إشْكَالاتُ الفَهمِ الاستراتيجيِّ
هناكَ عددٌ منَ الإشْكَالاتِ الفكريِّةِ بَاتت تَعتري طَبيعةَ الفَهمِ الاستراتيجيِّ لَلأجيَالِ للنصوص.. ممَّا يُشكلُ خللاً لَدَى بَعْضِ الجِهَاتِ حولَ بَعْضِ المُصْطَلَحَاتِ وَالمَفَاهِيمِ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلَي:
إشْكَاليَّةُ المُؤامَرةِ: لَا مِنْ حَيثُ وجُودُها.. ولَكنْ مِنْ حَيثُ ظَاهِرَةُ الهَوسِ التَآمُريِّ المُطْلَقِ لِلأحْدَاثِ.. فَالمُؤامَرَةُ مَوْجُودَةٌ لَا يُنكِرُهَا إلَّا جَاهِلٌ أو غَافِلٌ .. وَفِعْلُها وَأثرُهَا يَرْتَبِطُ بِحَالِ كُلِّ مُجْتَمَعٍ قُوةً وَضَعْفَاً.. فَلَا فعْلَ لِلمُؤامَرَةِ مَع أمَةٍ صَحيحَةٍ فِي ذِهْنِها مُتمَاسِكَةٍ في بُنْيَانِها الاجتماعيِّ.. وَبِكُلِّ تأكِيدٍ تَنْدَحرُ أمَامَ رُسُوخِ إيمَانِها بِهُويتِها وَرِسَالتِها في الحَيَاةِ لِقولِه تَعَالَى:" قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" . الانغِلَاقُ عَلَى الذَاتِ.. مِنْ حَيثُ احتِبَاسُ الكَثِيرِ مِنْ أبنَائِها في زُخْرُفِ المَاضِي المَجِيدِ.. وَتَلّهِيهِمُ بِتْردَادِ أخبَارِ عِزْهِم التَلِيدِ. ضَعْفُ فَّهْمِ رِسَالَةِ التَجْدِيدِ وَالتَطْويرِ الَتِي أكْدَهَا الإسْلَامُ وَرَغّبَ بِها.قِلَةُ الجَهدِ المَبْذُولِ فِي اسْتِقْصَاءِ وَاسْتِنْطَاقِ النص الدِينيِّ رَغْمَ أنَّهُ نَصٌ مَوسُوعِيُّ المَعَانِي وَالدِلَالَاتِ.. وَعَالِي الكَفَاءةِ وَالقُدْرَةِ لفي الاسْتِجَابَةِ لِمُتطَلَبَاتِ الزمَانِ وَالمَكَانِ.. وَلِلأسفِ فَبَدَل أنْ نَعمَل كَمَا عَمِلَ أسْلَافُنَا.. أو بَدَلَ أنْ نَبنِي فَوْقَ مَا بَنوا.. نَجِدُ فَرِيقاً مِنْ دَاخِلِ الأمَةِ يُحَاصِرُون قُدْرَاتِ النص بِمَقُولَتينِ مُقيّدَتِينِ لِتَفعِيلِ مخزوناته هما: 1. مَقُولَةُ: "هلْ لكَ سلفٌ فيمَا تقولُ..؟" كأنَّ المُسلمَ مَحْظُورٌ عَلَيهِ التَفْكِيرُ مِنْ خَارِجِ دَائرَةِ مَا فَكّرَ بِه قبله من السَلَفُ.مقولة: "بَابُ سَدِ الذَرَائعِ" حيثُ جَعَلَ مِنْهَا البَعْضُ مَحْبِساً يَحُولُ دُونَ تَطبيقِ أحْكَامٍ مفيدة وملحة لتحقيق مَصَالِحِ الأفْرَادِ وَالمُجْتَمَعِ بِعِلْةِ خَشْيَةِ المَفْسَدَةِ.. بلْ أنَّ بَعضَهم وَسّعَ هَذا البَابَ تَوسِعةً مُفْرِطةً.. وَصَنَعَ لَه مَفَاتِيحَ لَا تَفْتَحُ إلَّا بِيَدِه.. فُهو المُؤتَمَنُ الوحِيدُ عَلَى فَهمها وَالتَعَامُلِ مَعَ دِلَالَاتِها.. فَهُم سَدَنَةُ أبوابِ النُصُوصِ لَا يُنَازِعُهم فيها إلَّا ظَالِمٌ.. وَهُنَاكَ فَرِيقٌ آخَرٌ مِنَ المُسْلِمين ذَهَبَ مَذْهَباً آخرَ في التَشَدُدِ وَالانْغِلَاقِ أحْسَبُه الأخْطَرَ فِي حَيَاةِ الأمَةِ.. بل هُو الأسُوأ َتدْمِيراِ لأسْبَابِ اسْتِئنَافِ مَسِيرَتِها الحَضَارِيَّةِ.. إنَّهم نَبْتَةٌ نَكِدَةٌ أحْدَثَتَ فَهْمَاً نَشَازَاً أحْمَقَاً في فهم النُصُوصِ الدِينيَّةِ.. لَمْ يَأتِ بمثلهِ أحَدٌ مِنَ الأوْلَين.. وَلَمْ يَقْبَلهُ وَيَرضَى عَنْهُ أحَدٌ مِنَ المُتَأخرِين.. فَكانُوا بِحقٍ الخَوارِجُ الجُددُ.. ألَا وَهُم أصْحَابُ نَزْعَةِ تَكْفِيرِ وَاسْتِبَاحَةِ دِمَاءِ وَمُمتَلَكَاتِ مَنْ لَيسوا عَلَى فَهْمِهم وَتَصْورِهم لِقِمِ دِينِ اللهِ وَرِسَالَتِه الربَّانيَّةِ الخَالِدَةِ.. وبعدُ: فإنَّ مَا تَقَدَمَ مِنْ مَخَاطِرَ في إشْكَالَاتِ الفَهْمِ لِقِيمِ الإسْلَامِ وَرِسَالَتِه الإنْسَانِيَّةِ السَمْحَةِ.. يَضَعُ أجيالَ الأمَةِ مِنْ سَاسَةٍ وَعُلَماءَ وَمُفَكِرين أمَامَ التَحَديّ الأكْبَرِ وَالأصْعَبِ في تَصْحِيحِ المَسَارِ وَاسْتِردَادِ رُشْدِ الأجيَالِ في فَهْمِ قِيَمِ الإسْلَامِ العَظِيمِ..والله المستعان سبحانه.
وسوم: العدد 811