الى تنظيم الدولة الإسلامية داعش: لماذا السعودية بالذات؟

 زمن سادت فيه الجاهلية الجهلاء، وانتكست الفطرة البشرية، كانت المرأة تخرج إلى الصحراء لتضع حملها على شفا حفرة قد أعدّها الزوج.

فإن كان ذكرا احتملته معها إلى الديار، وإن كان أنثى، أودعها فقيد الرحمة الحفرة وأهال عليها التراب وهي حية، فلما أشرقت شمس الرسالة، نزل التهديد والوعيد من فوق سبع سموات على هذه العادة البشعة: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9[.

ستظل هذه الآية تقرع آذان الظالمين الجائرين، الذين استباحوا الدماء التي حرم الله وجعل حرمتها أشد من حرمة بيته الحرام.

فبأي ذنب قتل هؤلاء الرجال في حادث التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجدا لقوات الطوارئ في أبها.

بأي ذنب قتل من كان يؤدي عمله وواجبه، ويترقّب اللحظة التي يأوي فيها إلى بيته، ويُغلق عليه بابه، ويداعب أطفاله، ويحلم معهم بمستقبل أفضل.

وبأي منطق يُعتدى على بيت من بيوت الله، وبأي دين يستباح دماء الأبرياء؟

*حتى كتابة هذه السطور لم تعلن أي جهة من مصادرها الرسمية مسئوليتها عن التفجير، ولا حتى التحقيقات الأولية إلا ورقة تمّ تداوُلها في (تويتر) بأنها صادرة عن ولاية الحجاز التابعة لتنظيم الدولة الاسلامية داعش..ونظرا لأن المصدر ليس مُقطوعا بصحّته .. لذلك سوف أبني هذه المقالة على احتمالين:

*ابتداء من قام بهذا العمل هو صاحب عقيدة (بغض النظر عن صلاحها أو فسادها)، فلا يوجد على الأرض من يُضحّي بنفسه في عمل انتحاري سوى من كان يحمل عقيدة تُحرّكه إلى هذا، وتيقّن قلبه بأنه بضغطة ( زر) سوف يباتُ ليلتهُ تلك في الجنة.

وأبرز الاحتمالات القائمة أمامي أن تكون إيران أو أذنابها من الحوثيين أو الأقلية الشيعية هي التي قامت بالتفجير الإرهابي في بلاد الحرمين.

وفي هذه الحال لا نملك كثيرا من الكلام لنقوله، سوى أن ذلك امتداد طبيعي لما حذرنا منه - ولا نزال - من الخطر الإيراني الشيعي على المنطقة.

وإذا صدق هذا الظن، فهو يفرض على الحكومة السعودية مزيدا من الحزم والرقابة الصارمة على الشيعة في الداخل، كما يفرض عليها مزيدا من القوة في مواجهة النفوذ الإيراني، عن طريق حسم المعارك في اليمن، ودعم كتائب الثوار في سوريا لإسقاط نظام الأسد، ودعم الأقليات والعرقيات المناهضة للحكم الفارسي داخل إيران، وتعميق التحالف السعودي القطري التركي، هذا بإيجاز شديد ما أراه واجب المرحلة.

*أنتقل إلى الاحتمال الثاني وهو ما يهمني حقيقة، وهو أن يكون الفاعل هو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش(.

وبرز هذا الاحتمال أمامي - وإن كنتُ أدعو الله أن يخيب ظني – بسبب أسلوب التفجير (انتحاري بحزام ناسف)، ولأن التنظيم تبنّى عمليات سابقة ولأن هنالك ورقة متداولة من ولاية الحجاز تتبنّي عملية اليوم ، ولأنه الى الآن لم يتبرأ التنظيم  من عملية (عسير) رغم علمه بأن أصابع الاتهام سوف تشير إليه.

*وعلم الله أنني لطالما دافعت عن تنظيم الدولة الإسلامية، ودعمتُ قتاله ضد الحشد الشعبي الشيعي في العراق، ونظام الأسد في سوريا، وأرفض العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي ضده في العراق، ورأيت ولا زلت أننا لا ينبغي أن نكون جزءًا من تحالف صليبي صفوي ضد المُخطئين أو الشاردين من بني جلدتنا.

*أسوقُ ذلك الكلام لأنني على يقين من أن عناصر التنظيم، سوف يرشقوني كالعادة بتهمة العمالة وأني مأجورة لآل سعود كما يقولون، وقد قالوا بالفعل عند أول تعليق لي على الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكنني لا أقول إلا ما أراه حقا، وسأعيش وأموت على ذلك وإن عاداني الجميع، فهي أمانة الكلمة، لن أخونها ولو على رقبتي حد الحسام.

*وأضطرُّ إلى أن أستجلب لنفسي مزيدا من السخرية من القراء، بعادة أقوم بها على مواقع التواصل لا تليق حتما بمقام المقالة، لكنني سأقولها: اللهم انتقم مني إن كنتُ مأجورة لأحد، وانتقم ممن رماني بذلك إن كان ظالما.

أخاطب هنا تنظيم الدولة الإسلامية داعش...

 لماذا السعودية؟

تقولون أنها جزء من التحالف الدولي الذي يشن الهجمات عليكم في العراق؟

حسنا، دعونا من تصنيف السعودية لكم أنتم ونظرتها إليكم.. والتي اختلف الجميع فيها، ودعونا من كون بعض المصادر الموثوق بها (لدي) تؤكد أن السعودية على عكس المُعلن لا تشارك بالعمليات منذ بدء عاصفة الحزم، وهذا حقكم فلا يَلزم القول إلا بالمُعلن.

*لكني أسألكم: من الذي يقود التحالف الدولي؟ أليست أمريكا؟! لماذا لا تتوجهوا إلى ضرب المصالح الأمريكية لتجبروها على التراجع؟ لماذا لا توجهوا عملياتكم ضد الدول الغربية الأخرى التي تشارك بالتحالف؟

ألم تروا أن هناك من دول الخليج من يدعم التحالف الدولي ويناصبكم العداء ويُفاخر بذلك أكثر من السعودية؟

 ألم تعلموا أن هناك من الدول الخليجية من كانت سببا لنجاح مفاوضات إيران النووية مع مجموعة 5+1؟ فلم لم تهاجموها؟

وقطعا لا نتمنى أن تفعلوا، ولكن السؤال يفرض نفسه:

 لماذا السعودية؟

ولماذا السعودية وهي تتصدى لإحدى حلقات المشروع الصفوي الإيراني (الحوثيين) وهي خطوة جديدة قد تكون نواة لمشروع سني يواجه المشروع الإيراني؟

ستقولون: فعلها لتأمين حدوده؟

وأقول: ما لكم وللنوايا والأهداف؟ ما يهم هو تقييم الفعل ذاته.

وأكرر:

لماذا السعودية وقد شقت طريقها تجاه التحلّل من التبعية الأمريكية؟

ولماذا السعودية مع أنها بدأت في التقارب مع المقاومة الفلسطينية؟

لماذا لا نعطي الفرصة للحكام لكي يثبتوا لنا إخلاصهم وحرصهم على الأمة؟

 لماذا نضع الجميع في سلّة واحدة؟

فجّرتم في السعودية وفي الكويت وفي البحرين وفي مصر وفي تركيا، لن أقول لكم لماذا لم تفعلوا في قلب الكيان الإسرائيلي، ولكن لماذا لم تفعلوا في قلب إيران رأس الأفعى.

*تقولون: أننا نستهدف الحرس الثوري الإيراني وميلشيات الحشد الشعبي في العراق الموالية لإيران.

وأقول: لماذا تتركون رأس الأفعى، لماذا لم تستهدفوا الداخل الإيراني، لماذا لم تدعموا الأحواز والعرقيات المناهضة للحكم الفارسي؟

*العدناني سبق له وأن قال: (ظلَّت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه؛ ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المُستشيِطين غضبًا رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمّل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان امتثالاً لأمر (القاعدة) للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران).

أقول: لو كان كلامه صحيحا، فلماذا لم تُعدّلوا المسار؟

لماذا تصمتون الآن وقد انفصلتم عن القاعدة إزاء العربدة الإيرانية؟

 كيف يستقيم هذا الكلام مع هذا الفعل؟

*تقولون: أن قتال المرتدين من آل سعود (وفق كلامكم) أولى من قتال الكفار الأصليين؟ مُستدلّين بقتال أبي بكر الصديق المرتدين.

*أقول: لن أدخل معكم في جدال حول عبثية إطلاق الأحكام بالكفر والردة، لكن هل قاتل أبو بكر المرتدين بينما كانت الفرس والروم تهدد حدود البلاد؟

 تلك هي المشكلة تنزيل الأحكام والنصوص دون النظر إلى الواقع.

*تقولون: نضرب في العمق السعودي لأن لنا حاضنة شعبية.

أقول: أي حاضنة هذه، الحاضنة الشعبية أن يكون عموم الشعب مؤيدا لكم، يحميكم ويؤويكم لأنكم تدافعون عن قضاياه، فهل تكون تلك الخلايا النائمة وبعض المشجعين حاضنة شعبية؟

لن أتعامل معكم كغيري وأقول أنكم صناعة أمريكية أو إيرانية، فوقوفي ينتهي حيث يقيني، ولم أتهمكم يوما بذاك..

*لكن إلا دماء أهل السنة يا تنظيم الدولة، وإلا الأبرياء، وإلا بيوت الله ..

إن كان عداؤكم مع آل سعود، فما ذنب هؤلاء الأبرياء الذين قتلتموهم؟

لماذا فجّرتم الحسينيات داخل السعودية تحديدا وأنتم تعلمون أنها ستتعرض لضغوط بسبب هذا؟

بل لماذا هددتم حركة حماس وهددتم باجتياح غزة؟

 لماذا أثار أتباعكم داخل غزة الاضطرابات؟

هلا كانت هذه الجهود تجاه العدو الأكبر، الكيان الصهيوصفوي الأمريكي؟

*ولماذا تُعرّضون دائما بآل سعود وتصفونهم بالنفاق عندما تقولون آل سلول، وهناك من الدول العربية الأخرى ذات الحكم القبلي والعشائري لا تطعنون في أنسابهم؟

هل أفهم من استهدافكم الأبرياء وقتل الدماء المعصومة وضرب معاقل الإسلام في أنكم تكفيريون تستحلون الدماء؟

 أجيبوني لو كان لديكم رد مقنع.

*وأسألكم بالله، ألم يكن هذا التحالف موجودا قبل الملك سلمان؟

 فلماذا لم تستهدفوا المصالح السعودية قبل ذلك على هذا النحو؟

أيها العقلاء: الأنظمة العربية مرتدة، وحماس مرتدون، ومرسي كذلك مرتد، والظواهري الذي كان زعيمكم يوما ما مرتد، والمشايخ مرتدون لأنهم لا يُكفّرون الحكام، والجيوش كافرة، ومن كان ضد تنظيم الدولة فهو مرتد، فمن من الأمة ننسبه للإسلام عداكم؟

*ربما كان قدري أنني إذا بكيتُ رجال الأمن في السعودية أكونُ غير مهتمة بدماء العراقيين والسوريين؟

 وإذا أشرتُ إلى دم العراقيين والسوريين أكون داعشية.

*ستتحدثون اليوم أني متبرجة وسافرة، وحين انتصرتُ لكم عشرات المرات كنت أختكم وقلتم لا ضير تبرجها لنفسها ووقفتها من أجل الدين.

*لن أكون مع التحالف ولو أني الآن ضد أسلوبكم..

 ولن أُرحّب بقتلكم ولو أهدرتم دمي، فأنا أخاصم كالفرسان، سأعدل ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

*لستُ نادمة على تأييدي لكم في قتال الحشد الشعبي ونظام الأسد وتطهير العراق من مليشيات وعملاء ايران، وسأظل أصفق لسقوط كل صفوي أرضا على أيديكم في العراق والشام، أما أن تستهدفوا أرض الإسلام والأبرياء وبيوت الله، فالله بيني وبينكم.

*سيظلّ هذا السؤال سيفٌ بيني وبينكم يا من خسرتُ (عن طيب نفس) كل شيء مقابل ألا أشارك بشتمكم أو شيطنتكم او كتابة نصّ يُدينكم:

لماذا السعودية بالذات؟ ولماذا بعد عاصفة الحزم تحديدا؟ ولماذا في عهد سلمان؟

*غير مقبول أن يكون منطقك: حين تكون ضدي يعني أنك مع التحالف وإعلامه ومع الطواغيت وضد الإسلام والأمة والشريعة..

ولا أملك الا ان اقول :

وعند الله تجتمع الخصوم..

وسوم: العدد 628