الأنثى كل جسدها باستثناء الوجه والكفين ، وفي ذلك صيانة لكرامتها خلاف ما يروجه البعض من أنه تمييز بينها وبين الذكر في حرية التصرف في الجسد ، واعتداء على حرية التصرف في جسدها .
والقول بالتسوية بين الذكر والأنثى في العورة ينقض الفرق البيولوجي بين الجنسين ، ولا يبقى معه معنى لجنس لطيف وآخر خشن ، ولا معنى يبقى لزينة الأنثى وحسنها وجمالها ومفاتنها ، ولا يمكن التسوية بين صدر ونحر ذكر يباح الكشف عنه بصدر ونحر أنثى ، ولا يمكن تسوية ما تحت ركبة الذكر بما تحت ركبة الأنثى . وإذا كانت الصلاة وهي صلة العباد بربهم لا تقبل إلا بستر العورات فالأولى والأجدر أن يكون قياس العورات في حالة الصلاة وهي أفضل حالة يكون عليها البشر مطبقا في غير ذلك من الأحوال . ولا يعقل أن يستر البشر عوراتهم بين يدي خالقهم جل وعلا ، ويستبيحونه فيما بينهم خارج ما شرع لهم في علاقة الزواج . ولا يستطيع ذكر سوي الذكورة أن ينفي استثارة جسد الأنثى له جنسيا إذا هي لم تستره كما أمرت في الصلاة . ولا تستطيع أنثى سوية الأنوثة أن تنفي استثارة جسد الذكر لها جنسيا إذا هو لم يلتزم بما أمر بستره في الصلاة .
ومع وجود الستر أمر الخالق سبحانه وتعالى الجنسين معا بغض البصرعن بعضهما البعض في قوله تعالى : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن)) إلى قوله تعالى : (( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )) . ولقد سوى الله تعالى بين الذكور والإناث في الأمر بغض الطرف وحفظ الفرج وتوبة الجميع إليه بينما خص الإناث بعدم إبداء الزينة إلا في حالات خاصة حددها بدقة وبضرب الخمر على الجيوب، وهي النحور وبعدم الضرب بالأرجل ليعلم ما خفي من زينة . وليس من قبيل الصدفة أن يخص الله عز وجل الأنثى بما لم يخص به الذكر بخصوص ما يجب ستره في الجسد ، وما كان الله عز وجل ليفعل لو كانت المساواة قائمة بين جسد الذكر والأنثى كما يزعم البعض . وليس من قبيل الصدفة أيضا أن يقترن الأمر بغض البصر في قول الله عز وجل بالأمر بحفظ الفرج لولا وجود علاقة جدلية بين الأبصار والفروج ، وهي علاقة تأثير وتأثر ، ذلك أن الأبصار هي الوسيلة المفضية إلى الفروج أو بتعبير أدق هي المثيرة لها ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مكابر . وإذا كانت العلاقة بين الأبصار والفروج كما حددها القرآن الكريم بحيث تحفظ الفروج بغض الأبصار فضلا عن مساعدة مواراة السوءات باللباس أو ستر العورات على ذلك ، فلا معنى لحرية الكشف عن السوءات ولحرية إطلاق الأبصار ولحرية استباحة الفروج كما يريد المخالفون لشرع الله عز وجل في بلد يدين بدينه ، ويشهد دستوره على ذلك . فكل أنثى تنتسب إلى هذا الدين حقيقة لا ادعاء وانتسابا ـ والحالة أنه لا تستقيم في دين الإسلام مقولة : " مسلم يطبق وآخر لا يطبق " كما تقبل في ديانات أخرى ـ تكون ملزمة شرعا بما شرع لها .
وإذا ما كشفت ما لا يجوز كشفه من جسدها ، وأبدت من زينتها ما لا يجوز إلا لمن حددهم القرآن الكريم من محارم فإنها تعتبر متجاسرة على قيم دينها ومخلة بها، وعلى الدولة أن تواجه تجاسرها على القيم الدينية وإخلالها بها بما يقتضيه الشرع والقانون . ومن المفروض في القانون أن يستند على الشرع بحكم الدستور. ومن الطبيعي أمام تقاعس الدولة عن صيانة القيم الدينية أن يشعر رعاياها بالمساس بمشاعرهم الدينية وأن تختلف ردود أفعالهم وطرق استنكارهم حسب مستوياتهم الثقافية والعلمية ، ولهذا كان رد فعل البسطاء منهم الاحتجاج بطرق عفوية ترتبت عنها أخطاء في معالجة أمر صاية فتاتي إنزكان حيث تجاسر هؤلاء على سلطة الدولة مقابل تجاسر الفتاتين على القيم الدينية ، وكانت النتيجة خطأ مقابل آخر. وأمام ضغط المدافعين عن خطإ التجاسر على القيم الدينية عن عمد وسبق إصرار عن طريق الاحتجاج أمام مركز الشرطة وأمام المحكمة اضطرت الدولة للسكوت عن خطإ التجاسر على القيم الدينية ولكنها لم تسكت عن خطإ التجاسر عليها ، وهددت وتوعدت بالعقاب كل من يتجاسر عليها ،وهي محقة في ذلك ولكنها مجانبة للصواب في السكوت عن خطإ التجاسر على القيم الإسلامية مع أنها ملزمة باحترام دستور البلاد الذي يعترف بأن الإسلام هو دين الدولة الرسمي . أما قضية الشذوذ الجنسي التي أقحمت في قضية صاية فتاتي إنزكان بذريعة الدفاع عن حرية الأفراد فأمرها محسوم في دين الدولة الرسمي ، ذلك أن الفاحشة محرمة فيه بين الذكور والإناث في قوله تعالى : (( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين )) هذا حين تكون العلاقة الجنسية بين ذكر وأنثى ، فما بالها إذا كانت بين ذكرين أو بين أنثيين عند من يسمون بالمثليين، وهم الشواذ والشاذات كما يريد الذين يدافعون عما يسمونه حرية الممارسة الجنسية من المارقين من الدين سرا أو علانية بذريعة حرية الرأي ؟ أما عمل قوم لوط وهو الشذوذ الجنسي بين الذكران فأمره محسوم في كتاب الله عز وجل حيث دمر الله تعالى شواذ قوم لوط عقابا لهم على فعلهم الشنيع غير المسبوق في تاريخ البشرية مصداقا لقوله تعالى : (( ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )) فإذا كان الله عز وجل قد وصف عمل قوم لوط أو شذوذهم بأنه إجرام وعاقبهم عليه بالهلاك ، فكيف يدافع عنه اليوم عندنا المتجاسرون على دين الله عز وجل بذريعة الدفاع عن حرية الجنس ؟ وكيف يكون شعور أمة مسلمة ترى الشواذ في شوارعها يتجاسرون على مشاعرها الدينية علانية ؟ فلو أن الدولة منعت شاذ فاس من التجاسر على القيم الدينية لما انفلت الأمر من يدها ، وصار إلى من لا يحق لهم التجاسر عليها .
وأخيرا على الدولة إذا كانت حريصة على هيبتها أن تتعامل بنفس الصرامة ونفس المكيال مع من يتجاسر عليها ومع من يتجاسر على دين الأمة خصوصا وأنها المسؤولة عن هذا الدين أمام الله عز وجل وأمام الأمة . أما الخضوع لابتزاز جهات تروم التجاسر على دين الأمة تصريحا أو تلميحا بذريعة الدفاع عن الحريات الشخصية ، وذلك عن طريق الاحتجاجات أمام مراكز الأمن والمحاكم ، وحتى تحت قبة البرلمان فأمر ترفضه الأمة وتستنكره بشدة ،وهو في الحقيقة استباحة الدولة لهيبتها لأن الأفعال الشاذة تكون لها ردود أفعال مثلها ، ودور الدولة هو منع الشذوذ بكل أنواعه وبنفس المكيال وبعيدا عن الخضوع للابتزازات مهما كان نوعها.
وسوم: العدد 625