سُكْنَى نُفُوسِهِم
يقول الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"النَّاسُ سُكْنَى نُفُوسِهِم..فَإذا أردتُم دُخُولَ نُفُوسِهِم والتَعامُلَ مَعَهُم..فَاستَأنِسوا نُفُوسَهم ولَاطِفُوهُم..ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"جَاءت امرأةٌ مِنَ الأنْصَارِ فَقَالَت:يا رَسولَ اللهِ إنِّي أكونُ في بَيتِي على حَالٍ لا أُحِبُ أنْ يَرانِي عَلَيهَا أحدٌ..لا وَالَدٌ ولا وَلَدٌ..فَيَأتِي الأبُ فَيَدْخُلُ عَلَيّ..وإنَّهُ لا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ أهْلي وَأنَا عَلَى تِلْكَ الحَالِ..فَكيّْفَ أصنَعُ ..؟فَنَزَلَت هذه الآيَة من كتاب الله تعالى:"لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا"الاسْتِئنَاسُ في العُرفِ الاجتِمَاعيِّ..أنْ لا يُفَاجِئ المرءُ مَنْ يَقصِدُه..بلْ يَنبَغي أنْ يُنَبِّهَهُ بما يُشعِرَهُ بِقدُومِهِ..والعرب تقولُ مَثلاً:"وين أهل الدار..؟"وبعد الاستئناس والاسْتِئذَانُ يكُونُ السلامِ..هذا بِشكلٍ عامٍ..أمَّا لاسْتِئنَاسُ في التَعَامُلِ..فَيَكُونُ بِالْمُلاطَفةِ والابتِسَامَةِ وبِالْقولِ الحَسنِ لِقولِه تَعَالى:"وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً"بلْ وبِالْقولِ الأحَسنِ لِقولِه تَعَالى:"وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"وَمِنَ الاسْتِئنَاسِ السَعيُّ لِلنَّاسِ وَلو كَانُوا قُساةً طُغاةً لِقولِه تَعَالى:"اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى"وَمِنَ الاسْتِئنَاسِ القولُ الليِّنُ حتى مَعَ أعتى النَّاسِ لِقولِه تَعَالى:"فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"وَمِنَ الاسْتِئنَاسِ دفع السيئة بالحسنة لقوله تَعَالى:"ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"وَمِنَ الاسْتِئنَاسِ التعَامُلِ مَعَ النَّاسِ على قَدمِ المُساواةِ لقوله تَعَالى:"وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ"وَمِنَ الاسْتِئنَاسِ دَعوةُ النَّاسِ إلى التفَاهُمِ لقوله تَعالى:"تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ"وَمِنَ الاسْتِئنَاسِ قبول الاختلاف في الاعتقاد لقوله تعالى:" لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"وَمِنَ الاسْتِئنَاسِ عدم التعرض لمعتقدات الآخر بسوء لقوله تعالى:"وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ"وَمِنَ الاسْتِئنَاسِ الاعتراف بوجود الآخر لقوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"ومما اتفقنا عليه مع الفاتيكان:أن الاعتراف القائم بيننا هو اعتراف وجود لا اعتراف اعتقاد.
وسوم: العدد 625